في 26 أكتوبر أقترح صالح رئيس المجلس السياسي في صنعاء ( أُعلن تشكيله بتحالف المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق في 28 يوليو 2016) هدنة على الحدود مع السعودية مقابل وقف الرياض غاراتها الجوية في اليمن وفك الحصار البري والبحري المفروض على البلاد منذ 26 مارس 2015.
ورد التحالف العربي بقيادة السعودية على مبادرة الحوثيين بدعوة أخرى وهي تسوية سياسية شاملة، وليس مجرد هدنة كما اقترح مسؤول المجلس السياسي الأعلى للحوثيين (سلطات اﻷمر الواقع في صنعاء).
وقال الناطق السعودي باسم التحالف العسكري العربي اللواء الركن أحمد عسيري، إن الأمر لا يتعلق بـ(اقتراح) وقف لإطلاق النار، متهمًا الحوثين لرفض الرد بشكل إيجابي على مبادرة السلام التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 25 أغسطس.
وفي نفس اليوم، وافق الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، على مقترح ببدء تنفيذ هدنة مدتها 72، وأبلغ المبعوث اﻷممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وفقًا لحديث عبد الملك المخلافي وزير خارجية حكومة المنفى.
وأوضح المخلافي إنه تم الاتفاق في نيويورك على تصور سيقدمه المبعوث الأممي إلى أطراف النزاع الأخرى في اليمن، وعبر عن أمله أن يتعامل الحوثيون والموالون للرئيس السابق علي عبد الله صالح مع هذا التصور.
وأشار إلى أن هدنة 72 ساعة تأتي ضمن هذا التصور، وقال الحرب ليست خيارا لنا، وعندما طُرحت على الرئيس هدنة لم يكن لديه مانع، ويجب أن تكون هدنة إنسانية، وتدخل المساعدات تعز، ويتم إيصالها إلى كل مكان.
وسط هذه التطورات السياسية سيطر مقاتلون موالون للتحالف العربي على مركز الغيل في محافظة الجوف اليمنية أحد أهم معاقل جماعة الحوثي.
وفي المقابل استطاع الحوثيين من تدمير بارجة حربية إماراتية كانت متجه نحو ميناء المخا الذي يسيطر عليه (سلطة اﻷمر الواقع في صنعاء) لكن اﻹمارات قالت إنها سفينة إغاثية على عكس ما أعلنه الحوثيون بالصوت والصورة استهداف بارجة حربية.
وهذا تطور كبير في العملية العسكرية في اليمن، قد ربما يهدد الملاحة الدولية برمتها، وهو ما سيجعل الدول التي لديها مصالح إستراتيجية في باب المندب وما حوله بممارسة ضغوط أكثر حدة على اﻷطراف السياسية المتخاصمة على السلطة للوصول إلى تسوية شاملة حتى لا يتم تهديد المجري الملاحي الدولي.
إعلان المجلس السياسي اﻷعلى للحوثيين لهدنة مع السعودية تأتي بعد يوم واحد من دعوة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح “المجلس” للتحرك الدولي وعرض مبادرة هدنة، (كتبرئة للذمة لما سيكون قادمًا)، ربما قد يتم تصعيد اﻷمر عسكريًا، والسماح باستخدام صواريخ لها مدى أكثر من الصواريخ البالستية السابقة وذات تدمير أكثر تصل إلى أماكن إستراتيجية وإلى العمق السعودي.
حديث صالح أظهر نوعا من التحدي العسكري، والثقة وغير قلق لما يحدث في أطراف صنعاء، وهو ما يعني أن اﻷسلحة التي تمتلكها اليمن لا تزال حتى قبضته، ولم تتعرض ﻷذى كما أعلن التحالف العربي عن تدميرها.
الرئيس اليمني وافق على هدنة مقترحة
موافقة الرئيس هادي على مقترح هدنة لـ72 ساعة يبدوا أنه ردًا على مقترح رئيس المجلس السياسي اﻷعلى للحوثيين، وهو تنفيذا لتوجيهات الرياض التي دفعت هادي أو وزير خارجيته للحديث أو الموافقة عن هدنة، كي تتجنب محاولة تحالف الداخل اليمني (الحوثي/صالح) من جرها إلى أن تكون طرفًا مباشر في الحوار مع اليمن ولتشتيت دعوة الحوثيين المملكة ذاتها لهدنة على الحدود السعودية، وﻹيمانها أن الحل العسكري لم يعد يجدي بعد عام ونصف من الحملة العسكرية الضخمة ضد بلد فقير كاليمن زادت معاناة شعبه أكثر، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هناك نحو 21.2 مليون شخص أو 82 في المئة من السكان بحاجة إلى المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بسبب هذه الحرب.
