فتح الله كولن
كما كل الجماعات الصوفية، يكاد يصعب التمييز بين الجماعة و”الشيخ” (الخوجا باللغة التركية)، بحيث تصبح الجماعة الإطار الذي يصب الشيخ فيه أفكاره، ويمسي الشيخ هو المعبر عن الجماعة وأفكارها حصراً.
ولد فتح الله كولن عام 1941 في منطقة أرضروم لعائلة صوفية متدينة، ورغم أنه لم يكن في شبابه من طلبة الشيخ سعيد النورسي الذين كانوا يسمون “الحلقة الصلبة”، إلا أنه تأثر بكتابات الأخير وسيرته الشخصية حتى أنه عزف عن الزواج تشبهاً به وتفرغاً للدعوة. في النصف الثاني من القرن الماضي كان كولن من الرواد الذين كونوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، منشئاً ما سمي لاحقاً بحركة “الخدمة” أو “جماعة كولن” التي تعتبر أحد أهم وأقوى فرق الجماعة الأم.
يعرف عن كولن تبحره في العلوم الإسلامية المختلفة، وبراعته في الخطابة، إضافة إلى غزارة إنتاجه العلمي، حيث ألف أكثر من 70 كتاباً، ترجمت إلى 39 لغة في مقدمتها العربية والانكليزية والفرنسية والصينية والألمانية والألبانية.
بزغ نجم كولن في تركيا بعد انقلاب عام 1980 الذي أيده ومدح قياداته العسكرية، بينما وجدت فيه القوى الحاكمة بديلاً للإسلام السياسي، لكن شهر العسل لم يدم فتمت ملاحقته لست سنوات بتهمة تهديد النظام العلماني ومحاولة إقامة نظام إسلامي، فترك تركيا عام 1999 متذرعاً بالعلاج واستقر في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ ذلك الوقت.
حركة الخدمة
هي جماعة صوفية، تنهل من معين تيار له جذوره في الأناضول، بدءاً من جلال الدين الرومي مروراً بأحمد يسوي وليس انتهاء بيونس امرة، وتتشكل من طلبة وأتباع فتح الله كولن وتتبنى أفكاره التي تميزها عن غيرها من الجماعات الصوفية، وبالضرورة عن جماعات الإسلام السياسي.
يتبنى كولن مفهوماً غير مسيس للدين فهو يرى أن “الإسلام ليس أيديولوجية سياسية أو نظام حكم أو شكلاً للدولة”، ولذلك فقد كان دوماً على خلاف كبير مع رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان زعيم حركة الإسلام السياسي في تركيا، لدرجة تصريحه بشكل علني أن “روحيهما لم تأتلفا بل اختلفتا”.
هذه الرؤية لعلاقة الدين بالسياسة صاغتها الجماعة في شعار “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم والسياسة” المقتبس عن الشيخ سعيد النورسي مؤسس جماعة النور الأم، مبتعدة عن العمل السياسي الحزبي، مكتفية بالتحالف مع الأحزاب السياسية في مقابل الدعم والامتيازات، وعاملة على التغلغل في مؤسسات الدولة والتقدم في المناصب الهامة.
يبشر كولن وجماعته بالدعوة إلى “إسلام قومي” يرى في الجنس التركي تفوقاً على الأجناس الأخرى في “فهم وتطبيق الدين، ونشر روح التسامح والأفكار الصوفية”، خصوصاً الحركات الإسلامية في العالم العربي، التي يرى أنها “تنفـّر من الدين”، ويعتبر حركة الفكر القومي (ميللي غوروش) التي أسسها أربكان جزءاً من هذا الفهم الخاطئ للدين الذي “يضر به بدل أن يخدمه”.
ترى الحركة أن مشاكل المنطقة تتلخص في “الجهل والفرقة والفقر” ولذلك فقد وجهت معظم أنشطتها نحو العلم والثقافة، مستهدفة الفئة المتعلمة المثقفة من الشعب، وخاصة قطاع الطلاب. كانت القفزة الكبيرة في نشاط الجماعة بعد انقلاب عام 1980، حيث استفادت من دعم الدولة ومن مساحات الحرية المتاحة، لتبدأ رحلتها مع إنشاء المدارس خارج تركيا، مروراً بتكوين وقف الصحافيين والكتاب الأتراك ليصبح الجهة الممثلة للجماعة بشكل شبه رسمي.
