هل تعرف من هي صبورة، أو لعله مرَّ عليك اسمها في كتب التاريخ مع عبد الرحمن الداخل أو عبد الرحمن الناصر أعظم أمراء الاندلس، باني مدينة الزهراء العظيمة على سفح جبل العروس شمالي غربي قرطبة… أو لعلها أنصارية يعود نسبها كما يعود نسب مؤسس مملكة غرناطة يوسف بن نصر أو بني الأحمر إلى الصحابي الخزرجي سعد بن عبادة زعيم الأنصار؟!
أما صبورة التي كانت هدفا عظيمًا للقتل، ولوحقت سنوات طوال وهددت أشد التهديد في إسبانيا، لم تكن زوجة خليفة ولا أمًا له، ولا هي من أخوات فاطمة الفهرية ولم تؤسس لجامعة القرويين أول بناء يجمع العلم والمعرفة في العصور الوسطى المظلمة.
لعلها ليست من عظماء التاريخ أولئك أو حتى منه، ولكنها عظيمة في حاضر من حاضرنا نحن! صبورة التي طُعِنت وهي واقفة في وسط مطبخ بيتهاعام 1998م ستة وثلاثين طعنة… في جسدها ،في الظهر، في البطن، في القلب، في الصدر، في الأكتاف والأطراف بلئم شديد وبحقد أشد، أندلسية أسلمت وزوجها وقررت بعد أن تمكن الإسلام من قلبها أن تدافع عن نفسها وحجابها وتدعو الاسبانيات إلى الاسلام، فأسست جمعية النساء في مدينة برشلونة لما في برشلونة من حرية في القانون يسمح لها بالتحرك، واستقرت وعائلتها في قرية المدور في سفح قلعة المدور التي كانت حصنًا منيعًا لقرطبة أيام عز قرطبة، وقيل كما يقال دائمًا، شاب مجنون تهجم على امرأة في بيتها قتلها وسجن، وفي طريق محاكمته وكالعادة وقع عن الدرج ومات من فوره وأفلتت (منظمة الرب) مرة أخرى وثالثة ورابعة من أي تحقيق، رغم تهديداتها المباشرة بالقتل، وملاحقتهم المتواصلة لصبورة وزوجها الداعية الإسباني المسلم.
وهل مرَّ عليك اسم الدكتور علي الكتاني الأندلسي الذي عاد إدراجه من المغرب في الثمانينيات؟ بعد أن صدر ولأول مرة في إسبانيا قانون حرية الأديان عام 1978م،ودرَّس الحضارة الإسلامية في جامعة قرطبة، وصاحب كتاب انبعاث الاسلام في الأندلس، عاد ادراجه يريد أن يبدأ مشروعًا أكاديميًا عظيما لا أكثر ولا أقل، فلملم الجهود لبناء جامعة ابن رشد ومسجد الأندلسيين في وسط مدينة قرطبة القديمة وعقد بعض اتفاقيات مع جامعات إسلامية في ماليزيا والأزهر الشريف، ودعمه بعض من أثرياء الخليج على استحياء، فقدموا له مبالغ لشراء البيوت الأندلسية المتراصة لعمل الجامعة حتى دون استكمال دفع أموال ترميمها، هو المال العربي كما العادة خجولًا، أمام فرصة الترخيص التي سهلها له رئيس بلدية قرطبة في ذلك الحين اليساري (خوليه انجيته)، لكن يد (منظمة الرب) الذراع الضاربة للكنيسة الكاثولكية ــ كما قيل ويقال دائمًا في المجتمع القرطبي- ،تتدخل مرة أخرى لتجهض كل مشروع إسلامي حتى لو كان أكاديميًا أو ثقافيًا بحتًا، مرة بسفك الدماء مباشرة باسم المعتدين المجانين ومرة أخرى باختراق المشاريع بمسلمين جدد مُخربين، ويموت الدكتور علي الكتاني بمرض غريب! أثناء الإشراف على المشروع، ويُقتل المشروع معه، وتباع البيوت الأندلسية بأيدي المُخربين، بثمن بخس ولا يبقى منه إلا المسجد الصغير ومن حوله بعض الممتلكات التي لم يستطع أن يتصرف أحد أو يتلاعب بها لأنها مما قدمته البلدية زمن (خوليه انجيته)، للمشروع.
