ترجمة وتحرير نون بوست
يبدو أن حركة حسم المصرية الجديدة أصبحت أكثر جرأةً في اختيارها لأهدافها واستراتيجياتها، ففي مساء يوم 29 أيلول/ سبتمبر، انفجرت قنبلة داخل سيارة تزامنًا مع مرور سيارة أخرى تقل مساعد النائب العام المصري زكريا عبد العزيز، بعد مغادرته لمبنى النائب العام، وعلى الرغم من أن عبد العزيز لم يتعرض لأي إصابات، إلا أن الانفجار الذي جد في منطقة الياسمين في القاهرة، على مقربة من منزل عبد العزيز، أدى لإصابة أحد المارة، وقد كان الانفجار في الطريق الذي يسلكه عبد العزيز للذهاب والعودة من العمل.
وقد نشرت تقارير أولية تتعلق بالتفجير الذي بدا أنه كان مدروسًا بصفة جيدة، شأنه شأن محاولات سابقة استهدفت مسؤولين رفيعي المستوى في القاهرة، بما في ذلك عملية اغتيال النائب العام هشام بركات في تموز/ يوليو سنة 2015، والعملية التي استهدفت وزير الداخلية محمد إبراهيم في أيلول/ سبتمبر 2013 والتي باءت بالفشل، وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه العمليات قامت بتنفيذها المجموعة نفسها، خاصة وأن تفاصيلها تبدو متشابهة، وقد وجه فريقًا من النشطاء إصبع الاتهام إلى ضابط قوات العمليات الخاصة السابق هشام عشماوي، وكان عشماوي ينتمي إلى جماعة أنصار بيت المقدس، لكنه انشق عنها عندما أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم الدولة، وواصل العشماوي وجماعته تبنيهم لفكر تنظيم القاعدة.
وبالتدقيق والبحث، فإننا سرعان ما اكتشفنا اختلافات بين الهجوم الذي استهدف عبد العزيز والهجمات الأخرى التي جدت في السابق، فالقنبلة التي قال المسؤولون إنها استعملت خلال محاولة اغتيال عبد العزيز كانت تحتوي على 3.17 كغ من مادة “تي إن تي”، وبالتالي فإن الكمية المستعملة أقل بكثير من تلك التي استعملت خلال عملية اغتيال بركات ومحاولة اغتيال محمد إبراهيم، وبالنظر إلى الأضرار التي لحقت بالسيارة التي احتوت القنبلة، فمن المؤكد أن كمية مادة الـ “تي إن تي” المستعملة هي أكثر بكثير من 3.17 كغ، لكن إذا ما اعتبرنا الأضرار الطفيفة التي لحقت بالمباني المجاورة، فإن التفجير لا يبدو بنفس حدة تفجيرات عامي 2013 و2015.
وقد فشلت محاولة اغتيال عبد العزيز بسبب تقدير خاطئ للوقت المناسب للتفجير، فمنفذو الهجوم الذي استهدف بركات كانوا أكثر دقة وحرفية، أما منفذو محاولة اغتيال عبد العزيز فقد أخطأوا في اختيار التوقيت المناسب لتفجير القنبلة، فقد قاموا بتفجيرها بعد أن مرت سيارة عبد العزيز بعدة ثوان، وتجدر الإشارة إلى أن الانفجار ربما لم يكن كفيلاً بإلحاق الضرر بسيارة عبد العزيز، وهي سيارة مدرعة من طراز “تويوتا لاند كروزر.”
كل هذه التناقضات تشير إلى مجموعة جديدة من المهاجمين، وقد أصبحت الشكوك حقيقة عندما أعلنت حركة حسم، يوم 30 أيلول/ سبمتبر، مسؤوليتها عن الهجوم من خلال بلاغ قامت بنشره على موقعها، وقد تم توثيق البلاغ بعدد من الصور للسيارة المفخخة، بالإضافة لصور أخرى للانفجار، ثم قامت الحركة في وقت لاحق بنشر صور مراقبة لمنزل عبد العزيز وموكب الحراسة الخاص به.
وقد توجه اهتمام السلطات لحركة حسم بداية من 16 تموز/ يوليو عندما أعلنت الحركة مسؤوليتها عن مقتل ضابط في الشرطة وإصابة اثنين آخرين في هجوم مسلح في حي تميمة، والذي يقع على مسافة 64 كيلومترًا جنوب شرقي القاهرة، وتلى ذلك الهجوم محاولة اغتيال مفتي الجمهورية السابق الشيخ علي جمعة يوم 5 آب/ أغسطس، وقد أعلنت الحركة مسؤوليتها عن ذلك الهجوم أيضًا (كان منفذو الهجوم في انتظار المفتي بعد صلاة الجمعة في حديقة صغيرة كان دائمًا ما يمر منها بعد انتهائه من الصلاة)، وقد أعلنت الحركة في بيان لها أنها قامت بإحباط الهجوم خوفًا من التسبب بسقوط ضحايا من المدنيين، لكن في واقع الأمر، يبدو أن الهجوم قد أُحبط بسبب فشل في التخطيط.