أما اليوم فتدير الحركة أكثر من 500 مدرسة في حوالي 92 بلداً، وتملك مجموعة من القنوات التلفزيونية والصحف ومحطة إذاعية، ومؤسسة إغاثية، إضافة إلى آلاف معاهد التقوية ومساكن الطلبة، بينما يتجمع رجال الأعمال الذين يدورون في فلكها في جمعية “توسكون” والتي يمكن اعتبارها الذراع المالي لها.
المنهج الفكري
تقوم دعائم منهج الجماعة الفكري على كتب سعيد النورسي وفتح الله كولن وأوراد الذكر والأدعية المختلفة، فيما يعيب عليها بعض المتابعين ضعف التركيز على القرآن الكريم وعلومه في حلقاتها ودروسها، إضافة إلى تقاعسها عن افتتاح ورعاية دور تحفيظ القرآن.
ورغم أن كتب كولن تحوي الكثير من الفقه والتفسير والسيرة وغيرها، إلا أن السمة البارزة في وجبة الجماعة الفكرية اقتصارها على فكر شيخها وعدم تجاوزها إلى غيره، فيما يبدو أنه محاولة لقولبة أتباعها على فكر الشيخ و”حمايتهم” من أي فكر أو طرح آخر، يصل لحد تحريم أو منع الانترنت عن بيوت طلابها.
بنظرة فاحصة على أدبيات “الخدمة”، تبرز فكرة النفوذ و”التغلغل” في أجهزة الدولة المختلفة دون رؤية واضحة أو أهداف محددة لمرحلة ما بعد “التمكين” الذي تتحدث عنه أدبياتها. ويجدر هنا الإشارة إلى “التقية السياسية” التي تنتهجها الجماعة وتجيز عبرها لأعضائها التخلي عن بعض العبادات والشعائر لإخفاء هويتهم، حتى لا يتم استبعادهم من أجهزة الدولة، خاصة الجيش والشرطة.
فقد دأبت الحركة منذ نشأتها على نفي الطموح السياسي عن نفسها، وتأكيد عدم اهتمامها بالعمل السياسي الحزبي، لكنها كانت على الدوام تسعى للوصول إلى المناصب العليا في مختلف المؤسسات وخصوصاً الجيش والاستخبارات والشرطة تأهباً لمشروع سياسي مستقبلي. ولم يجد كولن حرجاً في أن يبيح لأتباعه، في درس خاص تم تصويره وتسريبه، “شراء ذمم القضاة والمحامين” لتحقيق هذه الأهداف.
يرى بعض المراقبين أن نتائج هذه الخطة قد ظهرت مؤخراً بعد الانتشار الكبير لأفرادها داخل المؤسسة الأمنية تحديداً، وتشكيلهم لشبكة متواصلة مع بعضها البعض ومرتبطة بقيادة من الجماعة بعيدة عن سلطة الأجهزة الأمنية الرسمية. فقد ارتبط اسمها بتسريب وثائق لانقلابات مخططة ضد الحكومة الحالية أدت إلى محاكمة عشرات الضباط الكبار في فترة الوفاق مع العدالة والتنمية، ثم في الأزمة الحالية مع الحكومة بعد الخلاف والانفصام بين الطرفين.
العلاقة مع الدولة
لا تملك “حركة الخدمة” مشروعاً متجاوزاً للدولة أو معادياً للسلطات، بل رأت دائماً عبر تاريخها (باستثناء الخلاف الأخير مع حكومة العدالة والتنمية) ضرورة العمل تحت سقف الحكومة والتنسيق معها باعتبار أن القيادة السياسية هي “ولي الأمر” التي “تعرف أكثر، وتدير البلاد وتحرص على مصالح الشعب”.
