يعد المغرب رابع أكثر البلاد العربية اكتظاظًا بالسكان، إلا أنه في نفس الوقت، أكثر البلدان العربية تنوعًا في الديموغرافية السكانية على أرضه، فالمعروف عنه أن أغلبيته من المسلمين السنة، إلا أنه يحتوي على العديد من الديانات والمذاهب المختلفة، بل والأعراق المختلفة كذلك، مما يمنحه تنوعًا ديموغرافيًا لا يتميز به أي بلد عربي آخر.
تبلغ نسبة السكان في المغرب 33.848.424 مواطن مغربي بحسب إحصائيات عام 2014، إلا أنه لا يشكل كل هذه النسبة المسلمون السنة فقط، فتجد في المغرب العرب، والأمازيغ، وهم السكان الأصليين للمغرب منذ 5000 عامًا، والعرب الأمازيغ، واليهود، والمنحدرين من أصل أندلسي.
يشكل المسلمون السنة 95% من النسبة السابقة، حيث أخذ عدد اليهود المغاربة بالتناقص بعد إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، ليظل 5000 يهودي منهم فقط داخل المغرب الآن، كما أن هناك قلة من المغاربة المسيحين، الذي اعتنقوا المسيحية أثناء وجودهم في المغرب، ويُقدر عددهم بحاولي 300.000 نسمة على الأكثر، ذلك بالإضافة إلى نسبة تقل عن 100.000 نسمة من الأجانب، يكون أغلبهم من المواطنين الفرنسيين أو الإسبانيين، بالإضافة إلى الطلاب أو العمالة الجزائرية، أو القادمين من الصحراء الغربية.
أما بالنسبة لاختلاف المذاهب الإسلامية، فلا يعد ذلك أزمة كبيرة في المغرب كما هو الحال في بعض البلدان العربية، حيث يتمتع المغرب بأغلبية سنية، إلا أنه لا يخلو من مجتمعات صغيرة متفرقة من الشيعة في شمال غرب المغرب بأعداد غير محددة، بالإضافة إلى عدم معرفة العامة بوجودهم أو التعرف على نشاطاتهم، وذلك لأن الحكومة المغربية تراقب كل من كان غير مسلم، أو غير سنى، وتقيّد أي فعاليات أو نشاطات لهم، وذلك لأنهم يمثلون تهديدًا لاستقرار الديموغرافية المغربية بالنسبة للسلطات والطبقة الملكية.
لا يمنع كون الأغلبية من المسلمين السنة من وجود بعض العلمانين المغاربة، والذين لا يقدرون إلا ببضعة آلاف فحسب، إلا أنه يتم ملاحظتهم من بين طبقات المجتمع المغربي، في طريقة حياتهم التي تتبع في الأغلب أسلوب الحياة الغربي، وهم في الأغلب من يكونون من الطبقة الغنية أو المرفهة، التي تتمتع بتعليم فرنسي إما في المغرب أو في فرنسا، وذلك يظهر بوضوح في استهلاك بعض من طبقات المجتمع المغربي للخمور، والذي يصل إلى مئات الملايين من اللترات سنويًا.
رغم كل ما سبق من أعراق وديانات ومذاهب، والتي لا زلت تعد أقلية بالنسبة لتركيبة المجتمع المغربي من الناحية الثقافية والاجتماعية، إلا أننا لا يمكننا أبدًا اعتبار الأمازيغ إحدى تلك الأقليات، فيمثل الأمازيغ ما يقرب من 14 مليون من النسبة السكانية في المغرب، أي ما يقارب نصف السكان تقريبًا، أما في منطقة المغرب العربي بشكل عام، فيشكلون ما يكثر عن الـ 32 مليون فرد في الجزائر، ويبلغون 2 مليون أمازيغي في فرنسا، كما يشكلون نسبًا مختلفة وبأعداد كبيرة في كثير من البلاد الإفريقية التي تجاور بلدان المغرب العربي، بل ويشكلون نسبة قليلة من الكثافة السكانية في مصر وإسرائيل.
مظاهرة لأمازيغ المغرب عام 2012
كيف يكون الأمر إن كان المرء أمازيغيًا في المغرب؟
تبدأ جذور المشكلة من التسمية الخاطئة للأمازيغ في اللغة العربية والتي تدرج على ألسنة العرب منذ قرون، وهي تسمية الأمازيغ بالبربر، فمصطلح البربر يعود إلى أصول معانٍ مختلفة في كثير من اللغات والثقافات، فنجد أن اليونانيين يطلقوه على كل من لم تكن لهم حضارة ولا ينتمي لحضارتهم، ونجد المؤرخ اليوناني هيرودوت يصف الفرس بأنهم جماعة البربر، وليس سكان شمال إفريقيا في ذلك الوقت، ويطلقه الرومان على كل من لا ينتمي إليهم ثقافيًا وحضاريًا، كما يستخدمه العرب كذلك في وصف كل ما كان متوحش أو غير حضاري، إلا أنه تم لصق الاسم بالأمازيغ منذ قرون بسبب وجود الحضارة الرومانية لقرون من الزمن في تلك المنطقة من شمال إفريقيا.