خوليه انجيته، الرجل الذي اطلق عليه أهل قرطبة اسم (الخليفة الأحمر)، أحمر نسبة لشيوعيته، وخليفه لدعمه الواضح للأندلسيين المسلمين وتقديم كافة المساعدات والتراخيص والخدمات لهم، أليس هو الذي دعم المفكر الاسلامي الفرنسي روجيه جارودي في مشروعه الذي أقامه على قنطرة أو جسر قرطبة، فيما كان يُعرف في التاريخ ببرج المراقبة تعلوه فترى عزًا لا يضاهي عظمته الا هذا الضياع للإسلام في الاندلس، فأصبح برج المراقبة هذا من أجمل المتاحف التي تصور حياة المسلمين في عهد خلافتهم للأندلس في مجسمات فنية مذهلة، ولولا (الخليفة الأحمر) هذا لما تحول البرج الى متحف يعبّر عن تاريخ مَجيد، تحفظه ــ فيما يسر الله له ــ ، بلدية قرطبة! ويزوره مئات الألوف من السياح كل عام .
وذاك الشاب الاسباني المسيحي الذي اغتصبه اللوطييون من رهبان الكنيسة الكاثولكية في عقر دار الرب، فهرب منها يوم كان في العشرينات من عمره كما تذكر الروايات، وأدرك في حياته فيها بؤس إيمانهم وتعرف فيما تعرف عليه عبر التاريخ والكتب على محاكم التفتيش وَرَبَطَ الحاضر بالماضي، وأراد إفشاء السر عمليًا، وفضح أكاذيب الإيمان المفتعل، فبقي ثلاثين عامًا في صراع معهم في المحاكم وهو يلملم أدوات التعذيب الأصلية التي استخدمت في تعذيب المسلمين، يريد أن يفتتح متحفًا لنشر دعارة الكنيسة ــ متمثلًا في محاكم تفتيشها عن دين المرء ــ في فنون التعذيب بأدوات وآلات منها ما وصل قبحه لأن يكون جنسيًا يشق النساء شقين، لعل أقل ما يقال فيها بأنها من صنع الشيطان نفسه! أو لعل أقل ما يقال فيها، أن الشيطان حتمًا قد بلع لسانه من شدة فرحه لما شاهدها! وبعد مضي السنوات الطوال وكسبه للقضية، خسر فيها ما أجبره عليه القاضي بحكمه، على عدم ذكر التاريخ مع العرض، فمنع من بيان أن هذه الأدوات استخدمت لرد المسلمين عن دينهم وتعذيبهم حتى الموت الزُّؤام، ومُنع من الإشارة بأي وجه الى كلمة إسلام أو مسلم، وفي أحسن ما كتب في المتحف تحت صورة تمثيلية لاعتراف امرأة تعذب، “أقسم أنني لم أمتنع عن أكل الخنزير لأنني وجدته مقززًا”.
وهل سمعت عن هاشم ذلك الفنان الصوفي المسلم، الذي أذِنت له البلدية زمن (الخليفة) الأحمر برفع الآذان من على منارة مسجد قرطبة، باعتبار أنَّ كثير من مثقفي قرطبة يرون أن المسجد يجب ألّا تنطفئ أنواره إلا لمساحة الكاتدرائية التي اقحمت فيه بفظاظة عام1236م.
