بعدما كانت أسواق الرياض للمجوهرات تضج بالمارة ومشتريي الذهب، باتت أسواق الذهب تشهد تراجعًا كبيرًا بسبب تراجع المبيعات مقارنة بالعام الماضي نتيجة إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة السعودية بعد انخفاض أسعار النفط العالمية، وتأثر ميزانية البلاد بتسجيل عجز مالي لأول مرة منذ سنوات.
حيث قضى قرار الحكومة في 26 الشهر الماضي بإلغاء بعض المزايا للعاملين في القطاع الحكومي والذين يشكلون الجزء الأكبر من القوة العاملة في البلاد، وشمل القرار إلغاء العلاوات السنوية ووقف العمل ببعض البدلات الإضافية ووضع سقف لبدلات العمل الإضافي.
وحتى المسؤولين الكبار طالتهم تلك الإجراءات، فتم تخفيض رواتب ومخصصات أعضاء مجلس الشورى الـ 150 والوزارء بنسبة 20%، حيث أشارت صحف محلية أن هذه النسبة تصل إلى أكثر من 2700 دولار شهريًا وبموجب القرار سيحرم المسؤولون أيضًا من السيارات المخصصة لهم وبدلات النقل والاتصالات وخدمات أخرى.
كما سبق للحكومة السعودية إعلانها إجراءات تقشفية منها تقليص الدعم على بعض السلع والخدمات الأساسية مثل الوقود والكهرباء والمياه بعدما تم تسجيل عجز في الموازنة للعام الماضي 2015 نحو 98 مليار دولار وتوقعت تسجيل عجز إضافي يناهز 87 مليار دولار للعام المالي الحالي.
آثار التقشف على المواطن السعودي
ساهمت إجراءات التقشف بالتأثير على الاقتصاد السعودي بشكل سلبي حيث ذكر تقرير”لكابيتال إيكونوميكس” أن التقشف المالي الحاصل في السعودية سبب الكثير من الأذى للاقتصاد حيث يبدو الأثر واضحًا بالنظر إلى المتاجر والمتسوقين فالمحال التجارية شبه فارغة من الزبائن، فالتقشف أثر على إقبال السعوديين على الاستهلاك بعد بدء الكثير من المواطنين التأقلم مع الوضع الجديد من خلال احتساب موازنة العائلة والمصاريف التي تنفقها على مختلف الحاجات والكماليات.
ويرى بعض المواطنين أن الوضع الحالي سيسهم في التخلص من الكثير من العادات والممارسات الاستهلاكية التي تعود عليها المواطنون من الإنفاق على البضائع الفاخرة والتسوق ببذخ في الدول الأجنبية والسياحة السنوية وسحب القروض على الراتب والدفع باستخدام البطاقات المصرفية وأمور أخرى تعود عليها المواطن بفضل إغداق الحكومة عليه بالراتب والعلاوة والبدلات والتعويض والحوافز وأشياء أخرى، وهذا ما أدى بالموظف والمواطن والمجتمع السعودي عمومًا إلى الإدمان على الإنفاق غير الرشيد جراء إيرادات النفط في الأعوام الخمسين الماضية والإنفاق بشكل مفرط جدًا دون اللجوء للادخار.
وقد علم نون بوست من مصادر مطلعة في السعودية أنه تم تسريح ما يناهز عن 1.300 ألف عامل منذ عدة أيام في مجمع الملك فهد لطباعة المصاحف في المدينة المنورة، ليصبح العدد الإجمالي للمسرحين من عملهم في المجمع نحو 11 ألف عامل.
وقد وصل التقشف إلى ميزانية التعليم، حيث قامت الحكومة مسبقًا بتقليص حجم الإنفاق على القطاع بنسبة 12% وهذا ما قد يحرم آلاف الطلاب السعوديين من تحقيق حلمهم بالالتحاق بجامعة في الخارج وإكمال الدراسة في الجامعات الأجنبيةـ حيث تصل حجم الميزانية المخصصة لصندوق الملك عبد الله للمنح الدراسة إلى 6 مليارات دولار، علمًا أن الصندوق مكفل بكافة تكاليف التعليم والتأمين والمسكن وتذكرة الذهاب والعودة لجميع الطلاب المستفيدين من المنحة، الجدير بالذكر أن هناك نحو 60 ألف طالب سعودي في الجامعات الأمريكية كانوا يدرسون في العام الماضي وقد تؤدي سياسة التخفيض على القطاع بآثار سلبية على الطلاب.
أما الأثرياء السعوديون والذين اعتادوا قضاء عطلاتهم في السفر خارجًا، بات أمر السفر للخارج مطروحًا للدراسة، فعدد المسافرين إلى أوروبا تضاءل هذا العام، مفضلين قضاء عطلاتهم في أماكن قريبة من السعودية بسبب التكلفة المنخفضة مقارنة بأوروبا.
شركة “كابيتال إيكونوميكس” قالت إن معدل النمو في الإنفاق الاستهلاكي تباطأ بشكل كبير، حيث تشير التوقعات أنه سيستقر عند 2 – 3% خلال عام 2018 وهو ما يمثل هبوطًا من المعدل 6 – 7% الذي سجلها الإنفاق في العام الماضي.
تشير هذه الأرقام أن المواطن السعودي توجه نحو تقليص نفقاته في ظل السياسة التقشفية التي اتبعتها الحكومة، وهذا الإحجام على الإنفاق من قبل المواطنين سيضيف ضغطًا آخر على الشركات ويخلق معاناة لها وتكافح أصلًا بسبب سياسة التقشف الحكومية، وتبدي ذلك من خلال انخفاض الإيرادات في قطاع التجزئة بنسبة 45% في الربع الأول من العام الجاري، حيث كان قطاع التجارة والمطاعم الأسوأ من حيث الأداء بعد انخفاضه، إذ هبط في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بنسبة 0.8%.
والمعلوم أن قطاع الإنشاءات كان أكثر المتضررين من السياسة التقشفية الحكومية حيث تعتمد تلك الشركات على الإنفاق الحكومي بشكل كبير ما أدى إلى أزمة في أكبر الشركات العاملة في القطاع في البلاد من بينها سعودي أوجيه وبن لادن وغيرها المتوسطة التي ترتبط مع الشركات الكبيرة بمشاريع عمل.
وإلى جانب قطاع التجزئة والإنشاءات والتعليم طال القطاع المصرفي جزءًا من المعاناة، حيث هبطت الودائع في مايو/ أيار الماضي بنسبة 3.4% وهو يعد أكبر تراجع منذ 22 عامًا.
تبقى كل تلك الإجراءات جزءًا من خطة المملكة التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان في العام 2030 للتخلص من الإدمان على النفط، لذا فإن الآثارالظاهرة على الاقتصاد والمواطن السعودي ستكون إحدى التحديات الحقيقية لاختبار الرؤية وطريقة تعامل الحكومة معها، ومدى نجاحها في المستقبل المنظور.