يشهد المغرب غدًا الجمعة الموافق السابع من شهر أكتوبر، غمار انتخابات تشريعية تتنافس فيها الأحزاب المغربية للظفر بأغلبية المقاعد البرلمانية التي تفتح الطريق لقيادة دفة الحكومة الفترة القادمة في المغرب.
يخوض الانتخابات 27 حزبًا سياسيًا ببرامج انتخابية مختلفة، بترشيح 1400 قائمة انتخابية، وسط حملات استقطابية شديدة بين المشاركين، ووسط مقاطعة أيضًا تقودها “جماعة العدل والإحسان” الإسلامية، وحزب “النهج الديمقراطي” اليساري، وكذا حركة 20 فبراير التي ظهرت في مرحلة الربيع العربي.
جدير بالذكر أن قرابة 16 مليون ناخب مغربي مسجل في قوائم الانتخابات، والمنافسة الحزبية ستكون على 395 مقعدًا برلمانيًا، في إطار نظام انتخابي لا يسمح بحصول أي حزب على الأغلبية المطلقة.
هذه الانتخابات لها خصوصيتها من حيث التناول، حيث تعد الانتخابات التشريعية الأولى بعد 5 سنوات من تواجد حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي على رأس ائتلاف حاكم في المغرب، وذلك بعد اندلاع موجات الربيع العربي، التي كادت أن تطال المغرب، لولا إصلاحات فبراير 2011 التي خرج بها الملك محمد السادس، وأنتجت انتخابات ظفر بها العدالة والتنمية.
المشهد السياسي العام في ثوبه الجديد في المغرب، يعد المستفيد الأول من الدستور الجديد الذي يفرض على الملك أن يختار رئيس الحكومة من بين أعضاء الحزب الأول انتخابيًا، كما أنه يمنح الحكومة وضعًا اعتباريًا أفضل من دستور 1996.
قرابة 16 مليون ناخب مغربي مسجل في قوائم الانتخابات، والمنافسة الحزبية ستكون على 395 مقعدًا برلمانيًا
لذا ترأس حزب العدالة والتنمية الحكومة، عبر أمينه العام عبد الإله بنكيران، فلأول مرة منذ 1960 أصبح يظهر وكأن للمغرب قيادة سياسية عليا برأسين يجسدها ثنائي رئيس الدولة “الملك” ورئيس الحكومة.
ويتوقع أن تحتدم المنافسة في هذه الانتخابات بين حزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة الليبرالي الذي يقدم نفسه باعتباره “حداثيًا” في مواجهة تيار الإسلاميين.
العدالة والتنمية وأزمة ما بعد 5 سنوات من الحكم
تواجه حكومة العدالة والتنمية استحقاقات 5 سنوات من الحكم في هذه الانتخابات، خاصة بعدما شهدت هذه الفترة عدة مآزق سياسية أبرزها خسارة أهم شريك لها بعد سنة وبضعة أشهر من استلام الدفة، وهو حزب الاستقلال، لتترك حكومة بنكيران تواجه الشارع الذي يغلي من حرارة الغلاء والبطالة، بل ليقود أيضًا الاحتجاجات ضدها.
في حين رأى البعض أن العدالة والتنمية وصل “بقرار سياسي” إلى السلطة، في إشارة إلى رغبة القصر الملكي في أن يعطي الفرصة للحزب الإسلامي الذي يحظى بشعبية، قد خسر كثيرًا منها، وأصبح يواجه إما الاستمرار في الحكم بصورة مهتزة أو أن يصل لمرحلة الانتخابات بلا إنجازات حقيقية، وهو ما قد يؤدي إلى عدم انتخابه مرة أخرى.
ولكن الحزب ظل يذكر بموقفه بعد إصلاحات 20 فبراير، الذي ظل رافعًا الشعار الذي ترجمه حزب العدالة والتنمية فيما بعد إلى مقولة “الإصلاح في ظل الاستقرار”.
ليتأسف بنكيران في حملته مؤخرًا، لأنه لم يستطع القيام بإصلاحات أوسع تخص بالأساس الطبقات الهشة والفقيرة في المغرب بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية، وتطرق بنكيران في مواجهته لتبعات سنوات الحكم إلى ذكر الإصلاحات التي نجح fها الحزب، مثل إصلاح أنظمة التقاعد التي كان بعضها مشرفًا على الإفلاس.
بينما ندد حزب العدالة والتنمية بـ “الخروج عن الحياد” الذي عبر عنه الاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة مغربية، حين دعا مؤخرًا إلى تصويت عقابي ضد حزب العدالة والتنمية، كما هاجم بنكيران موقف بعض رجال الأعمال الذي اعتبر أنه يتجه في الاتجاه نفسه، محذرًا من المواجهة القادمة.
