منذ قرار ملك المغرب التنازل عن بعض سلطاته لصالح مجلس الوزراء بموجب إصلاح دستوري، أجريت أول انتخابات برلمانية في العام 2011 تمكن على إثرها حزب العدالة والتنمية للوصول إلى رأس الحكومة في يناير/ كانون الثاني من العام 2012 عبر ائتلاف حكومي برئاسة عبد الإله بنكيران والتي أعيد تشكيلها مرة أخرى في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2013 بعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي مع بقاء حزب العدالة والتنمية وبنكيران.
وباستحقاق الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يصوت المغاربة في ثاني انتخابات برلمانية في البلاد يوم الجمعة المقبل لتكون حكومة بنكيران قد أتمت سنواتها الأربعة في الحكومة، علمًا أن عبد الإله بنكيران ذكر أن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيمضي قدمًا في الإصلاحات الاقتصادية بما في ذلك ترشيد الدعم إذا فاز في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وعليه يمكن جرد ما تم إنجازه خلال السنوات الماضية التي حكم فيها العدالة والتنمية على الصعيد الاقتصادي، لنستكشف ماذا تقول الأرقام؟ وكيف كان أداء المؤشرات الاقتصادية؟ فضلاً عن المشاكل والتحديات التي وقفت ولا تزال أمام الاقتصاد المغربي!
تحسن في أداء الاقتصاد المغربي
حسب قاعدة بيانات البنك الدولي فإن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 98.27 مليار دولار في العام 2012 إلى 100.36 مليار دولار في العام الماضي 2015 منخفضًا من أعلى قيمة له على الإطلاق في العام 2014 عند 110.01 مليار دولار.
يمكن وضع هذه الأرقام في الرسم البياني أدناه، والذي يظهر زيادة ملموسة في الناتج المحلي بحوالي 2 مليار دولار مقارنة بالعام 2012 عند استلام حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد.
ويظهر أيضًا التباين في أداء الاقتصاد في العامين 2014 و2015، حيث تحسن أداء الاقتصاد العام الماضي بفضل نجاح موسم الزراعة وخروجه من أسوأ موجة جفاف ضربت البلاد في العام 2014، حيث تسارعت معدلات النمو لترتفع من 2.4% عام 2014 إلى 4.4% في العام 2015، ويظهر الرسم أدناه أيضًا نسب معدلات النمو التي حققها الاقتصاد المغربي من العام 2010 للعام 2015.
تتوقع وزارة المالية المغربية نمو الاقتصاد المغربي بأقل من 2% في العام الحالي 2016 في حين أن البنك المركزي المغربي أشار أن الاقتصاد سينمو بمعدل 1%، وأرجع السبب إلى التراجع الكبير للموسم الزراعي في البلاد بسبب شح الأمطار وتحقيق القطاع غير الزراعي نسبة نمو ضعيفة وصلت إلى حدود 2.9%.
الجدير بالذكر أن القطاع الزراعي يساهم بنحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب ويعد القوة الدافعة للاقتصاد في البلاد فله نسبة تأثير كبيرة على النمو بفضل العدد الكبير من العاملين في القطاع والذي يبلغ نصف سكان البلاد تقريبًا.
المصدر: البنك الدولي
أدى ارتفاع معدلات النمو خلال السنوات الماضية والتنويع في الاقتصاد إلى انخفاض معدلات البطالة، حيث تمكنت حكومة بنكيران من توطين الصناعات كمصانع السيارات وازدهار السياحة بفضل موجة عدم الاستقرار في كل من مصر وتونس وليبيا وبلدان أخرى، ما أدى إلى انخفاض معدلات البطالة من 9% في العام 2012 إلى 8.6% خلال الربع الثاني من العام الحالي. ويذكر أن الحكومة تطمح لإيصال عدد السياح في العام 2020 إلى 20 مليون سائح من 6 مليون سائح يزور المغرب حاليًا، بهدف زيادة مشاركته في الاقتصاد أكثر وتوفير ما يقرب من 130 الف فرصة عمل.
سوى أن النمو خارج قطاع الزراعة كان ضعيفًا وسجل أقل من 2% ولم يتمكن الأداء الجيد للصناعات الجديدة مثل صناعات السيارات والطيران والإلكترونيات من تعويض التراجع الذي حدث في القطاعات التقليدية مثل الزراعة والسياحة والمنسوجات والملابس.
