منذ علمت إسرائيل، أن وفدًا من محكمة الجنايات الدولية سيصل الأراضي الفلسطينية خلال الأيام القليلة المقبل، بدأت في إخفاء كل الأدلة التي يمكن أن تثبت جرائمها البشعة التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين، وخاصة في حرب غزة الأخيرة صيف 2014، والتي راح ضحيتها أكثر من 2500 فلسطيني وعشرات آلاف الجرحى والمصابين.
خطوات الاحتلال بإخفاء أدلة جرائمه البشعة وإخفاء الأيادي الملطخة بدماء الفلسطينيين، بدأت من خلال إقامة محاكم “مزيفة” لبعض القادة الإسرائيليين الثانويين الذين شاركوا بحرب غزة الأخيرة، وجعلهم كـ “كبش فداء” للقادة الكبار الذين أصدروا الأمر المباشر بالقتل والحرق وتدمير غزة.
تقرير جديد لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، كشف أن إسرائيل تجري العمل على طمس الحقائق حول الجرائم التي ارتكبتها في قطاع غزة صيف 2014، وأنه لم يتم التحقيق في هذه الجرائم مع أصحاب المناصب السياسية والرتب القيادية العليا في الجيش الإسرائيلي، الذين وجّهوا سياسة الهجوم وكانوا مسؤولين عن صياغة الأوامر واتخذوا القرارات الميدانية أثناء القتال.
إخفاء أدلة الجرائم
ولخص التقرير ما يجري من طمس لهذه الحقائق خاصة وأن المسؤولين الحقيقيين عن الانتهاكات لا يتم التحقيق معهم بتاتًا، وكل ما يجري هو فحص سطحي لحوادث منفردة مقطوعة الصلة من أي سياق، وأنه خلال سنتي عمل جهاز طمس الحقائق الإسرائيلي المسؤول عن تحقيقات “الجرف الصامد”، لم يتم التحقيق حتى مع متخذي القرار الذين تسببوا في قتل غير مسبوق.
وتعمل الهيئات التي تحقق في أحداث “الجرف الصامد” أساسًا على خلق صورة زائفة لجهاز يقوم بكامل وظائفه ويبدو كأنه يسعى إلى كشف الحقيقة بينما المسؤولين الحقيقيين عن الانتهاكات لا يتم التحقيق معهم بتاتًا، وكل ما يجري هو فحص سطحي لحوادث منفردة مقطوعة الصلة مع أي سياق يورد التقرير الحقوقي الإسرائيلي.
وتناول التقرير الحقوقي الإسرائيلي، الحجم الهائل للخسائر في أرواح المدنيين الفلسطينيين في غزة، (نحو ثلثي الشهداء الفلسطينيين لم يشاركوا في القتال، ومئات منهم استشهدوا جراء قصف منازلهم من الجو)، مما أثار شبهات قوية بأن إسرائيل قد انتهكت مبادئ القانون الإنساني الدولي.
لكن مثلما جرى في تحقيقات أحداث قتالية سابقة، هذه المرة أيضًا لم تحقق أية هيئة رسمية مع أصحاب المناصب السياسية والرتب القيادية العالية في الجيش، الذين وجهوا سياسة الهجوم وكانوا مسؤولين عن صياغة الأوامر واتخذوا القرارات الميدانية أثناء القتال، ولم يطلب منهم تقديم حساب حول مسؤوليتهم عن النتائج الوخيمة التي ترتبت على قراراتهم.
وبحسب التقرير الإسرائيلي، فلقد مضت سنتان ولم تُطرح أسئلة حول السياسات المتبعة، بما في ذلك سياسة استهداف المنازل المأهولة التي كانت نتيجتها أن قتل الجيش الإسرائيلي مئات الأشخاص، وسياسة إطلاق الصواريخ عشوائيًا على مناطق مأهولة وسياسة هدم آلاف المنازل وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
أطفال غزة
وأورد التقرير، أنه جرى تقييد التحقيق في أحداث “الجرف الصامد” سلفًا ليشمل حالات قليلة ليس إلاّ، ومسؤوليات أصحاب الرّتب الميدانية لا غير، وبوصفها كذلك فإن فائدة هذه التحقيقات محدودة منذ البداية، ومع ذلك فإن التمعّن في بيانات النيابة وفي تبريرات النائب العام العسكري الإسرائيلي المفصلة في تلك البيانات يُظهر أنه حتى هذه التحقيقات التي تديرها النيابة العسكرية الإسرائيلية لا تسعى إلى البحث عن الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
ومن أقوال هذه الجهات الرسمية يبدو أن أحد أسباب دعمهم لإجراء تحقيق، ولو ظاهري، في شبهات انتهاك القانون أثناء حملة “الجرف الصامد” هو رغبتهم في منع انتقال معالجة الموضوع نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي.
إسرائيل لن تهرب من العقاب
هنا كشف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي عن زيارة وفد من المحكمة الجنائية الدولية للأراضي الفلسطينية بداية شهر أكتوبر الجاري للاطلاع على كافة القضايا المرتبطة بالملف الذي تم تقديمه للمحكمة، وقال المالكي، إن: “اللجنة الوطنية العليا لمتابعة المحكمة الجنائية الدولية اجتمعت وحددت برنامجًا خاصًا للوفد القادم، الذي سيقضي يومين في فلسطين ويومين في إسرائيل”.
وحول برنامج الوفد، أوضح المالكي أنه سيكون للوفد الكثير من الاجتماعات وليست مقتصرة على اللجنة العليا فقط، بل ستعقد العديد من الاجتماعات مع أهالي المعتقلين والشهداء، كما ستعقد محاضرة في إحدى الجامعات الفلسطينية، إضافة إلى عقد لقاء مع وسائل الإعلام الفلسطينية.
في حين، أكد واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن الوفد سيبدأ فور وصوله بعملية الفحص الأوّلي لـ “مجازر ضد الإنسانية” ارتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين.
واعتبر أبو يوسف، الزيارة خطوة مهمة للغاية على طريق محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم، خاصة ما جرى في عدوان غزة صيف 2014، وطالب الوفد بالإسراع في خطواته التنفيذية في هذا الملف.
وسيحاول وفد الجنايات إجراء فحص أولي لتحديد ما إذا كان هناك أساس معقول للادعاءات بارتكاب “جرائم حرب” في الأراضي الفلسطينية تملك المحكمة صلاحية التحقيق فيها.
وكانت السلطة الفلسطينية قد قدمت شكوى شاملة عن “جرائم إسرائيلية” مرتكبة في الأراضي الفلسطينية، ثم أتبعت بمذكرات إضافية عقب حرق مستوطنين إسرائيليين منزل عائلة الدوابشة بالضفة المحتلة، في يوليو 2015.
يذكر أن السلطة أصبحت عضوًا رسميًا في المحكمة الجنائية الدولية، في الأول من أبريل الماضي، بموجب صفة دولة مراقب غير عضو، منحتها إياها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر عام 2012.
وكانت المدعية العامة للمحكمة للجنائية الدولية أطلقت دراسة أوّلية لحالة الأراضي الفلسطينية في 26 يناير 2015، عقب إيداع فلسطين صك الانضمام للمحكمة بتاريخ 2 من الشهر نفسه.