من تركيا، تلك البلاد التي يعشق أهلها كرة القدم بجنون، جاء النجم ذو اللحية الكثة والابتسامة العريضة، ليبهر بمهاراته الفريدة وفنياته المدهشة كل من شاهده، ويشكل امتدادًا لنجوم العصر الذهبي التركي، كهاكان شوكر ويلدراي باشتورك وإيمري بيرزوغلو وروشتو وغيرهم، أولئك النجوم الذين ملأ صيتهم الكروي الرفيع ملاعب القارة العجوز، منذ مطلع الألفية الجديدة وحتى الآن.
إنه أردا توران، نجم فريق غلطة سراي السابق، والذي لم يكتف بما حققه من نجاحات وإنجازات مع نادي أتلتيكو مدريد، بل واصل مسيرة تألقه صعودًا مع نادي برشلونة العملاق، ليصبح واحدًا من نجوم الصف الأول عالميًا، فمن أين بدأت قصة نجاحه؟ وكيف سارت رحلة أمجاده؟ وما الذي قدمه وفعله حتى أصبح خير ممثل لوجه بلاده الرياضي المشرق عبر العالم؟
في حي بايرام باشا الواقع في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول، ولد أردا توران يوم 30 يناير 1987، وبين أزقة الحي المكتظ وحواريه نمت موهبة الطفل الجريء، الذي انتسب إلى أحد أندية مدينته ويدعى (ألتينتيبسي ماكيلسبور)، وهو ابن 10 سنوات، واستمر فيه حتى عام 2000، الذي شهد انتقاله إلى نادي غلطة سراي، ليتابع نموه ضمن صفوف مدرسة التكوين الخاصة بالنادي العملاق، والتي مكث فيها زهاء 3 سنوات، كان له فيها موقف لا ينسى، حيث أتيحت له في إحدى ليالي شهر مارس عام 2002، فرصة نادرة ليشاهد – عن كثب – رجال ناديه غلطة سراي في مواجهة العملاق الكتالوني برشلونة، خلال إحدى مباريات مرحلة المجموعات من دوري أبطال أوروبا، وذلك حين كلف بمهمة جامع الكرات في ملعب علي سامي ين، فكان أن سجل لاعب برشلونة لويس إنريكة هدف المباراة الوحيد، لتبقى تلك الذكرى الجميلة ماثلةً كالحلم في روح اليافع التركي، إلى أن شاءت الأقدار أن يصبح نجمًا لفريق برشلونة تحت قيادة المدرب لويس إنريكة!
لم يطل المقام بأردا في صفوف فرق غلطة سراي السنية، حيث ارتقى بسرعة للعب في صفوف فريق النادي الرديف بدءًا من صيف عام 2003، قبل أن يفاجأ يوم 22 يناير 2005 باستدعائه لتمثيل الفريق الأول للنادي، وهو لايزال ابن 18 عامًا! حين استدعاه المدرب الروماني وأسطورة النادي السابق جورجي هاجي لتمثيل الفريق في مباراة الكأس أمام بورصة سبور، ولم تكن هذه سوى البداية، حيث صعد اللاعب رسميًا إلى صفوف الفريق الأول بدءًا من مطلع الموسم التالي، وذهب في رحلة إعارة قصيرة إلى نادي مانيسا سبور، حيث لعب 15 مباراةً في الدوري التركي خلال إياب موسم 2005-2006، نجح خلالها في تسجيل هدفين وصناعة مثلهما، ليعود إلى ناديه الأم مطلع الموسم التالي، ويبدأ معهم كتابة قصة نجاحه.
لم تكن عودة الشاب إلى ناديه الأم هي الخبر الوحيد المفرح له صيف عام 2006، بل كانت تنتظره فرحةً كبرى، تمثلت باستدعائه من قبل المدرب الوطني فاتح تيريم، لتمثيل منتخب تركيا الأول خلال مباراة لوكسمبورغ الودية يوم 13 أغسطس، وذلك عطفًا على تألقه السابق ضمن صفوف منتخبات الفئات السنية التركية، والتي توجها بإحراز بطولة أمم أوروبا للناشئين عام 2005.
واستمر نجمه بالصعود في صفوف غلطة سراي، فكسب مكانةً ثابتةً في التشكيل الأساسي لفريقه في أول مواسمه بعد العودة، وقادهم للتويج ببطولة الدوري التركي في موسمه الثاني، الذي اختير خلاله كأفضل لاعب في الموسم، قبل أن يتابع صعوده الصاروخي بتألقه اللافت مع منتخب الهلال والنجمة في بطولة أمم أوروبا صيف عام 2008، والتي قادهم فيها إلى إنجاز تاريخي غير مسبوق، بعد تسجيله هدفين غاليين في مرمى كل من سويسرا والتشيك، ساعدا منتخب بلاده على بلوغ نصف نهائي البطولة، التي رشحه منظموها لحمل جائزة أفضل لاعب صاعد فيها.