تواجه حكومة العدالة والتنمية استحقاقات 5 سنوات من الحكم في هذه الانتخابات
درجة التحدي أمام رئيس الحكومة وصلت للتهديد باعتزال السياسة إذا لم يتمكن حزبه من الفوز بالمرتبة الأولى في هذه الانتخابات، فقد دعا بنكيران المغاربة إلى عدم البقاء في منازلهم والخروج في السابع من أكتوبر، للتصويت بكثافة في الانتخابات، حيث قال “أعطونا أصواتكم واتركونا في مواجهتهم” دون أن يحدد من سيواجه.
يأتي هذا بعد أن تزايدت الاحتجاجات الشعبية ضد سياسة الحكومة خاصة مع قرارها برفع الدعم عن الوقود وبعض السلع الأساسية، ودعوات الإضراب المتكررة.
وبذلك يواجه الإسلاميون في المغرب الأزمة بمفردهم، في التوقيت الذي يحاول فيه خصومهم انتهاز الفرصة لإفقادهم وزنهم السياسي، في ظل انتقادات وغضب شعبي بسبب عدم تنفيذ الحكومة لبرنامجها الإصلاحي الذي وعدت به، بل على العكس من ذلك، قامت المعارضة بخلق الصراعات مع الحكومة في محاولة لعرقلتها.
وقد ظهرت آثار هذه المواجهة في الانتخابات الجهوية الأخيرة، بعدما حصل حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى في انتخابات المحافظات (12 محافظة) وحصد 174 مقعدًا بنسبة 25.66%، وجاء بعده حزب الأصالة والمعاصرة بـ132 مقعدًا بنسبة 19.47%، ثم حزب الاستقلال بـ119 مقعدًا بنسبة 17.5%، وجاء في المرتبة الرابعة حزب التجمع الوطني للأحرار بـ 90 مقعدًا بنسبة 13.27%، ثم حزب الحركة الشعبية بـ58 مقعدًا بنسبة 8.55%.
تزايدت الاحتجاجات الشعبية ضد سياسة الحكومة خاصة مع قرارها برفع الدعم عن الوقود وبعض السلع الأساسية
وفيما يخص نتائج انتخابات البلديات، فقد تصدرها حزب الأصالة والمعاصرة وحصل على 6655 مقعدًا بنسبة 21.12%، وتبعه حزب الاستقلال بـ5106 مقاعد بنسبة 16.22%، ثم العدالة والتنمية بـ5021 مقعدًا بنسبة 15.94%، كما حل حزب التجمع الوطني للأحرار في المركز الرابع بـ4408 مقاعد بنسبة 13.99%، ثم الحركة الشعبية بـ3007 مقاعد بنسبة 9.54%.
أزمات داخلية للعدالة والتنمية
سنوات الحكم لم تؤثر فقط على أوضاع الحزب في المجال العام المغربي، بل أثرت على حالته الداخلية بشكل أو بآخر.
ترددت في الأونة الأخيرة أخبار عن التحاق عدد من أعضاء ومسؤولي حزب “العدالة والتنمية”، الذي يقود الحكومة في المغرب، بغريمه حزب “الأصالة والمعاصرة”، وذلك قبل شهرين من تنظيم الانتخابات التشريعية.
وقد أعلن أعلن حزب “الأصالة والمعاصرة” المعارض، قبوله لعدد من المنتخبين المحليين، الذين كانوا ينتمون إلى حزب “العدالة والتنمية”، يترأسهم الكاتب الجهوي السابق لحزب “العدالة” في مدينة فاس، الراضي السلاوني.
تحدث هؤلاء الأعضاء عن غياب الديمقراطية الداخلية بالحزب الذي يقود الحكومة، وعما أسموه “تحكم القيادة في القرار السياسي”.
بينما نفى حزب العدالة والتنمية أن يكون ما حدث “انشقاقًا كبيرًا” أو “زلزالاً تنظيميًا”، مؤكدًا أن الملتحقين بالحزب المعارض لم يعودوا محسوبين عليه.
وقال “العدالة والتنمية”، عبر افتتاحية في موقعه الرسمي، “إن أغلب الذين وردت أسماؤهم لم يستقيلوا كما تم الترويج لذلك في الإعلام، بل إن الحزب أقال عددًا منهم، حين تبين له عدم التزامهم التنظيمي والسياسي، ومخالفتهم القوانين المؤطرة للعضوية في الحزب”.
