دائمًا ما يواجه الشباب عوائق كبيرة في بداية تأسيس مشاريعهم الصغيرة فمسألة تأسيس شركة والبدء بعمل خاص لا يقتصر على توفر المال اللازم لإقامة المشروع فحسب، بل يتعداه إلى الأمور الإدارية والتسويقية والقانونية وإدارة الائتمان وأمور أخرى قد تغيب عن رائد الأعمال.
ومنذ ثمانينات القرن الماضي قامت مؤسسات سميت بـ “حاضنات الأعمال” ترعى الأفكار والمبادرات الشبابية وتقدم لها الدعم المدروس والمتكامل بهدف تحويل أفكارهم إلى مشاريع إنتاجية مفيدة في المجتمع، والحؤول دون وقوعها بأخطاء تؤدي إلى فشها في بداية تأسيسها.
والمعلوم أن قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة يحظى باهتمام بالغ في المجتمعات المتقدمة حيث تقدم لها كافة التسهيلات والدعم اللازم لتأمين انطلاقة سليمة تستطيع النهوض والتطور مع الوقت، ففضلاً عن أنها تقوم على الإبداع والابتكار وتقديم حلول ومنتجات جديدة تعتبر من أكثر القنوات التي تستوعب أعداد عمال كبيرة تسهم في تخفيض معدل البطالة في المجتمع.
أولى الحاضنات في السعودية ظهرت في العام 2008 تحت اسم بادر لتقنية المعلومات والاتصالات
ما هي حاضنات الأعمال؟
اسمها يدل على معناها، فالاحتضان يعني التريبة والتنشئة والرعاية في كيان أو مؤسسة تنموية سميت بالحاضنة، تهدف بالدرجة الأولى إلى احتضان أفكار لمشاريع وشركات ناشئة في كافة التخصصات والمجالات عن طريق تزويدها بحزمة من الخدمات والموارد مثل التمويل والتسويق والاستشارات والتدريب وخدمات أخرى، ومن ناحية أخرى تهدف إلى المساهمة في تقليل البطالة وتنمية الاقتصاد.
وتقسم لقسمين إحداهما ربحية والأخرى لا تهدف للربح، أما الأولى فبعد احتضان المشروع وتقديم الدعم الكامل له بهدف إنجاحه تحصل على جزء من الأرباح حسب النسبة المتفق عليها بين إدارة الحاضنة وصاحب المشروع أو الريادي، أما الحاضنة التي لا تهدف للربح فهدفها الرئيسي تنمية المجتمع التي تتواجد فيه من خلال دعم كل شخص لديه فكرة مشروع جديدة أو يملك شركة قادرة على تحقيق أرباح أكثر في حال تطويرها.
ماذا تقدم الحاضنة؟
تعمل الحاضنة على تقديم حزمة خدمات تسهم في تقليل الصعوبات والعقبات التي تواجه المشروعات الجديدة في بداية انطلاقها ومنها الخدمات الفنية التي تتعلق بالمساعدة في وضع خطة العمل والموازنة التفصيلية للمشروع وتقديم الدورات التدريبية والاستشارات الفنية والإدراية للمشروعات لإعداد كادر قادر على إدارة تلك المشروعات بكفاءة عالية تبعًا للحاجة الفعلية لكل مشروع.
وخدمات تسويقية من خلالها تقدم الحاضنة خدمة إشراك المشروعات في المعارض الداخلية والدولية وتعمل على تسويق منتجات المشروعات في القنوات المتاحة، كما تعمل على تسجيل المشروعات في سجلات صغار الموردين بالوزارات والهيئات الحكومية تمهيدًا لدخولهم في المناقصات والتوريدات الحكومية.
أما الخدمات المحاسبية فالحاضنة تحرص على تعليم أصحاب المشاريع المنضمين للحاضنة على أسس المحاسبة وكيفية إعداد الميزانية والفواتير، أما الخدمات الإدارية فكل ما له علاقة بالأمور اللوجستية والتنسيق الإداري.
تكلم الدكتور عبد الرحمن الجاموس لنون بوست عن دور حاضنات الأعمال في المجتمع قائلاً إن لها دورًا جوهريًا في دعم رواد الأعمال من المبادرين والمبدعين الذين تتوافر لهم الأفكار الطموحة والدراسات الاقتصادية السليمة، وأشار أن إحدى الدراسات ذكرت أن 50% تقريبًا من الشركات وخصوصًا الصغيرة منها فشلت لأسباب تتعلق بالإدارة والضعف في اتخاذ القرار وقلة الخبرة بمتطلبات السوق، ولعل هذه الأسباب كانت دافعًا منذ البداية لتأسيس حاضنات الأعمال والحؤول دون فشل تلك المشاريع ووقوعها في أخطاء يمكن تلافيها من خلال إخضاع صاحب المشروع لجملة من الأساسيات قبل البدء بالمشروع ومراقبة تطور المشروع في كل مراحله حتى يحقق النجاح ويبدأ بتحقيق الأرباح.
ويكمل الجاموس لنون بوست أن المجتمعات العربية تفتقر بشكل كبير لهذا النوع من الكيانات الاقتصادية المهمة، علمًا أنها الأداة التي استخدمها الأوروبيون ومن قبلهم الأمريكيون في تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث عمدت المؤسسات الحكومية والخاصة ووكالات التنمية بتبني الحاضنات بوصفها أداة لتقليص احتمالية الفشل في المشروع أولاً وثانيًا أداة لتسريع عمليات الابتكار في عالم المال والأعمال، بحيث تمتلك مئات الحاضنات في كافة التخصصات والقطاعات الإنتاجية في الدولة مع ربطها بحاجة الأسواق وتطور الحياة المستمر لمواكبة آخر التطورات.
تعمل الحاضنة على تقديم حزمة خدمات تسهم في تقليل الصعوبات والعقبات التي تواجه المشروعات الجديدة في بداية انطلاقها
ويذكر الجاموس أن المجتمعات العربية تأخرت في إدخال هذا النوع من الكيانات إلى اقتصادياتها علمًا أنها بأمس الحاجة لها لتشجيع الشباب على العمل والابتكار وتنويع الموارد غير البترولية في الاقتصاد.
الجدير بالذكر أن أولى الحاضنات في السعودية ظهرت في العام 2008 تحت اسم بادر لتقنية المعلومات والاتصالات، تأسس بعدها حاضنات أخرى في السعودية وغيرها من الدول العربية إلا أنها لا تزال قليلة ولا ترتقي للمستوى المطلوب في المساهمة الحقيقية بالتنمية الاقتصادية.
واليوم في ظل ما يعانيه العالم العربي من أزمات اقتصادية مختلفة لا مناص من الاعتماد على حاضنات الأعمال في كل التخصصات لرعاية الأفكار الإبداعية من الشباب العربي وتشجيعهم على ثقافة الإنتاج والعمل، والتخلص من الكثير من العادات السيئة والركون للراحة وترك العمل والإنتاج التي تعلق بها الشباب العربي في بعض الدول العربية الغنية وبالأخص الخليجية والمساهمة في مساعدة الحكومة في تنويع مصادر إيراداتها وبناء اقتصاد منتج قادر على اللحاق بركب الدول المتقدمة.