ويبدو أن حديث صالح كان له أثر في دفع السعودية هادي أو وزير خارجيته للحديث عن هدنة إنسانية وفك الحصار على المناطق التي تحاصرها الحوثيين، فضلًا عن سن قانون “جاستا” أصبحت الرياض تدرك أكثر من السابق أنها مستهدفة لإغراقها واستنزاف ميزانيتها في الحرب اليمنية ومن خلال مقاضاة متضرري أحداث 11 سبتمبر عليها، لذلك أصبحت ترغب في إنها الحرب في اليمن لكن بشكل يحافظ على كبريائها خصوصًا أنها فشلت عسكرياً.
إمكانية تحقيق الهدنة
في حالة اﻹعلان عن هدنة والتوقيع عليها، إلا أن تلك الهدنة المعلنة لن تكون سوى حبر على الورق، أما الواقع لن يتم تنفيذها، نتيجة لتعدد أطراف النزاع واستغلال متشددين للسيطرة على أماكن عدة في المحافظات التي استعادة القوات الحكومية والموالية للتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وكذا نتيجة للفشل الهدن التي أعلن عنها سابقًا.
لن يقبل الحوثيين فك الحصار عن تعز وبعض المناطق التي يحاصرونها خوفًا من إدخال لهم أسلحة جديدة، وترتيب صفوف المقاومة استعدادًا لشن عملية عسكرية جديدة ضد الحوثيين تمكن المقاومة الشعبية من الانتصار مجددًا كما حدث بعد آخر هدنتين واللتان مكنتا المقاومة من استعادة عدة مناطق في مأرب وتعز والجوف.
الوضع اﻹنساني في اليمن
قال تقارير الأمم المتحدة إن هناك نحو 21.2 مليون شخص أو 82 في المئة من السكان بحاجة إلى المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، انعدمت بسبب هذه الحرب.
وأشار مكتب الشؤون الإنسانية إلى أن الملايين من الناس في اليمن بحاجة إلى مساعدة لضمان بقائهم على قيد الحياة.
ويعاني ما يقدر بـ 14.4 مليونا من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك 7.6 ملايين من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين يفتقر 19.3 مليونا إلى سبل الوصول إلى المياه النظيفة أو الرعاية الصحية، فيما يعاني ما يقرب من 320 ألف طفل من سوء التغذية الحاد.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” إن شركاء الأمم المتحدة يقدرون أن 14.1 مليون شخص لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الرعاية الصحية، فيما يحتاج ثلاثة ملايين طفل وكذلك الحوامل والمرضعات إلى علاج من سوء التغذية أو إلى الخدمات الوقائية. ولفت إلى أن 1.8 مليون طفل خارج المدارس منذ منتصف مارس/آذار.
وفيما يتعلق بآثار التشرد، يقدر شركاء الأمم المتحدة للإغاثة أن 2.3 مليون شخص نزحوا حاليا في اليمن – نصفهم في محافظات عدن وتعز وحجة والضالع فيما فر 121 ألف شخص إلى خارج البلاد. وتشير تقديرات “أوتشا” إلى أن نحو 2.7 مليون شخص يحتاجون الآن إلى الدعم لتأمين لوازم الإيواء أو المستلزمات المنزلية الأساسية، بما في ذلك المشردون داخليا والأسر المضيفة الضعيفة.
هل الظروف مهيئة ﻷجراء المفاوضات؟
بالنسبة للجانب السعودي، باتت الظروف مهيئة ﻹجراء المفاوضات في ضوء التطورات اﻷخيرة، المتمثلة بعودة الحكومة لعدن، وقانون “جاستا” ونقل البنك المركزي اليمني، وانعدام السيولة النقدية والضغط اﻷمريكي لتمرير رؤية كيري.
والخلاف حاليًا أصبح محصورًا بين أيهما يبدأ أولًا؛ تشكيل الحكومة أم إعلان انسحاب الحوثيين وتطبيق القرار 2216.
ووسط ذلك ربما تبرز لاحقًا فكرة دمج المشروعين معا تبدأ بإخلاء صنعاء وتسليمها لطرق محايد يليها تشكيل حكومة وحدة وطنية وبعد تتلاحق بقية الخطوات.
السعوديون لديهم رغبة في إغلاق جبهة اليمن لكنهم يضغطون من أجل تحقيق مكاسب في المفاوضات.
لقد بات السعوديون على قناة أن استمرار الحرب يزيد من تعقيد المشهد اليمني وكما دخلت الصواريخ المضادة للدروع ومن ثم الصواريخ المضادة للسفن، فإن دخول الصواريخ المضادة للطيران أصبح ليس بعيدًا خاصة مع التجاذبات الجارية في سوريا، لاسيما وأن الوضع اليمني أصبح أحد أوراق اللعبة.
لكن اﻹمارات العربية المتحدة تلعب دورًا آخر، وعكس الاتجاه السعودي، حيث تسعى للحسم العسكري، وهي كما يبدو ترفض أي حوار سياسي ما لم يسجل لها نصرًا عسكريًا لاسيما وأنها أكثر الخاسرين والمتضررين من الحرب اليمنية، وكذلك من الحلول السلمية في اليمن.