ولفت الحزب إلى أن “هدف انخراط المغادرين لسفينة العدالة والتنمية كان هو الترشح في الانتخابات، وليس النضال السياسي، وهو الأمر الذي تأكد بعد أن قاموا بالترشح أو دعم لوائح أخرى حين لم يقع اختيار القواعد لهم للترشح في الانتخابات الماضية”.
أزمة أخرى ظهرت قبيل أيام قليلة من الانتخابات التشريعية التي تبدأ غدًا، حيث فجرت تزكية الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، لأسماء غير الأسماء التي كانت اللجنة المركزية للحزب رشحتها على رأس اللائحة الوطنية للشباب، موجة من الغضب في صفوف قواعد الحزب التي اعتبرت قرار الأمانة العامة بتعيين أسماء جديدة ضمن اللائحة وحذف أسماء أخرى، انقلابًا على الديمقراطية الداخلية.
سنوات الحكم لم تؤثر فقط على أوضاع الحزب في المجال العام المغربي، بل أثرت على حالته الداخلية بشكل أو بآخر.
خاصة وأن الأسماء المدرجة من قبل الأمانة العامة هم برلمانيون سابقون ويتركزون في محور الرباط – الدار البيضاء، وهو ما اعتبره الغاضبون إقصاءً وتهميشًا لطاقات الحزب في باقي المدن، والذين اختارتهم اللجنة المركزية لقيادة لائحة الشباب.
الذارع الدعوية في أزمة
لم تكن تبعات الحكم خاصة بالحزب السياسي الإسلامي فقط، بل طالت هذه التبعات حركة التوحيد والإصلاح، وهي الحركة الدعوية المغربية؛ التي تهدف حسب أدبياتها إلى تحقيق نهضة إسلامية من خلال حركة إصلاحية معتدلة تعتمد المرجعية الإسلامية، وتتبنى خيار الشورى والديمقراطية.
يصفها المراقبون بأنها النظير الدعوي لحزب العدالة والتنمية، لكنها تعتبر نفسها عملاً إسلاميًا تجديديًا لإقامة الدين وإصلاح المجتمع.
ولأن كثيرًا من أعضاء حزب العدالة والتنمية وقياداته تربوا داخل حركة التوحيد والإصلاح، ورفعًا لأي لبس وخلط بين الدعوي التربوي والسياسي، أصر الطرفان (الحزب والحركة) على الفصل بين وظيفتيهما (الدعوي والسياسي) واستقلالية كل منهما عن الآخر، دون أن يمنع ذلك التقاء مواقف الحزب والحركة في اللحظات الكبرى للاصطفاف بخصوص قضايا ذات علاقة بالمرجعية الدينية.
ويقول خصوم الحزب إن هذا الفصل شكلي فقط، وإن الحركة احتياطي انتخابي وتنظيمي للحزب، واعتبر البعض أن الحزب “اختطف” الحركة لأنها انغمرت في الصراع السياسي بمناوراته على حساب الوظيفة التربوية والدعوية، ولكن في النهاية حزب العدالة والتنمية المغربي هو امتداد لفكرة المشاركة السياسية التي تم تطويرها داخل حركة التوحيد والإصلاح منذ حوالي ربع قرن.
هذه المواجهات التي نشأت عن صراع بين حقيقة الفصل الوظيفي لم تكن فقط هي الآثار المترتبة على دخول العدالة والتنمية إلى صراع السلطة، فقد أصبحت العين على الحركة وأعضائها في كل صغيرة وكبيرة بصورة تحسبهم على الحزب الحكام.
في النهاية حزب العدالة والتنمية المغربي هو امتداد لفكرة المشاركة السياسية التي تم تطويرها داخل حركة التوحيد والإصلاح منذ حوالي ربع قرن.
ولا شيء يدلل على ذلك أكثر من حادثة قياديي التوحيد والإصلاح، التي هزت أركان التنظيم، والتي على خلفيتها قبلت الحركة استقالة فاطمة النجار وإقالة عمر بن حماد من مكتبها التنفيذي، بسبب خرقهما للنظام الداخلي للحركة بعد اعترافها لدى الشرطة بـ “وجود علاقة زواج عرفي بينهما”.
وخلقت هذه القضية ضجة في المغرب، إذ انتقد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي المعنيين لخلفيتها الإسلامية وطبيعة التصريحات الأخلاقية التي عُرفا بها، خاصة لطريقة اعتقالهما، في وقت عمم فيه نشطاء حقوقيون عريضة إلكترونية دعوا من خلالها إلى التضامن مع فاطمة النجار وعمر بن حماد وإسقاط التهم بحقهما واحترام الحياة الخاصة.