قبل أسابيع، أعلنت القوات العراقية عن تحرير مدينة الشرقاط بمحافظة صلاح الدين من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية بعد 72 ساعة من الكر والفر والقتال المستمر داخل المدينة وخارجها، بحسب بيان لخلية الإعلام الحربي.
إعلان القوات العراقية تحريرها الكامل لقضاء الشرقاط ولمحافظة صلاح الدين كان نصرًا إعلاميًا كبيرًا لهذه القوات المرابطة على حدود المدينة منذ أشهر، لكن في نفس الوقت، أكدت تقارير إعلامية أن القوات العراقية المدعومة بميليشيات الحشد الشعبي تخوض حرب عصابات في مناطق متفرقة من المدينة سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى، بعد هجمات خاطفة لتنظيم الدولة.
هذه المدينة العراقية السنية التي تقع على بُعد 115 كيلومترًا جنوب محافظة نينوى، لم تكن ولن تكون الأخيرة في سلسلة الحرب على تنظيم الدولة، فقبل تحرير الشرقاط، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الجيش طرد تنظيم الدولة من منطقة القيارة المنتجة للنفط والواقعة جنوبي الموصل، كما أسفرت هذه العملية العسكرية عن استعادة السيطرة على مصفى القيارة النفطي، الأمر الذي أدى إلى خسارة تنظيم الدولة أكبر مصدر لتمويل عملياته.
بتحرير القيارة التي تشهد هي الأخرى إلى حد الآن هجمات متفرقة لتنظيم الدولة، تحدثت تقارير عن وصول المئات من الجنود الأمريكيين إلى قاعدة القيارة العسكرية استعدادًا لبدء الهجوم على مدينة الموصل، وتعد هذه القاعدة العسكرية واحدة من أبرز القواعد العسكرية الجوية في العراق، حيث عمل التحالف الدولي بالتنسيق مع بغداد على تهيئتها لاستخدامها في معركة الموصل، وتعتبر القيارة إحدى نواحي مدينة الموصل، حيث تقع إلى جنوب المدينة بحوالي 60 كيلومترًا.
تنظيم الدولة الإسلامية الّذي خسر أكبر المدن التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، يعلم جيدًا أن خسارة القيارة ستكون لها العديد من التبعات فيما يتعلق بمعركة الموصل التي يتم حشد عشرات آلاف من الجيش والشرطة والميليشيات لها، فالمدينة السنية ستكون منطلقًا للعمليات ضدّ التنظيم الجهادي، كما أن قاعدتها العسكرية الجوية ستوفر على طائرات التحالف الدولي مئات الكيلومترات مسافة وآلاف الدولارات كلفة.
من جهته، أعد تنظيم الدولة العدة لمعركة الموصل المصيرية، فإما حياة وإما موت، ولا حل وسط، فمجرد كشف جهازه الإعلامي في أكثر من مرة عن قوات خاصة أعدت خصيصًا للدفاع عن الموصل، ما هو إلا دليل كاف على أن المفاجآت التي يخبئها كثيرة وقواته الخاصة إحداها.
من ناحية أخرى، زعمت تقارير إعلامية غربية نشرت مؤخرًا، أن تنظيم الدولة أصبح يمتلك صواريخ مضادة للطائرات قادرة على إسقاط طائرات التحالف الدولي، بل وصل الأمر بالقول أن صواريخ “ستينغر” أصبحت متاحة في أيدي “سرايا الدفاع الجوي” التي ما فتئ التنظيم يؤكد على جهوزيتها في أكثر من مناسبة، للفتك بطائرات التحالف الدولي.
العالم اليوم أمام معركة فاصلة أعدت لها قيادات التنظيم المتبقية العدّة، كما أعد لها الموصليون الأبرياء منازلهم التي سيطالها قصف طائرات الإف الأمريكية والرافال الفرنسية بأنواعها، فالمعركة التي ستكون حاسمة وأصعب معركة في التاريخ الحديث ونعني هنا بالتاريخ الحديث، تاريخ المواجهات بين الجهاديين وبين القوى الغربية التي ما فتئت تلحق خسائر فادحة بتنظيمي القاعدة والدولة في السنوات الأخيرة.
معركة الموصل هي معركة مصيرية ولا يختلف اثنان في ذلك، فهذه المدينة التاريخية الممتدة الأطراف والتي يبلغ تعداد سكانها حوالي مليوني ساكن، كانت قد عانت من بطش القوات العراقية قبل دخول تنظيم الدولة الإسلامية، كما أن ما قامت به الميليشيات الشيعية مدعومة بالجيش النظامي وقوات الشرطة الإتحادية ومكافحة الإرهاب وغيرها من التشكيلات المقاتلة في بيجي والفلوجة وتكريت وديالى والرمادي وغيرها من المدن التي استرجعتها، من إرهاب وحرق للمنازل والمساجد وتهجير للسكان الأصليين وفق ما أكدت ذلك تقارير حقوقية دولية، سيكون حجر عثرة أمام الموصليين للخروج عن التنظيم والوقوف في صف “التحالف العراقي الدولي”.
بدوره يعلم تنظيم الدولة الإسلامية، أن خسارته للموصل ستكون ضربة كبيرة ولن تكون قاضية في مسيرته الجهادية، ففقدانه للموصل لن يكون مميتًا له ولمقاتليه ولن تفنى “الدولة” ولن “تتبدد”، حيث سبق وأن أكد الناطق الرسمي السابق أبو محمد العدناني في أكثر من كلمة صوتية أن خسارة المدن لن تعني نهاية المسيرة الجهادية لآلاف المقاتلين الّذين جاؤوا من كل حدب وصوب، فالصحراء بحسب كلام “العدناني” ستكون ملاذًا آمنًا لهؤلاء كما أنها ستكون منطلقًا للعمليات المستقبلية ضد القوات العراقية والميليشيات الشيعية.
نعلم جيدًا كما يعلم قادة التحالف الدولي، أن معركة الموصل لن تكون سهلة كما أنها لن تكون نهاية المعركة ضد الجهاديين الذين تمكنوا بفضل الثورة السورية من تجنيد عشرات الآلاف شيبًا وشبابًا في صفوفهم، فحتى إن خسرت الدولة كل مناطقها في العراق، فستبقى سوريا ملاذًا آمنًا لمقاتليها وأهاليهم، كما أن التهديدات ومخاطر شن هجمات جديدة داخل عمق الدول الغربية ستبقى واردة جدًا بل سترتفع مثلما حذّر من ذلك أكثر من مسؤول غربي.
العالم اليوم كالبركان يغلي وغليانه أسمع الطُرشان، فبالكاد توجد دولة بعيدة عن التهديدات الإرهابية أو عن القلاقل والأزمات الداخلية وهذا أساسه الحروب الدائرة في المنطقة العربية، فإما هي حروب مباشرة ترتدي رداء الديمقراطية والحرب على الإرهاب والتطرف وإما هي بالوكالة بين قوى دولية تجتهد في تحقيق أكبر مصلحة ممكنة من خلال رهانها على الطائفية والمذهبية، ولعل الحرب على الموصل والسعي إلى تدميرها تحت مسمى محاربة التنظيم الدولة الإسلامية أبرز دليل على ذلك.
فهل تحرر طائرات التحالف جويًا والقوات العراقية بريًا مدينة الموصل وتخرج أهاليها سالمين، أم أن الدمار والخراب سيكون نتيجة حتمية لصواريخ أمريكا الغبية وطائفية القوات العراقية التي ستكون مدعومة غصبًا عنها بالميليشيات الشيعية؟