تعتبر محمية برع أحد أهم بقايا الغابات الاستوائية “المدارية”، في شبه كامل الجزيرة العربية، وليس اليمن فحسب، وتقدر مساحتها بحوالي 4100 هكتار، وأعلنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، أواخر العام 2011، محمية ضمن لائحة التراث العالمي الإنساني، بعد إعلانها محليا، كمحمية طبيعية عام 2006.
وبعد ساعة من السير انطلاقا من مدينة الحديدة شرق اليمن، يجد الزائر نفسه أمام بوابة تتقدم الجبال الشاهقة، يقف أمامها حارسان من السكان المحليين للمنطقة، أوكلت لهما مهمة قطع تذاكر الدخول، بأسعار رمزية، لا تتجاوز دولاراً واحدا للفرد، يخبرانك على استحياء: “الطريق في منتصف الجبل، أصبحت وعرة بسبب السيول، لكن سيارتك بمقدورها تجاوز الحُفر”.
أمجد الشرعي، وهو أحد زائري المحمية، قال لوكالة الأناضول: “أشعر بالألم لما وصلت إليه المحمية، زرتها قبل سنوات، لم تكن بهذه الصورة، كانت هناك غزلان تستقبلنا، ربما قاموا ببيعها”، ثم يضيف: “الشلالات أيضاً في طريقها للاختفاء، لم يعد هناك سوى نبع صغير، والاحتطاب الجائر، دمّر جمال المحمية، حتى دورات المياه التي قامت المنظمات ببنائها أصبحت مغلقة”.
وبالفعل، عند دخول المحمية لا شيء يستقبل الزائر سوى “القردة”، التي تلّوح بيدها للضيوف، وتقفز إلى مقدمة السيارة التي تستقلها، وذلك لأن القرد، وخلافاً لبقية الحيوانات، لا يفر عند وصول الزوّار، بل تتجمع القردة في وسط الطريق الأسفلتي لاستقبال الزوار .
وبحسب إحصائيات بيئية رسمية، فإن المحمية تحوي 13 نوعاً من الزواحف، أبرزها “صائد الثعابين”، أو ما يسمى بـ”الورل”، ورغم الشائعات المتداولة، بأن حيوانات مفترسة تسكن المحمية، ومن ضمنها “نمر”، قد هاجم سياحاً قدموا إليها، إلا أن الزيارات إليها لا تتوقف، وإن كانت بحذر .
ويقول عبد الله سعيد، وهو مالك متجر صغير وبدائي، في منتصف الجبل لا يُقدّم سوى زجاجات المياه معدنية والمشروبات الغازية: “الحيوانات اختفت، لا نشاهد حالياً سوى القرود نهاراً والضباع مساء وأحياناً نشاهد النمس الأبيض”، كما يؤكد عبد الله أن المحمية تضم “ثعابين سامة”، تتكاثر في الأدغال، وهو ما يجعل الزوار، يتحاشون التوغل أكثر في أعماق الغابة، خوفاً من لدغات سامة، خصوصاً، وأن المحمية لم تعد تحوي مركز إسعافات أولية.
وبالنسبة للنباتات، فقد رصدت الدراسات حوالي 315 نوعاً نباتياً تتبع 83 فصيلة، و209 أجناس، كما أن هناك 35 نوعاً مهدداً بالانقراض، وذلك بسبب الاستحداثات المتمثلة، بشق وسفلتة الطرق داخل المحمية، خلافاً لمحمية “عيهفت”، في جزيرة سقطرى جنوب اليمن، التي منعت المنظمات البيئية، السلطات المحلية من شق طريق أسفلتي فيها.
وبحسب تقرير رسمي صادر عن هيئة الحفاظ على البيئة، فإن عملية شق الطريق المرصوف بالمحمية أدت إلى إزالة 20 إلى 30 بالمائة من الغابة، وأدت كذلك إلى اختفاء العيون، والغيول (وديان بها ماء) الطبيعية، وإعاقة جريان الماء، جراء رمي مخلفات الشق من الصخور، والأتربة على جانبي الطريق، وفوق البيئات الطبيعية للغابة.
وأما محمد البجلي الذي يعمل حارسا بالمحمية، فإنه يرى بأن السلوكيات السلبية من قبل بعض الزائرين هي السبب في حالة التردي التي تعاني منها “برع”، ومن هذه السلوكيات، قطع النباتات، وإزعاج الحيوانات، وتلويث مصبات المياه بالصابون والمخلفات، وإشعال النيران الذي يسبب حرائق داخل المحمية، وإطلاق النيران، والكتابة على الصخور، والسبب في ذلك عدم وجود لائحة مخالفات، كما هو معمول به في كثير من المحميات الطبيعية العالمية.
وقال البجلي للأناضول: “الطريق الأسفلتي كان بمثابة الرصاصة التي أصابت المحمية في مقتل، فمورد المياه شهد تخريباً، جراء المخلفات الصخرية التي دمرت النباتات النادرة أيضاً، واقتلعت أشجار لا تحصى في عمق المحمية”، مشيرا إلى أنهم يحاولون منع “الاحتطاب الجائر”، الذي يقوم به السكان المحليون في الجبال الشاهقة، ولمنع دخول الأبقار الخاصة بالسكان إلى أرض المحمية.
وشهدت المحمية تراجعاً مخيفاً في عدد زوارها، بدءا من سنة 2010، حيث يقول عبد الله الكولي مدير مكتب السياحة في محافظة الحديدة اليمنية أن “زوار المحمية كانوا يتجاوزون الـ 30 ألف زائر سنوياً، لكن الحادث المروي الذي وقع في منتصف الجبل عام 2010 وأدى إلى وفاة 17 سائحاً محلياً، أثر سلباً على الإقبال، بسبب وعورة الطريق حينذاك”.
ويقول خبراء بأن المكتب المكلف بإدارة المحمية، مازالت كوادره قاصرة، ولا تملك الخبرات الكافية لإدارة المحميات، مطالبين بإنشاء بنية تحتية للمحمية، وإجراء دورات تدريبية خاصة لحراسها، والفنيين فيها، وتدريب السكان المحليين في الشئون الإدارية للمحميات، إضافة إلى منع الدراجات النارية من التوغل في عمق الغابة، والصعود إلى أعلى الجبل، لما تبثه عوادمها من سموم قاتلة للطيور النادرة.