تأتي الانتخابات البرلمانية المغربية المقرر لها السابع من أكتوبر الجاري، في ظل حالة معاناة غير مسبوقة للأحزاب الرئيسة بالمغرب الإسلاميون واليساريون والليبراليون، في مقابل أحزاب جديدة، تنشأ وتتشكل دومًا قبيل الانتخابات لاستغلال تمويل الدولة فيما يسمى “البلقنة الحزبية”، وهو ما يستحضر طائفة واسعة من الأحزاب السياسية للمشاركة في الحملة الانتخابية، لا تستند بالضرورة إلى قواعد جماهيرية أو مشاريع مجتمعية، بقدر ما تعبر عن مصالح انتهازية لأفرادها، تستغل هذه المناسبات السياسية للانتفاع، حيث تخصص الدولة مبلغًا ماليًا للأحزاب السياسية على سبيل المساهمة في تمويل حملاتها الانتخابية، وحددت مبلغ كل حزب سياسي بـ 750 ألف درهم (حوالي 75000 دولار).
مسرحية هزلية
هذا الأمر واجهته حملة مقاطعة واسعة من المجتمع المغربي، مملوءة بمشاعر الإحباط إزاء أداء الأحزاب المهيمنة، وفشلها في معالجة مشاكل البطالة والتعليم، تساندها بعض القوى السياسية مثلما فعلت جماعة العدل والإحسان الإسلامية، معتبرة الانتخابات التشريعية “مسرحية هزلية واستخفاف بالعقول، وتزكية لنظام فاسد يحول بين الجماهير الداعية للتغيير، ومسلك التحول السياسي بالبلاد”.
رموز الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات المغربية
مخدرات وفساد
معاناة الأحزاب الرئيسة بدأت بحزب الإسلاميين “العدالة والتنمية”، الذي تلقى ضربات موجعة خلال الفترة الأخيرة تقوض شعبيته، بينها ما هو متعلق بالجنس وأخرى بتهريب المخدرات، والثالثة تتعلق باستغلال النفوذ، بدأت بضبط عضوين قياديين بارزين من حركة الإصلاح والتوحيد “الجناح الدعوي للحزب الحاكم” في وضع مخل بالآداب داخل سيارة على شاطئ البحر، والضجة الأخلاقية التي أثارها الأمر، خصوصًا أنه يتعلق بأستاذ جامعي في شعبة الدراسات الإسلامية ومتزوج، وداعية معروفة بمحاضراتها حول الأخلاق والفضيلة في الإسلام، والتي اعترفت بالوقعة خلال التحقيقات بصراحة تثير الاشمئزاز!!
والفضيحة الثانية هي إلقاء القبض على عضو قيادي في الحزب نفسه في قضية تهريب مخدرات، بعد ضبطه وهو يسعى إلى شحن 2200 كيلوجرام منها على متن زورق مطاطي، فيما تورط رئيس الحكومة شخصيًا “عبد الإله بنكيران”، في قضية استغلال نفوذ، ورفض هو ووزراؤه المثول أمام البرلمان بخصوص ما سمي بواقعة “أراضي خدام الدولة”، والمتعلقة بحصول عدد من المسؤولين على أراض بثمن أقل من المعمول به كثيرًا، حصل منها بنكيران نفسه على قطعتي أرض في مدينتي تمارة وسلا، وسجلهما باسم زوجته.
أزمة السلفيين
لم يستفق الشعب المغربي من الصدمات السابقة للحزب الإسلامي الحاكم، إلا وقد فوجئ بترشيح الحزب نفسه للسلفي حماد القباج في مراكش، وهو الترشيح الذي رفضته السلطات المغربية في مراكش، باعتباره وقع كالصاعقة على جميع الداعين للتعايش السلمي بالمملكة الشمال إفريقية، حيث يروج القباج لفكر متطرف، ويدعو في خطبه الدينية إلى إبادة اليهود، وجعل أموالهم غنيمة للمسلمين، في بلد يعرف بالتعايش بين الأديان منذ قرون.
سابقة تاريخية
الأزمة لم تتوقف عند الإسلاميين فقط، وتخطتها للحزب اليساري، وشهد المغرب سابقة تاريخية، ربما تكون على مستوى العالم، وهي أن يترشح زعيم حزب سياسي – ما يزال في منصبه – باسم حزب سياسي آخر، حينما أعلن نجيب الوزاني الأمين العام لحزب العهد المحسوب على الفكر اليساري، عن ترشحه باسم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، في واقعة بعيدة تمامًا عن فكرة الممارسات السياسية المحترمة، وتؤكد هيمنة فكرة التصويت على الشخص بدل البرنامج السياسي كما يفترض، كونه بترشحه هذا يضمن تصويت كتل الإسلاميين له، ليتخطى هيمنة حزب العدالة والمعاصرة ببلدته الحسيمة شمال المغرب.