مسجد قرطبة الذي كانت كل زواياه منبعا للعلم والمعرفة فلكًا وطبًا وفلسفةً وكيمياء وغدت اليوم تتراص على جوانبه غرفًا للمقابر، مقابر لعائلات النبلاء والرهبان والقديسين وقواد محاكم التفتيش، كما غدت أرضيته مقبرة كبيرة لفرسان الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر، فترى على أرضيته شواهد القبور المسطحة التي تخصهم، أما وسط المسجد فقد سلط الضوء على الكاتدرائية المزروعة فيه بينما يغرق باقي المسجد في ظلام دامس، أما محراب المسجد البديع فقد احيط بسور ليسجن بداخله. كل ذلك لمنع المسلمين من الصلاة فيه… في الوقت الذي بات الكثير من الناشطين يعتقدون أنَّ للمسلمين الحق في الصلاة فيه مناكفة بالكنيسة، مثلما أن هذا الحق مكفول للنصارى بالتمام والكمال، كما حاول أن يفعل الدكتور منصور زوج صديقتنا الشهيدة صبورة، الذي كاد أن يكون يومًا قديسًا فأسلم وما زال الجميع يتسائل عن طريقة موته، حيث أقام صلاته في 28-12-2006م خارج سور المسجد حتى وخارج حديقته بجانب باب العدالة، للفت الانتباه لهذا المنع الجائر، تحت تغطية إعلامية إسبانية فقيرة وعربية معدومة! أو أن مثقفي قرطبة يرون على أقل تقدير أن يحول المسجد إلى متحف لا يصلي فيه أحد عدلًا بين الجميع كآيا صوفيا في تركيا.
السيد منصور كانون الأول 2006 يصلي مقابل باب العدالة تحت تغطية إعلامية إسبانية
علا هاشم المنبر وأذن في مايو/آيار عام 2004م، وعلت من بعدها أيدي رهبان الكنيسة الكاثوليكية في الدولة لاستصدار قرار بجعل القساوسة والرهبان كُتَاب عدل يسجلون ما شاؤوا وكيفما شاؤوا ومتى شاؤوا من الممتلكات باسم الكنيسة، حتى ضج الإسبان المسيحيون في قُراهم وبلداتهم من شنيع توسعهم ومن شدة ما الحقوه لأنفسهم من ممتلكات الناس، فطالت أيديهم كل ما يشتهون! وبلغت أوج وقاحتهم أن تملكوا مسجد قرطبة الذي كان قبل استصدار القرار عام 2006م تابعًا لبلدية قرطبة، وتغير من حينها اسمه إلى “كاتدرائية قرطبة” بعد أن كان يطلق عليه “كاتدرائية مسجد قرطبة”.
كان هاشم ومنصور يعرفان الطريق جيدًا، ورغم كل المعاناة ومستوى التحدي التي يعلمانها مسبقًا حملوا أمتعة العدل والإنصاف في جعبتهم وتحلوا بشجاعة منقطعة النظير، وتوجهوا حين توجهوا مع الدكتور زكي بدوي رئيس المركز الإسلامي في لندن ومؤسس الكلية الإسلامية، في مارس/آذار عام 2004م إلى حيث مكمن القرار وسيادته لا إلى دولتهم وحكومة إسبانيا، كلا بل توجهوا إلى: الفاتيكان، دار قرار الكنيسة الكاثولوكية، فالقرار وما ادراك ما القرار يُتخذ حين يُتخذ في روما منذ عهود التاريخ الأولى، حيث يقبع مفتاح الأندلس لمسلمي اليوم لمن لم يعِ درس التاريخ! ودرس الحاضر معًا!
الفاتيكان وما ادراك ما الفاتيكان مؤسسة روحية دينية تدير الكنيسة الكاثولكية؟! أم مؤسسة إجرامية؟! صدر بحقه قرار من محكمة العدل الدولية لقانون الأعراف في بروكسل، والمتضامنة مع المحكمة الدولية ضد جرائم الكنيسة والدولة، ينص قرار الإدانة على ما يلي:
“في 25 فبراير 2013 تم الاعتراف قانونا بأن الكنيسة الكاثوليكية الرومية وقياداتها العليا اقترفوا جرائم ضد الإنسانية والتآمر الاجرامي الدولي لتسهيل وتشجيع تجارة الأطفال. وهذا القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية لقانون الأعراف، قد أثبت أن الكنيسة الكاثولكية ومقرها الإداري بما في ذلك الفاتيكان عبارة عن كيان إجرامي وفقًا للقانون الدولي “.
