يبلغ إجمالي عدد السكان في قطاع غزة ما يقارب المليوني نسمة، يعيشون على بقعة من الأرض مساحتها لا تزيد عن 360 كيلومترًا مربعًا، وفي الوقت الذي تتغنى فيه الدول الأخرى بالحريات ومدى وجود ضمانات قانونية وعالمية لحماية الأفراد والجماعات من أي إجراءات حكومية قد تمس أو تجرح الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، يعاني السكان في قطاع غزة من غياب أي تطبيق فعلي لمعظم البنود الموجودة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أعلنته الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول في العام 1948م.
فلسطينيو غزة في مدارس الأونروا
حيث تنص المادة الثالثة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”، كما وتنص المادة الثالثة عشر على أنه “لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، وتنص أيضًا على أنه “يحق لكل فرد أي يغادر أي بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه”، عن أي حياة يتحدثون؟ وعن أي حرية؟ وماذا عن السلامة الشخصية؟ نحن نعيش في أكبر سجن موجود في القرن الواحد والعشرين، لا يسمح لنا بالدخول أو الخروج إلا بمواعيد محددة وبعد إجراءات أمنية مشددة وكأننا مجرمون! فإما أن نرضى الذل والهوان ونسافر من معبر رفح، أو أن نقبل أن نكون عرضة لهوائية أجهزة مخابرات الاحتلال الصهيوني عند السفر عن طريق معبر إيريز، ناهيك عن الحروب التي يشنها الاحتلال الصهيوني ويهدم فيها كل شيء ويهدد حياة المئات بل الآلاف بدون أي رادع!
وتنص المادة السادسة على أن “لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية”، كما وتنص المادة الخامسة عشر على أن “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما”، وتنص أيضًا على أنه “لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفًا أو إنكار حقه في تغييرها”، أعرف الآلاف من سكان قطاع غزة لا يملكون أي إثبات لشخصيتهم القانونية، والسبب في ذلك بسيط، وهو تخاذل السلطة الفلسطينية في إيجاد أي حل لهذه المشكلة وترك الأمر برمته لإسرائيل لتقرر منح الجنسية لمن تريد وحسب ما تراه مناسبًا لمصلحتها وكأن إسرائيل أصبحت هي التي تحدد من هو الفلسطيني الكامل القانونية!
وتنص المادة السابعة على أن “كل الناس سواسية أمام القانون…”، أكاد أجزم بأن القانون في هذا المكان هو نسبي، فلكل طرف من طرفي الانقسام محاكمه التي تحكم بما يخدم مصلحة مشغلها، أصبح القانون أداة تستخدم في بعض الأوقات ويترك ويضع على الرف في أوقات كثيرة أخرى، وعندما يسيس القانون يفقد معناه.
جندي إسرائيلي وطفل فلسطيني
وتنص المادة التاسعة على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا” كما وتنص المادة التاسعة عشر على أنه “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير..””، أود أن أشير أنه لا مكان للمعارض أو لصاحب الرأي المختلف إلا في السجون، وبغض النظر عن أن هناك طرف يحترم الرأي الآخر أكثر من الطرف الآخر إلا أن سياسة معاقبة صاحب الرأي المخالف – الخارج عن الصف الوطني كما يطلق عليه – موجودة عند الطرفين وليسوا بحاجة إلى مبررات لتنفيذ ذلك، ولا تشفع له درجته العلمية أو سنه أو حتى جنسه.
وتنص المادة الواحدة والعشرون على أنه “لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده…” كما وتنص أيضًا على “إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية…”، في ظل وجود رئيس سلطة منتهية ولايته ومجلس تشريعي شبه معطل ومجالس بلديات بالتعيين يضيع المواطن ويجد نفسه غريبًا يبحث عمن يلبي له احتياجاته، لم يترك شبح الانقسام أي من الخدمات – التي من المفترض أن تكون من المسلمات – إلا وأسقط ظله عليها، من موظفين يتقاضون راتبًا وهم مستنكفون عن العمل، إلى موظفين يعملون ولا يتقاضون راتبًا، وصولاً إلى عمال وخريجين بالآلاف معطلين عن العمل بدون أي حلول من الطرفين.
بعد كل ما سبق ذكره، يجد المواطنون في قطاع غزة أنفسهم في فجوة بين ما يذكر في الإعلان العالمي لحقوق الانسان الخاص بالأمم المتحدة وبين ما هو موجود فعليًا على أرض الواقع، وفي ظل استمرار وجود شبح الانقسام، تضيع البوصلة، فبدلاً من التفكير في كيفية استعادة فلسطين المسلوبة وبذل الغالي والرخيص في سبيل ذلك، أصبحنا نفكر في الهجرة وترك ما تبقى منها لعلنا نتمتع لسنوات ولو كانت قليلة بحقوق لم نعرفها ولم نشعر بها في قطاع غزة.