الليبراليون كذلك لم يتخطوا الأزمة، وأعلن الحزب الليبرالي مقاطعته للانتخابات، احتجاجًا على عدم المساواة بين جميع الأحزاب المغربية في الدعم المالي، وقال الأمين العام للحزب محمد زيان: “منحوا لنا 75 مليون سنتيمًا، في حين منحوا لباقي الأحزاب، التي يعتبرونها كبيرة، ستة مليارات موزعة فيما بينهم،.. لماذا؟”، معتبرًا أن العملية الانتخابية القادمة مجرد “مسرحيةً مكررةً، تجبر الشعب المغربي على الاختيار بين حزبٍ يستغل الدين، وحزبٍ يستغل موارد الدولة”، في إشارة منه إلى حزبي العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة.
براجماتية الأحزاب
بعيدا عن صراعات الأحزاب المتوقع مشاركتها بالانتخابات، ووعودها الجوفاء المتكررة مع كل موسم انتخابي، فإن المنافسة دائما ما تنحصر بين كتلتين هما الأكثر هيمنة على المشهد الانتخابي المغربي، أولها حزب الأصالة والمعاصرة العلماني، القريب من القصر، والذي يطرح نفسه بديلًا لخلافة حزب العدالة والتنمية في الحكم، والحزب الإسلامي الحاكم الذي يسعى إلى الحفاظ على كرسي الحكومة لولاية ثانية، معتمدًا على قاعدته الانتخابية الكبيرة.
للوهلة الأولى، وبعيدًا عن جدلية القواعد الشعبية المردود عليها بتوقعات هبوط نسب المشاركين في الاقتراع بنسبة كبيرة عنها في 2011، يبدو وكأن المواقف الحزبية الأخرى غير الحزبين الرئيسيين “الأصالة والمعاصرة” و”العدالة والتنمية” تنتظر نصيبها في الكعكة البرلمانية والحكومية، بعيدًا عن أيديولوجيتها وهوية الحزب الفائز بين الكبيرين، وهو ما تؤكده حقيقة نجاح حزب العدالة والتنمية في الحصول على الدعم من أحد الأحزاب الاشتراكية “حزب التقدم والاشتراكية”، فيما نجح حزب الأصالة والمعاصرة، في استقطاب أعضاء “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الديمقراطي الاجتماعي”، أما معظم الأحزاب الأخرى فتنتظر النتائج النهائية للانتخابات، كي تتفاوض على مشاركتها مع الفائز في ائتلاف حاكم، اعتمادا على أن المادة 47 من دستور 2011 تنص على قيام الملك باختيار رئيس الوزراء من الحزب الأكبر في البرلمان.
هذه الأحزاب لا تنظر للأيديولوجية بقدر ما تنظر ببراجماتية لموقعها بالبرلمان والحكومة، وهو الواقع الذي أثبتته تجارب سابقة بتواجد التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب وسطى، في الحكومة بصورة شبه مستمرة منذ تأسيسه، فيما يعتمد الاتحاد الدستوري موقفًا أكثر صدامية تجاه حزب العدالة والتنمية، ومن غير المرجّح أن ينضم إلى الحكومة في حال كان النصر حليف الإسلاميين، ويتبنّى حزب وسطى ثالث “الحركة الشعبية” موقفًا أكثر تعاونًا تجاه حزب العدالة والتنمية، وقد وافق في المبدأ على أن يكون جزءًا من الحكومة المقبلة في حال حقّق الإسلاميون الفوز؛ ومن المرجح أيضًا أن تُبقى هذه الأحزاب خطوط التواصل مفتوحة مع حزب الأصالة والمعاصرة العلماني في حال فاز في الانتخابات.
ملامح أزمة مقبلة
بعيدًا عن منافسة الكتلتين على الساحة، بدأت أصابع النظام المغربي في ترتيب قطع الشطرنج بساحتها السياسية، فيما يبدو وأن النظام الملكي لا يطمئن لهيمنة الإسلاميين على الحكومة، حتى إن مظاهرة حاشدة خرجت بالدار البيضاء قبل أيام ترفع شعارات “لا لأخونة الدولة” و”لا لأسلمة الدولة”، أعد لها القصر الحاكم نفسه، حيث ظهر بين المتظاهرين أناس من مناطق مختلفة، فقيرة، لا يعنيها الفئة الحاكمة بالأساس، ولا تمثل كتلتها التصويتية أي تأثير في سير الانتخابات، وهي التظاهرة التي تبعتها تدوينة وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، التي اتهم فيها وزير الداخلية محمد حصاد، المعين من طرف القصر الملكي، بالانفراد بالقرار فيما يخص تنظيم الانتخابات، متبرئًا من أي انحراف قد يشوب العملية الانتخابية، ما يثير شكوك البعض حول عزم السلطة التأثير في نتائج الانتخابات، وهو ما يشي بأسوأ مواجهة بين النظام وحزب العدالة والتنمية منذ 2011، على الرغم من التصريحات المتكررة من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، طيلة فترة ولايته بأنه “موظف لدى حكومة جلالة الملك”، مؤكدًا على علاقته الوطيدة بمستشاري الديوان الملكي، في محاولة منه لكسب ثقة القصر من أجل السماح له في الاستمرار على رأس الحكومة.