هل انتصر بشار الأسد في سورية فعلًا؟

عندما يجتمع خمس وزراء خارجية دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بحضور الجهاز الأوروبي للعمل الخارجي للتشاور حول الوضع في سورية ويخرجون بدون نتائج، فإن روسيا تكون على مسافة قريبة من استعادة أمجاد روسيا القيصرية على حساب الأزمة السورية، والتغلب على الولايات المتحدة التي تصدر نفسها على أنها حامية الحمى لأوروبا والشرق الأوسط، وقد يأتي وقت تصبح روسيا قبلة الدول لتلجأ إليها وتستقوي بها بدلاً من الولايات المتحدة.
الاجتماع الذي عقد في العاصمة الألمانية برلين اعتبره المجتمعون “عصف ذهني لبحث الموضوع السوري” على حد تعبير مارتن شيفر المتحدث باسم الخارجية الألمانية، ويضيف أنه “في الوقت الحالي لا أعرف أحدًا سواء في برلين أو أي مكان آخر لديه مقترحات لفرض عقوبات على روسيا لدورها في سورية”، وأضاف أنه “من الواضح أنه لا يوجد أمل في تسوية الأزمة ووقف إراقة الدماء دون التوصل إلى تفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا حول سورية”.
اعتبرت المعاضة السورية اجتماع وزراء الخارجية في برلين ضوءًا أخضر غير مباشر لتعزيز احتلال سورية من قبل روسيا
وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الوهن الذي وصلته القوى الغربية والولايات المتحدة ضد طموح روسيا في سورية وتوغلها في المنطقة وقلة حيلتها لإيقافها عند حدها، بل ذهبت المعارضة السورية لاعتبار نتيجة الاجتماع على ما هي عليه، ضوء أخضر غير مباشر يسمح للروس بتعزيز “احتلالهم لسورية”.
احتلال سورية
يعتزم مجلس الدوما الروسي (البرلمان) غدًا الجمعة شرعنة الاحتلال العسكري الروسي في سورية بشكل دائم والوقوف في وجه أي نية دولية لإعادة العمل باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه سابقًا بين واشنطن وموسكو في 19 الشهر الماضي والذي فشل في تحقيق بنود الاتفاق، وفي حال اتخاذ شرعنة التواجد الروسي في سورية على أنه احتلال ستكون أي دولة تتدخل في سورية بحكم المعتدية على روسيا والأراضي الروسية وعلى الأمن القومي الروسي ومن حقها الرد عليه بالطريقة التي تراها مناسبة، وفضلا عن ذلك ستصبح روسيا عقدة الحل والعقد في قضايا الشرق الأوسط ومصدر اطمئنان لإسرائيل في المنطقة.
يذكر أن بوتين خطب أمس في الجلسة الافتتاحية لمجلس الدوما بتشكيلته الجديدة داعيًا فيها إلى بناء روسيا قوية، مؤكدًا أن قوة الدولة هي الشرط الأساسي لبقائها، وقال إنه “يجب أن تتضافر الجهود وأن ننسق جهودنا والتزاماتنا وحقوقنا من أجل دعم حق روسيا التاريخي الأعلى وهو حقنا في أن تكون قوية”.
وعلى ضوء هذا “الاحتلال” فقد أرسلت روسيا مدمرتين “سيربوخوف” و”زيلوني” إلى سواحل البحر المتوسط باتجاه سورية بغية تثبيت دعائم سيطرتها في سورية وحماية قواعدها العسكرية هناك واستغلال ضعف الولايات المتحدة قبيل حدوث الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس جديد، في صمت مخيم من دول العالم تجاه هذه الحركة بما فيها تركيا التي تختلف مع روسيا على الحل في سورية وتدعم المعارضة، حيث مرت السفينتان من مضيق البوسفور والدردنيل عبر تركيا.
علمًا أن كلًا من الرئيسين بوتين وأردوغان أجريا اتصالًا هاتفيًا تناولا فيه العلاقات الثنائية والتطورات الأخيرة في سورية، حيث صدر بيان تركي أكد أنه تم “التأكيد على ضرورة زيادة جهود المجتمع الدولي لبناء عملية سياسية سلمية في سورية وخلق الظروف الملائمة لتهدئة الوضع والتصدي للمشكلات الإنسانية الحادة”، في الوقت الذي أُعلن عن زيارة قريبة لبوتين إلى إسطنبول للتباحث حول خط الغاز الروسي “السيل التركي” الذي سيمر عبر تركيا من البحر الأسود.