غير أن كولن تخطى الخطوط والمسافات المتعارف عليها بين النظم الحاكمة والجماعات الصوفية في أكثر من دولة، ليصبح “شريكاً” رئيساً للعديد من الحكومات بل وللمؤسسة العسكرية. فبعد سجنه لأشهر بعد انقلابي 1960 و1971، رأت فيه قيادة الجيش البديل الذي يمكن الوثوق في عدم تطلعه للحكم، بعد إسقاط حكومة أربكان وإغلاق معاهد تعليم القرآن الكريم إثر انقلاب عام 1997، خاصة أنه كان من معارضي حكومة الرفاه ومن طالبوا رئيسها أربكان بالاستقالة. في تلك الفترة التي حوربت فيها معظم الحركات الإسلامية في تركيا وحظرت أنشطتها، كان كولن محتفى به وضيفاً على عدد من البرامج التلفزيونية لنقل تجربته المتميزة في “الانفتاح والتسامح وقبول الآخر”، بينما تفرد لوحده بين القيادات الإسلامية في عدم مواجهة حظر الحجاب المفروض من قبل الدولة مفتياً لأتباعه من الفتيات بجواز نزعه.
وفي حين رأى البعض ذلك تزلفاً للسلطة وتنازلاً لها، اعتبره آخرون ذكاءً حافظ به كولن على كيان جماعته الفتية، وتجنباً لأي مواجهة مبكرة مع مؤسسات الدولة القوية، قد تؤدي إلى حظر أنشطتها. لقد كرر كولن مراراً وفي عدة مناسبات مديحه لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك واتهم الحركات الإسلامية بالفهم الخاطئ للرجل وسياساته وفكره، كما حرص على دعم الدولة له في مشاريعه المختلفة، بل عرض على الحكومة في عهد الرئيس دميريل أن تشرف هي بنفسها على إدارة مدارس الجماعة في تركيا وخارجها، وكرر مراراً وصف “نور العين” لدى الحديث عن المؤسسة العسكرية.
وفي اتساق مع هذه الرؤية والمواقف من الدولة والحركات الإسلامية الأخرى، كونت الجماعة تحالفات انتخابية مع مختلف الأحزاب (باستثناء الأحزاب التي كان يرأسها أربكان) من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بما فيها حزب اليسار الديمقراطي بقيادة بولند أجاويد. لكن كولن أوضح أن الأمر لا يقف عند حد التحالفات الانتخابية حين صرح لصحيفة الزمان التابعة لحركته أنه “لو قدر له أن يشفع لأحد لكان هو بولند أجاويد”، مما أغضب الجماعات الإسلامية وأطيافاً كبيرة من الشعب، باعتبار أن أجاويد كان من غلاة العلمانيين وهو صاحب حادثة طرد النائبة المحجبة مروة قاووقجي من البرلمان عام 1999.
العلاقة مع الغرب
تعتبر علاقة حركة الخدمة مع الغرب ركناً رئيساً في فهم مرتكزاتها الفكرية وتوجهاتها السياسية ورؤيتها لمستقبل تركيا، حيث يبدو الملف استيراتيجياً بالنسبة لها. تنبع هذه الرؤية من اقتناع الجماعة أن الغرب هو الذي يقود العالم اليوم، مما يحتم على كل من أراد أن يتواجد على الساحة العالمية التصالح والتنسيق معه لا مصادمته. من هنا فقد دعمت دائماً ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولم يتحرج كولن من أن يعلن عام 1999 في برنامج تلفزيوني شهير أنه قال لأحد السياسيين الأوروبيين لدى رفضهم انضمام تركيا للاتحاد في حينها: “لقد تركتمونا كالأيتام”.
تبلورت هذه الأفكار التأسيسية في مشروع “حوار الأديان” الذي أطلقه غولن عبر لقاءاته مع القساوسة ثم بابا الفاتيكان، ليكون بوتقة تجمع أتباع الشرائع السماوية الثلاثة ثم لاحقاً أتباع الشرائع الأخرى (الهندوس والسيخ والبوذيين) ترسيخاً لمبدأ قبول وفهم الآخر والتعاون معه.