وبعد بطولة اليورو، تحول أردا إلى بطل قومي يحظى بجماهيرية هائلة، وانعكس ذلك على وضعه داخل ناديه، حيث أصبح كابتن الفريق رسميًا اعتبارًا من مطلع موسم 2009-2010، وحمل القميص رقم 10 الذي كان يحمله أساطير النادي السابقين كجورجي هاجي ومتين أوكتاي، ولكن انخفاض مستوى الفريق ككل خلال الموسمين التاليين، حرمه من تحقيق مزيد من الإنجازات مع الفريق الأحمر والأصفر، فاتخذ قراره بالانتقال إلى نادي ليفربول الذي يعشقه، ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنه، فتعرض لإصابة خطيرة في فخذه في أكتوبر 2010، حرمته من خوض أغلب مباريات الموسم، لتنخفض أسهمه بشدة أواخر الموسم، وتنسحب أغلب عروض الاحتراف السخية التي جاءته مطلع الموسم من كبرى أندية أوروبا، وتقتصر فرصه على الاختيار بين ناديي تشيلسي وأتلتيكو مدريد، فاختار الثاني رغبةً في الالتحاق بمشروع المدرب دييغو سيميوني الطموح.
ومقابل مبلغ لم يتجاوز الـ 12 مليون دولار، ظفر الأتليتي صيف عام 2011 بالنجم التركي الصاعد، والذي يتماشى أسلوب لعبه مع فلسفة سيميوني التدريبية، القائمة على الروح المعنوية العالية والقتال حتى آخر لحظة في الملعب، ولذلك لم يواجه أردا أدنى صعوبةً في ولوج التشكيل الأساسي للروخي بلانكوس منذ موسمه الأول معهم، والذي انتهى بفرحة كبرى تمثلت بتتويج النادي ببطولة اليوربا ليغ، والتي لم تكن سوى أول الغيث في إنجازات الحقبة الذهبية في تاريخ النادي، والتي فازوا خلالها ببطولة السوبر الأوروبي عام 2012، ثم كأس إسبانيا عام 2013، ثم أحيوا أمجادًا عمرها أكثر من 17 عامًا، بفوزهم ببطولة الدوري الإسباني عام 2014 على حساب العملاقين برشلونة وريال مدريد، قبل أن ينتهي ذلك الموسم بغصةً ماتزال عالقةً في حلق النجم التركي، عندما فشلوا في سعيهم للتتويج بدوري أبطال أوروبا، بعد خسارتهم الدرامية أمام ريال مدريد في نهائي لشبونة المشهود.
وحافظ النجم التركي على مكانته ضمن الأتليتي على مدى مواسمه الـ 4 معهم، والتي خاض فيها ما مجموعه 178 مباراةً، نجح خلالها بتسجيل 22 هدفًا أبرزها هدفه في مرمى تشيلسي خلال نصف نهائي دوري الأبطال 2014، كما قام بإهداء زملائه 32 تمريرةً حاسمةً أسفرت عن أهداف، ليقرر بعدها إنهاء مسيرته في الأتليتي، رغبةً في خوض تحد جديد مع واحد من أعظم أندية العالم، ألا وهو نادي برشلونة، الذي قدم له عرضًا لم يستطع رفضه!
صيف عام 2015، فوجئ النقاد بصفقة كلفت حوالي 34 مليون يورو، قضت بانتقال النجم التركي أردا توران إلى صفوف نادي برشلونة، رغم أن النادي الكتالوني كان ممنوعًا من إجراء الصفقات في تلك الفترة، نتيجة مخالفته قواعد الانتقال الخاصة باللاعبين القصر!
وجه المفاجأة تمثل في أن أردا كان مجبرًا على انتظار شهر يناير من العام التالي، كي يتمكن من خوض أول مباراة له بقميص البلوغرانا، وذلك تنفيذًا لعقوبة النادي! ولذلك مكث النجم التركي بعيدًا عن الملاعب طيلة ذهاب الموسم الماضي، مما أثر سلبًا على مستواه، فلم يستطع انتزاع مركز أساسي وسط زحمة النجوم في البارسا، ليكتفي بخوض 18 مباراةً، شارك في معظمها من دكة البدلاء، وتمكن خلالها من تسجيل هدفين وصناعة ثلاثة أخرى، في الموسم الذي انتهى بتتويج البارسا بثنائية الدوري والكأس المحلية.
وحمل الصيف الماضي خبرًا سعيدًا لأردا، تمثل بتأهل منتخبه إلى بطولة أمم أوروبا التي أقيمت في فرنسا، حيث لعب نجوم الهلال بقيادة الكابتن أردا توران، ضمن مجموعة نارية تلقوا خلالها هزيمتين أمام كل من كرواتيا وإسبانيا، قبل أن يتفوقوا على التشيك في ثالث مواجهاتهم، لينتهي مشوارهم مبكرًا على نحو مخيب للآمال، جعل النجم أردا يفكر بالاعتزال الدولي بعد أن بلغ عدد مبارياته مع المنتخب الأول 94 مباراةً، سجل خلالها 16 هدفًا وصنع 25.
ورغم خيبتي الموسم الماضي واليورو، بدأ أردا مشواره مع البارسا هذا الموسم بنفَس جديد، فتألق خلال مباراتي كأس السوبر الإسباني أمام إشبيلية، بصناعته هدفًا وتسجيله هدفين، ليقود فريقه إلى إنجاز جديد، ويتابع تألقه خلال مباريات مطلع الموسم الحالي، فيسجل هدفين ويصنع 3 في الدوري، قبل أن ينقذ فريقه من الخسارة أمام مونشن غلادباخ الألماني في الشامبيونز ليغ، بتسجيله هدف التعادل من تسديدة مذهلة، ليعود اسم النجم التركي لصدارة عناوين الصحف كما كان إبان حقبته مع الأتليتي، وتعود ابتسامته العريضة وسجداته الشهيرة للظهور في أعظم ملاعب أوروبا، لتحكي قصة بطل تركيا الكروي الأول، ووجهها الرياضي المشرق في ملاعب العالم.