واكثر من ذلك جاء في التقرير الصادر عن المحكمة :” وعلينا ان نكشف على أوسع نطاق، أن الكنيسة الكاثوليكية الرومية، بصفتها كيان إجرامي دولي متورطة فعلًا في الإتجار بالأطفال، واغتصابهم وتعذيبهم، ومتورطة أيضًا في غسيل الأموال، لذلك فهي بمثابة منظمة إجرامية ضد الإنسانية والأطفال وقوانينها، وبالتالي فإن الكنيسة الكاثوليكية الرومية خاضعة لكافة العقوبات التي أقرتها الأمم المتحدة ضد الجرائم الدولية المنظمة سنة (2000) ،وهذه العقوبات تتضمن الاستيلاء على كافة الأموال والممتلكات والثروات الخاصة بالكنيسة، واعتقال المسؤولين الرسميين بها وإعادة كل ما قدموه بالاستيلاء عليه”
الفاتيكان إذًا يتاجر بالأطفال ــ هذا ما تزعمه محاكم الغرب ــ سواء أكانت محاكم صورية أم حقيقية. فالإعلام الغربي يضج بالحقائق والشواهد والاعترافات، من مثل ما وشت به راهبة عن كنيستها في إسبانيا، وضجت به الدولة واعلامها وقضاتها لتتكشف الفضيحة عن مافيا لتجارة الأطفال، تورط بها رهبان وقساوسة في الكنائس بالإضافة إلى اطباء وممرضين في المستشفيات، والفاتيكان يبيض أموال تجارته المحرمة تلك بمثل ريع التذاكر السياحية لمسجد قرطبة التي تصل للملايين، على أقل تقدير، فهو ملكيتها الخاصة اليوم ولا حسيب… وهو حريص بما لا يدع مجالًا للشك على إقامة الصلاة فيه والتراتيل أيضًا!
الفاتيكان إذًا يبني اقتصاد دولته الكنسِّية على الجريمة باسم السلطة العليا المقدسة، باسم الدين، فيما نشره وتنشره بعض أجهزة الإعلام الغربي المقروء والمسموع، عن الفاتيكان أوعن مافيا الفاتيكان! ويكفيك أن تقرأ في كتاب ” الكيان خمسة قرون من جاسوسية الفاتيكان السرية” لمؤلفه (أريك فرانتي). أو يكفي أن يطالع المرء الموضوع على شبكة التواصل لا غير وبكثير من اللغات، ليعرف كثيرًا من الحقائق المذهلة!
والفاتيكان إذًا الذي ابتدأ إجرامه جليًا واضحُا من عمق التاريخ كما يقول التقرير :”وعلى نطاق أوسع، فإن إنكار هذه المؤسسة الإجرامية وإقالتها ليس قانونيا فحسب وإنما ضروري، وذلك منذ فترة طويلة. لأن كنيسة روما، منذ قرون، تتصرف كقوة خارجية لا تكف عن النهب وإشعال حروب بلا حدود ضد الإنسانية. إن كنيسة روما والحكومات الحليفة قد اعتدوا عن غير وجه حق واحتلوا وهدموا أمما، واغتصبوا وأخلوا بلدانا من ثرواتها الواسعة ومن حيويتها، وأشعلوا حروبا شرسة من العدوان والقتل العرقي ضد شعوب أخرى واغتالوا الملايين منهم وحدّوا من حريتهم وألغوا حقوقهم وحرياتهم، واغتصبوا وعذبوا وحطموا عددا لا حصر له من الأطفال، وأبقوا العالم في حالة من الذعر والتبعية والإفقار. وكل هذه الجرائم لا تزال تتواصل بمساعدة بعض حكومات العالم” .