في عام 2006 ذكر تقرير إخباري لتلفزيون BBC تبرع حركة كولن لمدرسة تبشيرية بملياري دولار أمريكي. وفي عام 2008 انتهت كل القضايا المرفوعة ضد كولن، وتوج ذلك بدعوة اردوغان وغول بشكل رسمي كولن للعودة من منفاه الاختياري، لكنه رفض الدعوتين وفض المكوث في الولايات المتحدة الأمريكية متعللاً بأن عودته “قد تسبب حرجاً أو أذى لأتباعه”. أدت مواقف وسياسات كهذه إلى طرح علامات استفهام عند الإسلاميين من داخل وخارج الجماعة حول الهدف الأساسي لمشروع الحوار مع الغرب، ودفعت نورالدين فاران، أحد مؤسسي الحركة، إلى اعتباره “الخطوة الأولى على طريق تنصير المسلمين”.
وفي ظلال هذه الرؤية، تجنبت “الخدمة” عبر تاريخها الطويل انتقاد “إسرائيل” حتى في أقسى المراحل وأبشع المجازر، معتبرة أن ذلك يوطد علاقاتها مع الدول الغربية. لكن هذا الموقف المتحفظ تطور ليتجسد موقفاً منتقداً لسفينة “مافي مرمرة” التي اعترضتها قوات الاحتلال العسكرية في عرض المياه الدولية وقتلت 9 مواطنين أتراك. هاجمت وسائل إعلام الجماعة السفينة ومنظمي رحلتها التي ادعت أنها “لا تعرفهم”، في حين حملهم كولن المسؤولية في حوار له مع صحيفة وول ستريت جورنال لأنهم “لم يأخذوا الإذن من إسرائيل، إذ التحرك من دون إذن السلطة تمرد”.
وفي حين ألف نورالدين فاران، أحد المقربين من كولن لمدة 35 عاماً وأحد المؤسسين الأربعة للحركة، كتاباً يشي عنوانه بمضمونه وأسماه “الحصار .. حصان طروادة الأمريكي حركة فتح الله كولن”، يقول الصحافي مردان ينارداغ في كتابه “كيف حوصرت تركيا” أن الجماعة تعمل بالتنسيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الاستخبارات الأمريكي، مشيراً إلى أنها تدرس في مدارسها باللغة الانكليزية، بينما التركية لغة اختيارية، ومذكراً بوصف “ربان سفينة العالم” الذي أطلقه الزعيم الديني على أقوى دول العالم، داعياً إلى التوافق والتنسيق معها لا معاداتها.
العلاقة مع العالم العربي
قدمنا أن الجماعة تنتهج “إسلاماً قومياً” يختلف عن “إسلام الأمة” الذي تتبناه حركات الإسلام السياسي بشكل عام، وأنها ترى فضلاً للحركات التركية على نظيراتها في الوطن العربي، التي تعتبرها “امتداداً لنظامي إيران وطالبان”.
ولا يخفي كولن، في إطار الانتصار لمصطلح “إسلام الأناضول”، خلافه مع “تناقضات” حركات حماس والجهاد الإسلامي والإخوان المسلمين التي يراها “حركات هامشية لا تحتاجها الحركة الدينية القومية في الأناضول”.
لكن الجماعة لم تهمل التواصل مع العالم العربي من باب إعطاء النموذج والإفادة بالتجربة. فقد حرصت على ترجمة أفضل كتب كولن للعربية، واستضافة النخب العربية لإطلاعها على تجربتها خاصة نجاحها الباهر في العمل المؤسسي (الإعلامي والإغاثي والتعليمي)، ثم افتتاح مدارس في عدد من الدول العربية، وصولاً إلى مؤتمر “مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي .. خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية” في القاهرة عام 2009 برعاية جامعة الدول العربية.
