تصل المديونية في الاردن اليوم إلى إثنين وتسعين بالمئة من الناتج القومي، هذا الرقم المرعب والكبير، وضغوطات الموازنة والعجز والمديونية، باتت جميعا تدفع الأردن إلى طلب المنح بل ومضاعفتها، أملا في تغطية مشاريع كثيرة يحتاجها الأردن على أكثر من صعيد، كما أن إحاطة الأردن اليوم بسوار من الأزمات والحروب والتنظيمات، يجعل حاجته للاستقرار على المستوى الداخلي والإقليمي، مضاعفة، وهو يعني طلب المزيد من المنح والقروض والدعم المشروط وغير المشروط، حتى باتت تتهم الحكومة الأردنية بدفع بعض المواقف السياسية مقابل المنح المقدمة له من الدول الأجنبية.
في الاطلاع على حجم المساعدات والمنح والقروض التي حصل عليها الأردن خلال آخر عشرة سنوات، كشف تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي أن حجم المساعدات الخارجية من منح وقروض ميسرة المقدمة من مختلف الدول والجهات المانحة والتمويلية وتم توقيع اتفاقياتها من خلال وزارة التخطيط بلغت ما مجموعه نحو 16.646 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن “إجمالي قيمة المساعدات الخارجية خلال العام 2015 من منح وقروض ميسرة من مختلف الدول والجهات المانحة والتمويلية التي تم توقيع اتفاقياتها من خلال وزارة التخطيط خلال العام 2015 ما مجموعه نحو 2.668 مليار دولار”.
وبحسب تقرير الوزارة فإنه “يتم صرف قيمة المساعدات الخارجية من منح وقروض ميسرة لتمويل الأولويات الوطنية والمشاريع التنموية وفقاً للمدة الزمنية التي يتطلبها تنفيذ البرنامج”.
وطبقا للتقرير، فإن الولايات المتحدة تعتبر من أكبر الجهات المانحة للأردن، يليها الاتحاد الأوروبي ومن ثم الدول الخليجية.
في السياق، أورد قسم البحوث في الكونغرس الأمريكي أن المساعدات الأميركية للأردن في العام 2016 وصلت إلى ما لا يقل عن 1.275 مليار دولار، فضلاً عن التقديمات العسكرية التي تفوق قيمتها هذا الرقم.
منح مقابل مواقف سياسية
الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عايش رأى أن ارتفاع حجم المنح والمساعدات والقروض الميسرة التي حصلت عليها الحكومات الأردنية على مدار السنوات الأخيرة الماضية أدت إلى ارتفاع كبير في حجم المديونية العامة.
وقال عايش إنه “على الحكومة أن تتوقف عن الاعتماد على المنح والمساعدات والقروض الخارجية، وعليها أن تبدأ بالبحث عن طرق وآليات لتمويل عجز الموازنة”.
ودعا عايش الحكومة إلى “العمل على تحسين البيئة الاقتصادية وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين، وذلك عن طريق ضبط التهرب الضريبي، وإقامة مشاريع اقتصادية استراتيجية”.
ولم يستبعد عايش أن “تتوقف المساعدات والمنح للأردن أو تتراجع على الأقل، وذلك مع تصاعد التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي والأوضاع التي تمر بها بعض الدول والجهات المانحة من ضعف السيولة المالية”.
وأشار عايش في نهاية حديثه إلى أن “المساعدات والمنح والقروض التي يتم تقديمها إلى الأردن، غالبا ما تكون مرتبطة بموقف أو تنازل سياسي في قضية إقليمية ما، أكثر مما هو مرتبط بتوفر السيولة المالية”.
فقد اتهمت حكومتي النسور والملقي برفع أسعار المحروقات والمواد التموينية والصناعية وغيرها إرضاءاً للدول المانحة وصندوق النقد الدولي الذي بات يتحكم في الاقتصاد الأردني ويحدد على المواطن ما الذي يأكله أو لا يأكله، والثمن الذي سيدفعه مقابل شراءه لأي مادة في وطنه، بعد رفع الدعم عن الكثير منها، حتى تراجعت القيمة الشرائية للدينار بسبب تضخم الأسعار وإزالة الدعم عن كثير من السلع والخدمات وفرض ضرائب لا حصر لها دون أن يقابل ذلك زيادة مناسبة على الدخول.
ويرى مراقبون أن الدولة الأردنية تدفع ثمنا سياسياً مقابل تنازلات قد تكون أكبر من قدراتها، وهي تبتز من قبل الدول المانحة، فعلى سبيل المثال الأردن اليوم “مضطر للقبول بمزيد من اللاجئين حتى لو كان ذلك فوق طاقته، ولا يستطيع القول أنه اكتفى، كي لا يتعرض لضغوط خارجية، لأن اقتصاده بات مرتهن بالمنح والمساعدات الأجنبية.
الأردن بين فكيّ صندوق النقد الدولي
في تصريح سابق له حول اتفاقيات الأردن مع صندوق النقد الدولي، قال أمين عام الحزب الشيوعي، الخبير الاقتصادي د. منير حمارنة، إن “الحكومة لم تطبق إصلاحات بل طبقت طلبات صندوق النقد الدولي، وهي أبعد ما تكون عن إصلاح الاقتصاد”.
وأضاف حمارنة “أن الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة في الاقتصاد ركزت على رفع الضرائب والرسوم وزيادة الإقتراض ما زاد المديونية وهذا لن يعالج المشاكل الاقتصادية وسيظلم الأجيال القادمة”.