هذا هو الفاتيكان إذًا كما ينظر إليه اليوم كثير من المسيحيين واليساريين والمسلمين على حد سواء كمجرم بدأ جريمته من صفحة التاريخ العميقة، وكما تقول حضارتنا أيضًا جريمة واقعة على المسيحيين اولًا ثم على المسلمين أشد وأنكى في تاريخ لا كالتاريخ! عندما سحق حضارة أذهلت العالم بناها الإسلام في الأندلس سحقًا، ــ فهزيمة قوم لا تعني إبادتهم ونفيهم وسحقهم ــ حضارة كان الأولى أن يتغنى بها العالم المتحضر حتى اللحظة، وكان الأولى أن تُعتبر لأجلها قرطبة عاصمة العلم والثقافة والفن، عاصمة الأخلاق والتسامح وحرية الأديان، يحتفل بها العالم بأسره في كل عام ويدين لها بما وصل إليه، ويرفع القبعة ويحني الرأس! حضارة كان الأولى أن تكون رمزًا لكل جيل ولكل قرن، حضارة أوصلت العالم إلى ما وصل إليه من تكنولوجيا وتطور لمن يعرف ما هي قرطبة أو من هي قرطبة!
قرطبة والدة العالم الحقيقي التي أنجبت ما نحن عليه من تكنولوجيا وتقدم وتغول في العلم! كان الأولى الاحتفال بها بدلًا من الاحتفال بسقوط غرناطة في الثاني من كانون الثاني/ يناير من كل عام، كان الأولى أن يقف العالم حزنًا عقيمًا في تلك الذكرى، ألم يقل غوستاف لوبون ردًا على من اعتبر معركة بلاط الشهداء(بواتييه)، التي انهزم فيها المسلمون في جنوب فرنسا، أن تلك الهزيمة كانت نصرًا لأوروبا ولولاها لضاعت أوروبا في مجاهيل الإسلام! ألم يقل في رده عليهم في كتابه المعروف حضارة العرب:” لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزًا للحضارة والعلم، حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر احيانًا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم!”.
الفاتيكان إذًا وتحديدًا هو جواب السؤال الذي أدهشني طويلًا وأستفزني أكثر، وتركني اسيرة التأمل والنظر، ابحث عنه سنوات بين أروقة الكتب وسطور التاريخ، وفي حوارات المثقفين والمفكرين، وفي لحظات التأمل والصفاء… انتشر الإسلام في دول كثر، وكما انتصر انهزم أيضًا، ولكنه لم يُبد يومًا أو تُستأصل شأفته كما أبيد في إسبانيا، ؟! لِمَ؟!سؤال أرقني كثيرًا، ما الداعِ وما الأسباب؟!… وقال المثقفون إن أوروبا صاحبة المسيحية المتجذرة فيها لم تقبل الإسلام وكتب في ذلك حسين مؤنس في كتابه :”فجر الإندلس”. وقلت لنفسي ولكن أوروبا المسيحية قبلت الإسلام ثمانية قرون وتزواج مع أهله وعظم شأنه، فالهزيمة وانكسار الأمم وحضاراتها، تُعرف مقدماته وعوامله وأسبابه، أما الإبادة فجريمة…! لا يقدر عليها إلا كيان مجرم، ما فعلها الإسلام يومًا، والحوادث تشهد، ولكنه اشترى آيا صوفيا كمنتصر وبثمن باهظ ووقِّعت العقود على ذلك، وأبى ابن الخطاب حين تسلم مفاتيح القدس أن يغلب القوم على كنيستهم أو يصلي فيها… أبى ان يتغلب على مكان عبادة رغم شركيته في عقيدته فكيف بنفي البشر وسحقهم؟! وبقي عهد المسلمين على سنته فاشترى عبد الرحمن الداخل مكان مسجد قرطبة وبثمن أكبر بكثير مما يستحق لإرضاء الطرف الآخر، احترامًا وتقديرًا! وبنى من هناك حضارته، فكان جامع قرطبة جامعة العالم المتحضر!