وقد تواصلت الهجمات في الشهر التالي أيضًا، ففي يوم 4 أيلول/ سبتمبر، أعلنت حركة حسم مسؤوليتها عن وضع قنبلة صغيرة أمام مبنى يقع بين نادي ضباط الشرطة ومبنى سلطة إدارية في ميناء دمياط، وقد رأى شهود عيان أحد الأشخاص وهو بصدد إسقاط القنبلة فقاموا بإبلاغ الشرطة وتم بالتالي إحباط الهجوم، ومع ذلك فقد أصيب ثلاثة من ضباط الشرطة خلال محاولتهم تفكيك القنبلة، وبعد خمسة أيام أعلنت المجموعة أنها قتلت ضابط شرطة مصري خلال مغاردته لمنزله في مدينة السادس من أكتوبر.
ويبدو أن عمليات حركة حسم شبيهة بعمليات التنظيم الجهادي المنحل “أجناد مصر” والذي قام بتنفيذ عديد من الهجمات والتفجيرات في الجيزة والقاهرة سنة 2014 و2015، كما أن حركة حسم تستهدف عناصر الشرطة، شأنها شأن تنظيم أجناد مصر، لكن ذلك تغير عندما سعت الحركة لاغتيال عبد العزيز، وعلى الرغم من فشل العملية، إلا أنها تشير إلى طموحات وتطلعات حركة حسم والتي تتمثل في استهداف أذرع ذات أهمية كبرى وبأساليب أكثر تطورًا.
اكتساب المهارات اللازمة لتنفيذ هجوم ناجح ليس أمرا سهلا. لكن منفذي الهجمات الذين يتعلمون من أخطائهم ويطورون مهاراتهم عادة ما يصبحون إرهابيين بارعين. وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتكبتها حركة حسم في كل هجماتها، فإنه يبدو أن الحركة قادرة على مراقبة الهدف قبل تنفيذ الهجوم دون أن يتم التفطن لهم. وذلك على الرغم من أن مصر تشهد مرحلة تأهب قصوى في ظل تصاعد النشاط الإرهابي في جميع أنحاء البلاد.
ونجاح الحركة في مراقبة شخصيات رفيعة المستوى قد يكون إشارة إلى فشل الحكومة المصرية أو إشارة تدل على مهارة حركة حسم. أو على الأرجح إشارة لضعف الحكومة المصرية ولقوة حركة حسم في نفس الوقت. لكن من المؤكد أن عمليات المراقبة التي تقوم بها حركة حسم هي التي مكنت منفذي الهجوم من تحديد نقاط الضعف لكل من الشخصيات التي تم استهدافها، وبالتالي، فهم يقومون بتنفيذ الهجوم استنادا على نقاط الضعف تلك.
صورة من موقع حركة حسم توضح كيفية مراقبتهم لسيارة المستشار زكريا عبدالعزيز
لكن هذه الهجمات التي باءت بالفشل تنذر بالخطر الذي تفرضه حركة حسم. فهذه الحركة قد تصبح أكثر مهارة وقد تصبح هجماتها أكثر خطورة إن واصلت تطوير أجهزتها. لذلك، فإنه من المهم مراقبة هذه الحركة تحسبا لأي محاولة منهم لسد الثغرات التي تعاني منها الحركة من خلال وضع كمائن أكثر تعقيد أو استعمال قنابل أكبر أو استعمال أجهزة تفجير تكون أكثر دقة.
على مدى بضع سنوات، كانت السلطات المصرية قادرة على القضاء على تنظيم أجناد مصر وإلحاق الضرر بالجناح الرئيسي لأنصار بيت المقدس، لذلك فإن القضاء على حركة حسم أمر ممكن. وبما أن الحكومة مشغولة بتضييق الخناق على المعارضة السياسية وعلى ولاية سيناء، فإن ذلك سيجعل الاهتمام بإيجاد واقتلاع جذور حركة حسم أمرا صعبا، الأمر الذي سيمنح مجالا أوسع للحركة في أن تصبح أكثر خطورة.
المصدر: ستراتفور