مع العدالة والتنمية
بانشقاق اردوغان ورفاقه عن حزب الفضيلة وتأسيسهم العدالة والتنمية، رأى كولن أن المجموعة الشابة الجديدة تمثل اختلفاً جوهرياً عن غريمه التاريخي أربكان، مما ساعد على تكوين تحالف غير معلن بين الجماعة والحزب، أعطى الثاني أصوات الأولى، مقابل امتيازات كثيرة لها، أهمها التمدد أفقياً وعامودياً في المناصب الحيوية.
لكن شهر العسل لم يدم طويلاً على وقع ملفات عدة، أدت لاشتعال حرب لا هوادة فيها بين الطرفين، بدأت بحادثة رئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان ومرت بأحداث “جزي بارك” وصولاً إلى معركة “معاهد التقوية”.
فقد استهدفت حادثة رئيس جهاز الاستخبارات رجل اردوغان الأقوى وذراعه الأيمن، ولذلك فقد اعتبرها محاولة لاستهداف شخصه وإضعاف الحكومة وتقويض عملية السلام مع الأكراد التي خطط لها وأدارها الأخير بتفويض مباشر منه، كما لم يفت المراقبين (والحكومة بالتأكيد) ملاحظة تزامن هجوم الجماعة على فيدان مع حملة عنيفة ضده من قبل الإعلام الأمريكي والسياسيين الإسرائيليين. لاحقاً، تعمدت وسائل الإعلام المحسوبة على كولن النيل من اردوغان وتلميع نائبه أرينتش والرئيس غول في أحداث “جزي بارك”. ثم جاءت أخيراً أزمة معاهد التقوية التي قصمت ظهر الحلف القديم وحولت الصراع الخفي إلى حرب علنية، حيث اعتبرتها الحركة حرباً عليها من الحكومة ومن اردوغان شخصياً لتجفيف منابعها المالية والبشرية.
تحولت هذه الحرب الخفية الهادئة إلى معركة شبه صفرية بين الطرفين بعد اتهام الحزب للجماعة بإثارة قضية “الرشاوى والفساد المالي” الحالية بالتعاون مع أطراف داخلية وخارجية لإسقاط الحكومة، وتخلي الجماعة عن ميراثها الطويل من السكون والمهادنة واحترام “السلطات” وقيادات الدولة، لتتزعم وسائل إعلامها حملات التسريب والتشويه ومهاجمة الحكومة.
في هذا الصدد، لن نكون مبالغين إن قلنا إن سقف المعركة السابق كان “حزب العدالة والتنمية بلا اردوغان”، بينما ارتفع الآن ليصبح “تركيا بلا حزب العدالة والتنمية”، على الأقل من وجهة نظر الحزب والحكومة. قد يدعم هذا الادعاء مخطط “الانقلاب القضائي” الذي تحدثت عنه صحيفة “أقشام”، والذي يشمل اعتقال العشرات من سياسيي الحزب في المحافظات المختلفة، إضافة إلى رؤساء بلديات ورجال أعمال ورؤساء عشائر كردية ضمن عملية واحدة كان يفترض أن تكون “الحملة الثانية” ضد الحزب لتوجيه ضربة ثانية وقاصمة لسمعته أمام المواطنين. ذلك المخطط الذي أوقفته الحكومة (حسب الصحيفة) بسحب القضية من يد المدعي العام معمر أقاش، متبعة ذلك بحملة “تطهير” في أجهزة الأمن المختلفة أقالت على إثرها منها ما يقرب من 700 شخص.
هي حرب لها أبعادها القضائية والسياسية والإعلامية، وعليه فربما تساهم إلى حد ما في رسم مشهد تركيا السياسي في المستقبل القريب وهي على أبواب ثلاث استحقاقات انتخابية تبدأ في آذار 2014، لكن الأكيد أنها كشفت الكثير عن فكر الجماعة وتناقض واقعها العملي مع منطلقاتها النظرية، وبالتالي ستحدد مصيرها وأفق مشروعها الفكري – السياسي داخل وخارج تركيا، وربما هذا تحديداً ما يفسر شراستها واستماتتها في معركتها الإعلامية الحالية مع حكومة العدالة والتنمية، بطريقة لم تعرف عنها ولم تنتهجها سابقاً قط.