حيث مكنت الاتفاقيات بين الأردن وصندوق النقد الدولي، من وضع الأردن فكي الصندوق ، كما اشترطت على الأردن أن يتبنى برنامجا إقتصاديا، يعود بالضرر على الشعب الأردني، ويحض الدولة على الإنسحاب من دورها السيادي في السوق، ما يرهق كاهل المواطن صاحب الدخل المحدود أصلا، يتمثل في رفع الدعم الحكومي عن العديد من المواد الأساسية، وصولا إلى الإلغاء التام، إضافة إلى خصخصة القطاع العام.
وهنا يبقى السؤال، ما هي الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة لحماية الشعب الأردني من تداعيات سياسة رفع الدعم والأسعار التدريجية، خاصة عندما يتضح التأثير الكامل لهذه السياسة على مستوى معيشة أغلبية الشعب الأردني ومستقبل أولادهم؟
باب الاقتراض مفتوح على مصراعيه
وفقا للخبير المالي الدكتور مازن مرجي، فقد أعادت الجهات المانحة العلاقات المالية مع المملكة وأخذت المساعدات المالية على شكل قروض تتدفق على الحكومة من كل صوب، فبات باب الاقتراض بات مفتوحا على مصراعيه بعد أن كان مغلقا في نهاية 2012.
وقال مرجي إنه “نتيجة إقدام الحكومة على إزالة دعم المحروقات وتوقيعها اتفاق تسيهلات مالية مع صندوق النقد الدولي، فقد أهل المملكة ذلك للمزيد من القروض، خاصة في ظل الكفالة الأمريكية لتلك القروض، التي تعتبر رسالة للمجتمع الدولي لتقديم مزيد من المساعدات المالية للأردن”.
لكن مرجي أشار إلى أنه “ما تزال القروض بأسعار فائدة منخفضة وتمتعها بفترات سماح عالية تغلب على المنح، لكن مواصلة الاقتراض بهذا الشكل يعني أن الأردن يقترب من الخطوط الحمراء غير الآمنة بالنسبة للمديونية”.
ورأى مرجي أن “فتح باب الاقتراض مفتوح لاعتبارات سياسية وليست اقتصادية، بدليل تراجع مؤشرات هامة في الموازنة مثل العجز والمديونية وتنامي الإنفاق وغيرها من المؤشرات المقلقة”.
ما الهدف من المساعدات؟
في توضيح منه للهدف التي تؤديها المساعدات، قال وزير التخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري إنها تهدف إلى توطيد استقرار الاقتصاد الكلي في المملكة، وتعزيز المرونة والقدرة على مواجهة عدم الاستقرار الإقليمي وتدفق اللاجئين.
وأضاف الفاخوري في تصريحات صحفية سابقة إن المساعدات المالية تساعد على إبقاء البلاد على مسارها الصحيح نحو التنمية المستدامة وزيادة الازدهار، بالإضافة إلى تطبيق إصلاحات هيكلية في سوق العمل وقطاعات مختلفة كالطاقة والمياه والقطاع المالي.
ولفت الوزير إلى أن الهدف الرئيسي من المساعدات يأتي في الجانب المالي بحيث تعمل على تخفيض الدين العام، موضحا أنه يتم عرض موضوع قبول أية منحة أو قرض على مجلس الوزراء وبيان الغاية التي ستخصص لأجلها، وبعد موافقة مجلس الوزراء يتم السير بالإجراءات اللازمة لتوقيع الاتفاقيات.
على صعيد ذي صلة، بين تقرير أمريكي رسمي حول المساعدات الخارجية، أن الأردن يحتل المركز الرابع في قائمة الدول التي تحصل على مساعدات اقتصادية وعسكرية من واشنطن.
قائمة بالمنح الخارجية
في مقال له، قال رجل الأعمال فطين البداد إن وزير مالية سابق أطلعه على قائمة بالمنح الخارجية التي حصل عليها الأردن بين الأعوام 2012 – 2014.
وجاء في مقال البداد تحت عنوان “عندما تأكل الغولة أموال المساعدات” أن الأردن حصل من الأوروبيين بالأعوام 2012 – 2013 – 2014 على “48” و “55” و “21” مليون دولار على التوالي.
وأردف البداد في مقاله بقوله “حصل الأردن من الأمريكيين على “237 ” و “150” و “404” مليون دولار، في حين حصل من الصناديق الخليجية على “35” و”212 ” و “457 ” مليون دولار ، ومن منح أخرى حصل على “7” و”221 ” و”354″ مليون دولار، وبذلك يكون مجموع هذه المبالغ هو “1236 ” مليار دولار.
وكان آخر اتفاقية وقعتها الحكومة مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الأسبوع الماضي، وذلك في إطار تعهد دولة الكويت بمبلغ 100 مليون دولار بمؤتمر المانحين الرابع الذي عقد في لندن في شباط/فبراير 2016، للإسهام في تمويل خطة الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين، وبلغ قيمة الاتفاقية 20 مليون دولار.
وتهدف المنحة إلى رفع مستوى الخدمات العامة بمناطق المملكة المستضيفة للاجئين السوريين التي تأثرت بشكل كبير نتيجة للضغط والطلب الكبير على الخدمات العامة الأساسية في تلك المناطق.
المصدر: أردن الإخبارية