قد يكون العنوان غريبًا لكن نزهة طريفة في تأريخ الأمازيغيين تحوّل الغرابة إلى ألفة تلغي فوارق الانتماءات الضيقة، متجهة ببوصلتها إلى الانتماء الإنساني للثقافة والفكر والمعرفة، حين تتبدد الطرق الضيقة لتنفتح على رحاب العالم، حينها لن تكون أمنية العنوان للمفلسين وإنما للباحثين عن الانتماء إلى عالم العصر والثقافة الكونية التي لا تعرف إلا مسمياتها الثروة الرحبة الجامعة للإنسانية.
تفاعل في عمق التأريخ
ترجع أقدم الكتابات عن الأمازيغ إلى ثلاث آلاف سنة قبل الميلاد، وهي كتابات وجدت عند المصريين القدماء، يعرف الأمازيغ في الفترات التاريخية بأسماء مختلفة منها الليبيين والنوميديين والجيتوليين والموروالبربر.
عاصر الأمازيغ أقوى دول العالم القديم، بل لقد لعبت تلك القوى دورًا فعالاً في تاريخهم، فتفاعلوا معها ثقافيًا وعسكريًا، وتعتبر قرطاج نموذجًا للتفاعل بين الأمازيغ والفينيقيين، وتعتبر قورينا نموذجًا للتفاعل بين الأمازيغ والإغريق القدماء، ومثلما تفاعلوا مع الإغريق والفينيقيين تفاعلوا مع الرومان، حتى إن قرطاج الرومانية كانت أقوى مدينة بعد روما عاصمة الرومان، فنبغ الأمازيغ في جامعتها، ونذكر منهم القديس أوغسطين وترتوليان وأبوليوس.
طارق ابن زياد أمازيغيًا
استفاد العرب من الأمازيغ في غزواتهم، فطارق بن زياد كان أمازيغيًا، وهو القائد الذي فتح الأندلس في وقت زمني أكسبه شهرة عالمية، ومضيق جبل طارق قد سمي نسبة إليه، بل إن الأندلس على الرغم من أنها قد خضعت لغير الأمازيغ، عرفت بالحضارة المورية كاسم للحضارة الإسلامية في الأندلس، والمور هو أحد أسماء الأمازيغ المغاربة، وهذا يبرز تأثير الأمازيغ في الأندلس التي خضعت فيما بعد للأمبراطوريتين الأمازيغيتين الإسلاميتين المرابطين والموحدين.
أحرار وليس برابرة
الأمازيغ تعني الرجل الحر النبيل، ويسميهم العرب غالبًا بالبربر، الشيء الذي يرفضه العديد من الأمازيغ باعتبار الاسم عبارة عن وصف عنصري يعني المتوحشين والهمج.
عاش الأمازيغ في شمال إفريقيا – موطنهم الأم في المنطقة الجغرافية الممتدة من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري ومن حدود جنوب البحر المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي – ولم يعرف أي شعب سكن شمال إفريقيا قبل الأمازيغ.
تنوع لغوي وخطوط مميزة
يتحدث الأمازيغ اللغة الأمازيغية وهي تتفرع إلى تنوعات تختلف قليلاً من منطقة إلى أخرى، ولكن مع حلول الإسلام في إفريقيا استعربت أقلية نخبوية من الأمازيغ بتبنيها اللغة العربية أو بالأحرى اللهجة العربية المغاربية، أما أمازيغ جزر الكناري فقد تبنوا اللغة الإسبانية، وابتكر الأمازيغ خط التيفيناغ وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي في المغرب لتلقين الأمازيغية.
يحتفل العديد من الأمازيغ وبعض القبائل المعربة برأس السنة الأمازيغية التي توافق اليوم الثاني عشر من السنة الميلادية، ونسج الأمازيغ حول شهور السنة الأمازيغية الشمسية قصصًا عدة وجعلوا منها جزءًا من ثقافتهم.
مشاهير ظلمهم التأريخ والتسميات
مشاهير الأمازيغ لا يمكن حصرهم وإعطائهم حقهم الذي يستحقونه، وربما لا يعتقد البعض أن بعضًا من مشاهير العرب كابن رشد وابن البيطار من أصول أمازيغية، لكنها الحقيقية، سنمر هنا على بعض الشخصيات من باب العد لا الحصر، فالتاريخ الأمازيغي أكبر من أن يحيطه مقال أو يسطر في كتاب.
عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني ولد عام 810م في رُندة بإسبانيا وتوفي عام 887م بقرطبة، اشتهر بأنه أول من حاول الطيران إضافة إلى كونه شاعرًا وموسيقيًا وعالمًا في الرياضيات والفلك والكيمياء ومكتشفًا ومهندسًا مصممًا ومخترعًا، حيث إن خبرته في مجال الهندسة ساعدته في تصميم العديد من اختراعاته من بينها الطائرات الشراعية، وقامت وكالة ناسا بوضع اسمه لإحدى فوهات القمرعام 1369هــ.
ابن آجروم الصنهاجي يرجع أصله إلى قبيلة صنهاجة الأمازيغية المشهورة التي تكلم عنها العالم الأمازيغي ابن خلدون، آجُرُّوم كلمة أمازيغية معناها الفقير والصوفي، ولد بن آجروم بفاس سنة 1273م، وتوفي 1323م، اشتهر بكتابه الآجرومية الذي يعتبر من أهم كتب النحو.
ابن بطوطة ينتسب إلى قبيلة لواتة الأمازيغية ولد بطنجة سنة 1304 وتوفي سنة 1377م، هو رحالة ومؤرخ وقاضٍ وفقيه لقب بأمير الرحالين المسلمين.
ابن رشد ولد في ملقة بالأندلس 1126م، توفي في مراكش بالمغرب 1198م، فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضٍ وفلكي وفيزيائي اتهم بالكفر والإلحاد.
ابن منظور أمازيغي ولد بطرابلس ليبيا سنة 1232م وتوفي في القاهرة سنة 1311م وتولى القضاء في طرابلس وإلف كتاب لسان العرب.
محمد البوصيري شاعر صنهاجي اشتهر بمدائحه النبوية، أشهر أعماله البردية المسماة الكواكب الدرية في مدح خير البرية، ولد في مدينة دلس ولاية بومرداس الجزائر عام 1213م، وتوفي 1295م، تعود أصوله لمنطقة دولة الحماديين، انتقل مع أبيه إلى القاهرة حيث واصل تلقي علوم العربية والأدب.
يحيى الزواوي، ولد في بمنطقة زواوة شرق الجزائر سنة 564هـ، هو أول من ألف في النحو عن طريق النظم الشعري بكتابه الدرر الألفية، كما له العديد والكثير من المصنفات والكتب في شتى الصنوف العلمية، وصفه الإمام الذهبي بقوله العلامة شيخ النحو والفقه.
محمد أكنسوس مؤرخ ولد بالمغرب في قبلية إداوكنسوس السوسية عام 1796م، يعد من أهم مؤرخي الدولة العلوية.
ابن البيطار، ولد في ملقة بالأندلس سنة 1197م وتوفي سنة 1248م، خبير في علم النبات والصيدلة وأعظم عالم نباتي ظهر في القرون الوسطى وساهم إسهامات عظيمة في مجالات الصيدلة والطب.
إستيفانيكو أزمور، مستكشف ولد سنة 1503م بمدينة أزمور بالمغرب قبل الاستعمار البرتغالي لأزمور بعشر سنوات وكان يطلق عليه ستيفن الصغير وستيفن الأسود مسجل كأول أمازيغي إفريقي أسود يصل لأمريكا سنة 1527م.
أبو عبد الله محمد بن تومرت (1080 – 1128م) ومؤسس الدولة الموحدية ركز دعوته في مواجهة فقهاء المالكية على أسس دينية وأخلاقية واجتماعية وسياسية ينتمي إلى قبيلة هرغة إحدى القبائل المصمودية الأمازيغية.
يوسف بن تاشفين الصنهاجي (1006م – 1106) ثاني ملوك المرابطين، اتخذ لقب أمير المسلمين وهو أعظم ملك مسلم في وقته، أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي من حدود تونس حتى غانا جنوبًا والأندلس شمالاً، انقذ الأندلس من ضياع محقق وهو بطل معركة الزلاقة وقائدها، وحد وضم كل ملوك الطوائف في الأندلس إلى دولته بالمغرب بعدما استنجد به أمير أشبيلية، عرف بالزهد وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء كان الصنهاجي كثير العفو مقربًا للعلماء سائسًا حازمًا.
تاريخ حافل ومشرف وسيرة عطرة قدمها الأمازيغ كنموذج إنساني للعالم في الابتكار والتفاعل الحضاري مع الأمم الأخرى،ربما ظلمهم المؤرخون، لكن لا يستطيع التاريخ أن ينكر ما هم عليه، وماقدموه للبشرية واضح كعين الشمس وباق ما بقي الإنسان، لا ينسى بتقادم الزمن ولا ينكره حاقد غائل الصدر ولا يزحزه عن مسيرة البشرية قوي.
السؤال الآن هل ما زال التمني في العنوان غريبًا؟