ترجمة وتحرير نون بوست
غالبًا ما تكون للغة مهمتان، أولهما تقديم تعليمات حاسمة وثانيهما تلقين دون تمحيص، في كثير من الأحيان، يتخلى السياسيون عن مهمة اللغة الأولى ويعززون الثانية بهدف تحقيق أهداف سياساتهم الغوغائية، وخير مثال على هذا هو مصطلح “الإرهاب”، فمنذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر سنة 2001، شرع السياسيون في جميع أنحاء العالم في استخدام ذلك المصطلح في محاولة لتبرير كل قراراتهم، خاصة الصارمة منها، وعادة ما تكون هذه القرارات ضد العرب والمسلمين، وفي هذا السياق، قالت الصحفية في موقع “الإنترسبت”، غلين غرينوالد، إن استعمال كلمة “إرهاب” يكون، في أغلب الأحيان، بهدف إنهاء جدل ما وهو نفس المصطلح الذي منح مصداقية لأطروحة “صموئيل هنتنغتون” سيئة السمعة، والتي تحمل عنوان “صدام الحضارات”.
أما مصطلح الجهاد، على الرغم من وروده في الإسلام، هو مجرد من أي معنى حقيقي، إلا أن استخدامه المعاصر مختلف تمامًا عما أتى به الإسلام، فقد أصبح مصطلح الجهاد مرتبطًا “بالحرب المقدسة”، فقد قيل لنا إن الجهادي، هو شخص تعلم القرآن وطبقه بصفة حرفية، وهو نفس الشخص المسؤول عن الإرهاب في العالم.
أصبحت هذه الكلمات، مثل “الإرهاب” و”الجهاد”، من أكثر الكلمات التي يساء فهمها ويساء استخدامها أيضًا، فقد أصبح “الإرهاب” مصطلحًا مجردًا يمثل تهديدًا للعالم، أما “الجهاد” فهو السبب وراء “الإرهاب” وباستعمالهما بهذه الطريقة، فإن كلا الكلمتين قد تزرعان الخوف في نفوس الناس دون بحثهم في الأسباب.
أما مصطلح “الوهابية” و”السلفية” (قد اجتمعا ليصبحا “السلفية الوهابية”) وقد خضعا أيضًا لتغيير في المعنى، ومنذ أن بدأ المسلمون وغير المسلمين في انتقاد الفهم الخاطئ “للجهادية”، حاول البعض الآخر إلقاء اللوم على ما يسمى “بالسلفية الجهادية”، أما الجهاد، فبقي مجرد مصطلح مرتبط بقراءة حرفية للقرآن وأساسه الفكري هو “السلفية الوهابية”، لذلك، أصبحنا نتحدث عن ثالوث غير مقدس يضم الوهابية، التي أنجبت “الابن” وهو الجهاد، أما الإرهاب، فهو امتداد لكليهما (الروح القدس) وشأنها شأن “الإرهاب” و”الجهاد”، لا يبدو أن بإمكان أحد فهم معنى “السلفية الوهابية”، لكن الكل يدرك أنه علينا التصدي لها بأي طريقة.
على سبيل المثال، كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، مقال رأي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز، قال فيه إنه “يجب أن نخلص العالم من الوهابية”، كما ادعى أن “العديد من أعمال العنف التي تم ارتكابها باسم الإسلام يمكن أن تعزى للوهابية” وأن الوهابية خضعت لسلسلة من “عمليات التجميل”، إلا أن الفكر لا يزال هو نفسه ولم يتغير، وقد أصبح هناك التزام عالمي أخلاقي بضرورة إبادة الوهابية، مهما يكن معناها، لكن هل من الممكن أن نكره أيديولوجية دون احتقار أولئك الذين يعيشون وفق معتقدات تلك الأيديولوجية؟
في المقال التي كتبه، بدا ظريف وكأنه يفكر مثل الغرب تمامًا: التخويف ضد (مجموعة معينة من المسلمين) و(توجه معين في) الإسلام، وبذلك، أصبحت الوهابية كبش فداء (دون أي تفسير لمصطلح الوهابية)، ومن خلال كبش الفداء هذا، يمنح ظريف مصداقية لما يسمى “بالحرب على الإرهاب” والتي أصبحت مصدر معاناة كبيرة للعرب والمسلمين في كامل أنحاء العالم، ومثل أولئك الكارهين للإسلام والذي ربطوا الإرهاب بالمسلمين، فإن ظريف لمح إلى أن مصدر الجهاد أيديولوجي بحت، وبهذه الطريقة، فإن الوهابية ليست إلا كناية عن نسخة “سيئة” أو “خاطئة” عن الإسلام، وما يثير الدهشة هو أن مقال ظريف لاقى استحسان العديدين وتم نشره على نطاق واسع، حتى من قبل العرب والمسلمين الذين عانوا بسبب نفس الأفكار التي كتب عنها ظريف.