فالحل السلمي في اليمن سيحافظ على وحدة اليمن، وهو ما لا تريده الإمارات العربية المتحدة التي تدعم قوى سياسية انفصالية، وقوات برية أيضَا إنفصالية، ﻹرباك أي حل سياسي قادم، فبقاء الوضع كما هو عليه في اليمن يعد في خانة المصالح اﻹماراتية التي تعمل على تثبيت جذورها في عدن لحماية مصالحها الاستراتيجة المتمثلة في إفشال أي تطوير لميناء عدن أو باب المندب. وبقاء هذا الوضع يخدم موانئ دبي العالمية.
وما يؤكد أن اﻹمارات لا تريد التسوية السياسية في اليمن، هو حديث الأكاديمي الإماراتي، الدكتور عبد الخالق عبدالله، عن استعدادات إماراتية لتنفيذ حملة عسكرية حاسمة في اليمن خلال الأيام المقبلة.
لكن عندما تجد اﻹمارات العربية ضغطًا دوليًا، لا شك أنها سوف تنصاع لتلك الضغوط، لكن ستكون خسارتها فادحة، والحرب اليمنية ستكون درسًا لن تنساه نتيجة الخسائر التي لحقت بها دون فائدة أو تحقيق هدفًا واحدًا من اﻷهداف المنسلخة عن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
أما من جانب السلطات الشرعية لا يبدو أنهم عازمون على القبول بأي مبادرة سياسية تكون الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا طرفًا فيها، نتيجة للتصعيد السياسي اﻷخير المتمثلة في تكليف الدكتور عبد العزيز بن حبتور محافظ عدن اﻷسبق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، (سيتم تخصيص موضوع آخر للحديث عن هذا).
لكن قد يكون الضغط الدولي، والوسيط العماني والدفع الروسي لهم، أحد اﻷسباب في قبول هذه المفاوضات لكنهم لن يتنازلوا عن تشكيل وحدة وطنية من شأنها تطيح بالرئيس هادي.
ما الأوراق لدى الأطراف لفرض شرطهم؟
المملكة العربية السعودية لديها أوراق كثيرة في الضغط لتحقيق مكاسب سياسية في أي حوار قادم، فهي لديها المجتمع الدولي لتمرير أي قانون جديد ضد الحوثيين كما فعلت في القرار 2216 الذي ما زال يشكل عقبة أساسية ﻷي تسوية سياسية لكونه يدعو.
والورقة الثانية” اقتصادية” تتمثل في نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، والذي شكل ضربة اقتصادية قوية ضد “سلطات اﻷمر الواقع” في صنعاء، لكنه في نفس الوقت أظهر فشل الحكومة الشرعية في إدارة البنك المركزي اليمني التي لم تستطع تسليم رواتب موظفي الدولة كما التزمت للمجتمع الدولي.
وبقدر ما هو ضربة اقتصادية قوية ضد الحوثيين، فإنه يشكل ضربة قاضية على ما تبقى من الاقتصاد اليمني، وقد يتسبب في غضون أشهر قليلة إلى انهيار كامل للوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن اليمني ويصبح اليمنيون بشكل عام مهددون لمجاعة وكارثة إنسانية نتيجة لانهيار النظام المصرفي وعدم القدرة على دفع الرواتب.
أيضًا التقدم العسكري الذي تحرزه القوات الموالية لها في اليمن، في ظل تراجع بسيط للحوثيين من أماكن كانوا جاثمين عليها منذ ثلاث سنوات.
وللطرف “سلطات اﻷمر الواقع” في صنعاء (الحوثيون) أوراق سياسية سوف تسعى لفرضها في أي مباحثات سياسية قادمة.
تلك اﻷوراق تتمثل في وقف استهداف السفن الحربية التي تمر على باب المندب لاسيما بعد أن وصلت إلى الحوثيين صواريخ مضادة للسفن، والورقة الثانية التوقف عن التوغل في الأراضي السعودية ومهاجمة حرس الحدود السعودية والانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها، ووقف إطلاق الصواريخ على أراضي المملكة بصواريخ استراتيجية جديدة لم يكشف عنها الحوثيين نوعيتها حتى ألان، والورقة اﻷخيرة التوقف عن التصعيد السياسي المتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية وربما يصل اﻷمر إلى الدعوة لإجراء انتخبات برلمانية ورئاسية جديدة إذا طالت أمد الحرب.
لا يبدو أن اﻷوراق متعادلة في هذه الظروف، وبإمكان المملكة العربية السعودية في هذا التوقيت فرض رؤيتها، لكن لكون أن اليمن باتت أحد أوراق اللعبة الدولية قد تتدخل دول إقليمية في اقتراح رؤية جديدة ستكون مرضية لكافة اﻷطراف والتي تتمثل في “دمج المشروعين معا تبدأ بإخلاء صنعاء وتسليمها لطرق محايد يليها تشكيل حكومة وحدة وطنية وبعد تتلاحق بقية الخطوات” لا سيما وأن والخلاف حاليًا أصبح محصورًا بين أيهما يبدأ أولًا. تشكيل الحكومة أم إعلان انسحاب الحوثيين وتطبيق القرار 2216.