لم يقتصر الأمر على إرسال المدمرتين، بل شرعت روسيا في نشر منظومة صواريخ “إس 300” في سورية بهدف حماية القواعد والمنشآت والمراكز العسكرية ضد أي ضربات من طائرات معادية، وبالإضافة إلى هذا وذاك تكلمت أوساط روسية عن خطوة استباقية لزيادة القوات الروسية العسكرية للرد على الخطة “باء” التي تعمل الولايات المتحدة عليها، حيث أعلنت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تدرس الخيارت الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية المتاحة للتعامل مع الوضع في سورية”.
وفي إشارة إلى احتدام التوتر بين موسكو وواشنطن، فقد أعلنت الحكومة الروسية وقف العمل باتفاقية التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في مجال البحوث العلمية والابتكارات في القطاع النووي وقطاع الطاقة. كما قررت روسيا أيضًا الانسحاب بشكل منفرد من التزام التخلص من البلوتونيوم القابل للاستخدام في صنع أسلحة نووية، ومن جهتها كانت واشنطن قد أعلنت أنها أوقفت المباحثات مع روسيا حول وقف إطلاق النار في سورية واتهمت موسكو بعدم الإيفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق.
بيد أن تحركًا لفرنسا يبدأ اليوم وغدًا الجمعة يزور خلالها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت روسيا اليوم والولايات المتحدة غدًا الجمعة لإقناع الطرفين بتبني قرار مجلس الأمن بفرض وقف إطلاق النار في سورية الذي يمهد وضع نهاية لكل الطلعات الجوية لكافة الأطراف فوق مدينة حلب ووصول المساعدات إلى السكان المحاصرين.
إلا أن روسيا استبقت زيارة إيرولت بالتحذير أن مبادرة فرنسا لن تعمل طالما كان المقصود بها دفع موسكو للضغط على القوات الحكومية السورية لوقف إطلاق النار بشكل أحادي الجانب وشددت على أن مشروع القرار سيرى النور فقط في حال اتخاذ إجراءات منسقة أشد ضد الإرهابيين.
في خضم كل تلك التصريحات والاتهامات المتبادلة بين روسيا وأمريكا والانسحاب من المباحثات حول سورية ووقف التنسيق بينهما ووقف العمل باتفاقيات معقودة بين الجانبين، يبدو أن الأزمة في سورية تذهب إلى “حنق استراتيجي” لا مكان للحل بين الدول المتصارعة في سورية، فالتدخل الروسي عطّل أي تدخل إقليمي ودولي فيها ويحتم اندلاع حرب الكل يتجنبها في حال حدث تدخل ما! أما الإشارات الصادرة عن مصادر كثيرة بنية توجيه ضربة عسكرية للجيش السوري وروسيا فهي لا تعدو أن تكون ضغطًا على روسيا للتخفيف من حدة القصف والقتل الممنهج.
هل فشلت الثورة وانتصر النظام؟
قد يكون الأسد ينتشي فرحًا من نشوة الانتصار (ولو نسبيًا) الذي يحققه على المعارضة بمساعدة حلفائه روسيا وإيران، فالكفة الدولية تميل لصالحه وعمليات التهجير وإخراج المدن من دائرة الصراع على أشدها أما القتل والتدمير فلم يتوقف لحظة والمعتقلين لم يخرجوا.
يفرح الأسد بعدما تمكن من تهجير نصف سكان سورية، أربعة ملايين خارجها وستة ملايين نازحين، عندما أحضر قوى العالم إليها وتسعى روسيا لشرعنة احتلالها في سورية وقد تتحول إلى أراضٍ روسية يحكمها شخص مفوض من روسيا، بعدما قتل أكثر من نصف مليون والسوريون يعرفون أن الرقم يصل للمليون، على الأطفال الذين قصفهم بالكيماوي في الغوطة وعشرات المجازر الأخرى ضد المدنيين وقصف المدارس والمشافي، على المعتقلين الذي يناهز عددهم مئات الآلاف داخل سجونه، بعدما أعاد سورية مئة عام للوراء جراء تدمير البنية التحتية وتهجير الموارد البشرية، فهل انتصر بشار الأسد في سورية فعلًا؟ سؤال يرسم إجابته الكتائب والفصائل المقاتلة التي لا تزال قادرة على تغيير مجريات الأحداث وتملك الأدوات والطرق التي تؤثر فيها على معادلة الصراع.