وقالت الصحفية رانيا الخالق في تدوينة لها على موقع تويتر إن ما كتبه ظريف صحيح، وذلك على الرغم من مواقفها التي لطالما عبرت من خلالها أنها معارضة لما يسمى “بالحرب على الإرهاب”، لكن موقفها من مقال ظريف ليس إلا دليلاً على ازدواجية في الخطاب.
في مقال له لمعهد المدينة، كتب عالم الأعصاب والباحث الإسلامي، محمد غيلان، مفسرًا المنطق الغريب وراء مثل هذه المواقف:
“انتقل المسلمون من التأكيد على أن تنظيم الدولة لا يمثل الاسلام إلى الجزم بأن ذلك التفكير هو تفسير خاطئ ويجب دحضه، والجدير بالذكر هنا أن من يريد تقديم تفسير ما، عليه أن يكون على دراية بما يحاول تفسيره، لكننا نعلم، من خلال عدد من التقارير، أن 70% من المجندين في تنظيم الدولة ليس لهم دراية بالنصوص التي يدعون اتباعها، وقبل “دحض أي تفسير خاطئ”، علينا أن ندرك أن ما ندعي أنه يستحق الدحض ليس إلا جهلاً بما تم دحضه في البداية، ومع ذلك، ومع عجزنا على تغيير الخطاب السائد، أدركنا حاجتنا لكبش فداء، وحينها توجه الاهتمام نحو الوهابية والمملكة العربية السعودية.
ويمكن اعتبار أن هذا الأمر نعمة لكثير من المسلمين: موارد مالية ضخمة تحت تصرف أقلية، إلى جانب أن السعودية ترعى مكانين من أقدس الأماكن في الإسلام ،منحت هذه العوامل فرصة للمملكة العربية للترويج لإسلام يتناقض، في بعض الأحيان، مع ما يمارسه معظم المسلمين، وبذلك، فإن العديد من المسلمين يتهمون السعودية كونها مرجعًا إسلاميًا لما يؤمن به تنظيم الدولة، وهذا الادعاء هو فرصة مثالية لضرب عصفورين بحجر واحد: تبرئة عامة المسلمين مما يقوم به تنظيم الدولة، وتحويل اهتمام كارهي الإسلام للسعودية وللوهابية وللسلفية أيضًا باعتبارها في نفس الفئة.
وبغض النظر عن رأينا في الوهابية وتاريخها وتأثير السعودية على الإسلام وعلى المساجد في الغرب، وتأثير ابن تيمية فيما يحصل الآن، فإنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن هذه الأفكار لم تكن جزءًا من الخطاب العام في الماضي غير البعيد، ولم تكن السبب في التطرف، لكن انتشار الخطاب الذي يلقي اللوم على السعودية والوهابية يعود لسبب بسيط يتمثل في أن التطرف يستخدم في سياق سياسي، لكن يتم منحه غطاء ديني.
والجدير بالذكر أن رانيا الخالق ليست الوحيدة التي تتبنى هذا الفكر، ويمكن اعتبار مقال ظريف كأفضل مثال على كيفية جعل الوهابية كبش فداء، في الواقع، كتب هارالد فيرسون، أحد كتاب “مفتاح”، منذ شهرين، تقريرًا تحت عنوان “هل ترامب سلفي؟”، ويمنح هذا العنوان تكافؤًا مزيفًا بين المرشح الجمهوري المتعصب دونالد ترامب والسلفية، والتي تعدّ حركة إسلامية تجددية، كما أن فيرسون شبهّ رغبة ترامب في “جعل أمريكا بلدًا عظيمًا مرة أخرى” برغبة السلفية في “جعل الإسلام مرة أخرى عظيمًا”، ومن دون تقديم تفاصيل عن الجذور الفكرية للسلفية، قال فيرسون إن ترامب خطير للغاية، شأنه شأن السلفية.
ويعتبر العديد من المسلمين أنفسهم إما سلفيين أو وهابيين، خاصة في دول كمصر والسعودية، لكن هؤلاء ليسوا متطرفين، رغم أنهم محافظون، ففي مصر مثلاً، يوجد مجموعة تعرف باسم “سلفيو كوستا”، وقد تم إنشاؤها في أعقاب ثورة سنة 2011 على يد مجموعة من الشباب يعتبرون أنفسهم مسلمين سلفيين، وذلك في محاولة منهم للتصدي للصور النمطية التي يتم ترويجها عن السلفية كونها “خطيرة”.
علاوة على ذلك، وفي محاولة للتصدي للأحكام المسبقة، يرفض المسلمون والعرب فكرة أن الإرهاب والعنف هم نتائج لأيديولوجيات معينة، فهم يؤكدون أن أصل هذه الظواهر ليس إلا سياسيًا، لكن للأسف، فإن شخصيات مثل ظريف تعتبر عائقًا لجهود المسلمين والعرب وتعتبر أيضًا عاملاً معززًا للصور النمطية التي يتم ترويجها عن المسلمين والعرب، كما يؤكد على أن الوهابية هي أكبر تهديد للسلام البشري.
المصدر: مفتاح