التباين والذبذبة في أرقام أداء الاقتصاد المغربي يظهر عدم توازن في قطاعات اقتصادية دون أخرى بين الزراعة والصناعة والخدمات، إذ لم تستطع القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل الصناعة والخدمات تعويض التراجع في الزرعة في العام 2014، ومن جهة أخرى فقد أظهرت دراسة في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري أن قطاع الخدمات يتصدر القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزارعة والصناعة من حيث الاستحواذ على الاستثمارات أو إتاحة فرص العمل.
وبينت الدراسة أن الزيادة السنوية للاستثمارات بقطاع الخدمات جاءت 5.2% خلال الفترة بين 1998 – 2014، بينما كان نصيب الصناعة والزراعة في نفس الفترة من نمو الاستثمارات 4.9% و1.2% على التوالي.
انخفضت معدلات البطالة من 9% في العام 2012 إلى 8.6% خلال الربع الثاني من العام 2016.
وبين الكاتب والباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أنه على الرغم من التحسن في قيمة الناتج المحلي الإجمالي في المغرب فإن الخلل الهيكلي لا يزال موجودًا حيث تتآكل القاعدة الإنتاجية في قطاعي الصناعة والزراعة لصالح قطاع الخدمات وهذا على حد تعبيره يكرس تبعية الاقتصاد المغربي للخارج.
ويُذكر أن حجم احتياطي المغرب من النقد الأجنبي يعد مستقر نسبيًا حيث يكفي لشراء واردات البلاد من السلع والخدمات لمدة 7 أشهر و21 يومًا على أن ترتفع إلى 8 أشهر و15 يومًا نهاية العام 2017.
مشاكل لا تزال قائمة
على الرغم من الإصلاحات التي قام بها الملك والتي انعكست بدورها على الاقتصاد بتخفيف البيروقراطية وذلك بتقليص الإجراءات الإدارية المتعلقة بالوثائق والتراخيص اللازمة لإقامة المشاريع والاستثمارات وتمويلها من مختلف القطاعات، لا يزال الفساد الإداري والمالي منتشرًا بدرجات مختلفة، حيث يفيد بعض الخبراء أن الفساد يأكل من الناتج المحلي الإجمالي بحوالي نقطتين مئويتين أي ما يعادل ملياري دولار سنويًا، وهذا تحد واجه حكومة بنكيران في الفترة الماضية وسيكون من أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة المقبلة.
وصلت نسبة الأمية في المغرب إلى 49% في الأرياف
أضف أن الصناعات المغربية الناشئة تواجه تنافسًا كبيرًا من مثيلاتها الأوروبية والتركية والآسيوية، في حين يرجع بعض الخبراء أن المشكلة الأكبر في الاقتصاد المغربي هي ضعف التنمية البشرية على مستوى المغرب كله، حيث لا تزال البلاد تفتقر للكوادر الوطنية المؤهلة وتوطين التكنولوجيا وتطويرها، وليس أدل على ذلك سوى نسبة الأمية التي وصلت إلى 49% في الأرياف وارتفاع نسبة الفقر والبطالة في صفوف الشباب وتراجع الفئات المتوسطة في المجتمع والخلل في قطاع التعليم على الصعيدين الكمي والنوعي، فضلاً عن استئثار القطاع الخاص على التعليم مقارنة مع التعليم الحكومي، ما يعني غياب تكافؤ الفرص أما الأجيال الجديدة.
سبق أن تناول نون بوست باستفاضة أكثر حول ما إذا كان الاقتصاد المغربي اقتصادًا هشًا وكذلك إذا كانت الصين مفتاحًا لحل مشاكل الاقتصاد المغربي بعد زيارة ملك المغرب للصين وتوقيع اتفاقيات عديدة بين الجانبين شملت شراكة استراتيجية في مجالات مختلفة.
والمحصلة أن حكومة العدالة والتنمية استطاعت خلال الأربع سنوات الماضية أن تخطو خطوات ناجحة على صعيد النمو وتنويع إيرادات الموازنة، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من مشاكل عديدة ستكون على رزنامة الحكومة المنتخبة المقبلة ومن تلك المشاكل عدم التوازن بين القطاعات الاقتصادية والفساد المنتشر في أجهزة وإدارات الدولة، فضلاً عن قلة الكفاءة في قطاع التعليم والذي يحرم من توطين الصناعات والاعتماد على القدرات الوطنية وأمور أخرى تتعلق بالمديونية العامة وإجراءات التقشف والاقتراض من الخارج والطاقة البديلة.