ولكن الفاتيكان أبى وكان بالمرصاد، الفاتيكان الذي يحاربه اليوم اليساري والمسيحي والمسلم أشار إليه خير خلق الله صلى الله عليه وسلم، محمد بن عبد الله إشارة استراتيجية لمّا تحدث عن روما راعية كنائس الغرب، مع القسطنطنية راعية كنائس الشرق، في حديثه الشريف، ونبه إليه في اعجاز عظيم لرعايته للإنسانية جمعاء وتوجيه اتباعه إلى مكمن الخطر، حماية للإنسانية وإنقاذًا لها، ورحمة بها وبأطفالها وحقوقها ومصالحها، ولكنا حملنا الأمر على خيرية القائد وخيرية الفتح وخسرنا لقلة انتباهنا جهد ثمانية قرون، في فتح الأندلس رغم عظمة الفتح وعظمة حضارته.
وخسرنا وخسر العالم اعجاز نبي يحاول أن يحمي ضعفاء القرون اللاحقة من سطوة القوة والنفوذ باسم الدين. وما زلنا نخسر، باستراتيجياتنا المختلة فنضع ثرواتنا في مهب الإستثمار في كرة القدم في برشلونة، وتضعها مافيا الفاتيكان في بسط النفوذ والسيطرة، ويضعها اليهود في الضغط الإقتصادي الذي يمارسه اللوبي اليهودي فاستطاع أن ينتزع اعتذار ملك إسبانيا خوان كارلوس عند زيارته أمريكا عن جرائم فيليب و ايزابيلا قبل خمسة قرون وهم اليوم يشترون طليطلة، بل يعتبرونها عاصمة لهم كما يشترون أحياء كاملة في قرطبة تراها مهجورة، يقولون لك:” مُلاّكها يهود”، ربما ينتظرون اللحظة المواتية ليعودوا اليها، علهم يعلنون في اللحظة الحاسمة عن أن هيكل سليمان كان أندلسيًا يوم يوجب عليهم نصرنا أن يتركوا فلسطين، فيذكرون لنا ما ذكره أبو حامد محمد الغرناطي في كتابه “رحلة الغرناطي” عن مدينة النحاس التي بناها الجن لسليمان عليه السلام هناك، والتي وقف عليها موسى بن نصير كما تقول الأسطورة أو الحقيقية، وعن بحيرة جن سليمان التي حبسهم فيها، وعن كل ما تخبئه المخطوطات وأكثر، فيستعدون لبناء دولتهم الجديدة بعد فلسطين في الأندلس ضمن تفكير استراتيجي الآن للحظة الهزيمة غدًا، ولا يتركون أنفسهم للمصادفات!!
إن ما يهم اليوم هو ما يكفي لخلق استراتيجياتنا الجديدة على الأرض في الواقع والتاريخ، أين نُسلط كاميراتنا وإعلامنا؟ وأين نستثمر أموالنا؟ وكيف ولماذا نضغط باقتصادنا وبترولنا؟ فلا يأكلنا اعلام باباوات روما خجلًا من أنفسنا بوصفنا بالإرهاب!! ولا يرهبنا باباوات روما مطالبين بعدالة كنائس في جزيرة العرب؟ لأننا أدركنا حتمًا حقائق الفاتيكان فلا يشغلوننا بالدفاع عن أنفسنا وهم أولى برد التهم! ولأننا ادركنا أن مفتاح الإسلام كله في أوروبا يبدأ من حيث انتهت حضارة عظيمة كالأندلس على أيديهم… يد باباوات روما لا غير! أو لأننا يجب أن ندرك حتمًا أن مفتاح حضارة جديدة عنوانها الجديد عدالة الإسلام ورحمته بالإنسانية وأبنائها هي مصيرنا المحتوم، وعلينا جميعًا السعي له في عالم يشوي فيه كثير من القديسين في كنيستهم الأم لحم الطفولة ويتاجر بها…
نعم، سنُعيد إحياء قرطبة حتمًا علينا، وسيحتفل العالم كله بها تحت عنوان (قرطبة رمز الحضارة)، لا حضارة العلم وحده بل وحضارة الإنسانية اولًا، ولكن قبل أن نفعل علينا وعلى العالم كله أن يعرف كيف يتعامل مع تلك القابعة في روما، فلا تعاود استغفال أحد !