لا يصف الأمازيغ نفسهم بالبربر، بل يعتبرونها إهانة لهم ولحضارتهم، ويعتبرونها جزءًا من طمس الحقيقة التاريخية عنهم، فهم يعتبرون حضارتهم من أقدم الحضارات على وجه الأرض، بل يعتبرون حضارتهم بأهمية الحضارة الفرعونية في مصر القديمة، كما يصفون أنفسهم بكونهم السكان الأصليين لشمال إفريقيا، بداية من غرب واحة سيوة في مصر، وحتى المحيط الأطلسي.
يعد يوم الثالث عشر من يناير هو بداية السنة بالنسبة للأجندة الأمازيغية، والتي تكون في سنة 2964 في أيامنا هذه، إلا أنه لا يعترف سواهم بذلك، حيث يتم تهميش كل ما له علاقة بالثقافة أو الحضارة الأمازيغية في المغرب، ليتم دمجهم في المجتمع العربي إجباريًا، بإجبارهم على تعلم وتحدث العربية، وإجبارهم على كونهم من العرب، وهم ليسوا كذلك.
“يمكننا اعتبار مشكلة الأمازيغ بصراحة الهنود الحمر في أمريكا”، قالتها إحدى أستاذة علوم الإنسان سوزان شافير دافيش، والتي قضت ما يقرب الثلاثين عامًا في دراسات في المغرب، حيث تتابع في التقرير الذي وردت فيه هذه الكلمات، بأنه يتم تهميش الأمازيغ في مناطق معزولة حضاريًا وثقافيًا وسياسيًا عن المجتمع المغربي، بل ويتم عزلهم لغويًا إن صح التعبير، حيث لا يعترف باللغة في كثير من المصالح الحكومية في المغرب رغم أن 27% من سكان المغرب يتحدثون الأمازيغية كلغة أم أفضل من اللغة العربية، إلا أن السلطات مازلت مستمرة على استخدام العربية والفرنسية كلغتين رسميتين للدولة، واعتبار “الدارجة” المغربية اللغة العامية على المستوى المجتمعي المحلي.
بدأت الجهات المعنية بالتصالح قليلًا مع فكرة امتزاج الثقافة الأمازيغية بالثقافة العربية، فاعترف ببعض منهم كوزراء في الحكومة، واعترف في الدستور الجديد لعام 2011 باللغة الأمازيغية كلغة مكتوبة ومنطوقة، ليتم وعدهم بأنه سيتم تدريسها في المدارس كما تُدرس اللغة العربية، إلا أنه ما حدث أن ظل ما كان وعدًا في طي نسيان الحكومة، وما زال الأمازيغ يعانون من تهميش على المستوى الاجتماعي بالنسبة للخدمات الاجتماعية المتوفرة إليهم، أو بعزلهم حضاريًا أو ثقافيًا.
فتيات أمازيغيات يحملن العلم الخاص بالأمازيغ
يخوض المغرب انتخابات برلمانية اليوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يحظى فيها 22 مليون مواطن بحق التصويت، إلا أنه لن يقوم بالتصويت الفعلي من هذه النسبة إلا 13 مليون شخص، وهو ما يوافق عليه أغلب المغاربة من مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث لا يهتم عامة الشعب عادة بالانتخابات، وبخاصة الشباب منهم، حيث لم يزد معدل المشاركة الانتخابية إلا بعد أحداث الربيع العربي في المنطقة، ولم تشهد بالفعل حضورًا شبابيًا في ساحات الانتخاب إلا في العام الماضي.
شهد المغرب دستورًا جديدًا كذلك في عام 2011، رحبت به المحافل الدولية باعتباره دليلًا على التقدم الديموقراطي في البلاد بعد انتفاضة المغرب العربي القصيرة، حيث اتبع فيه الملك محمد السادس منهجية تعتمد على ترؤس الوزراء مع حل البرلمان، كما اعتمد في الدستور على مزيد من الحفاظ على اللغة الأمازيغية، التي خاضت نضالًا واسعًا مع السلطات الرسمية في المغرب للاعتراف بها كلغة تُكتب وتُدرس في المدارس الحكومية كما تُدرس اللغة العربية.
ما هو موقف الأمازيغ من الانتخابات المغربية؟
أكد الرئيس المؤسس لـ “الحزب الديمقراطي الأمازيغي” أحمد الدغرني في هذا التقرير، أن نتائج الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها اليوم الجمعة في المغرب، لن تخرج عن المجالات الأربعة التي تتحكم فيها وهي الدين والمال واستغلال النفوذ والسماسرة، حيث يرى أن العامل الأساسي الأول المتحكم في الانتخابات هو الدين، لكنه لفت الانتباه إلى أن القوى المتحكمة في الدين متداخلة، وهي إمارة المؤمنين أولاً ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ثانيًا ثم يأتي بعد ذلك دور الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية أي “العدالة والتنمية”.
كما أضاف عن دور الأمازيغ في الانتخابات قائلًا بأنه تم منعهم من تأسيس حزب أمازيغي، والآن نعيد المحاولة من جديد، والحقيقة أنه داخل القوى الأربعة المتحكمة في المشهد الانتخابي الحالي، يصعب وجود تنظيم اجتماعي جديد، ليضيف بأنهم قوة أخرى ما زالت لم تستعمل بعد، لكن يمكنها أن تلعب دورها بعد انفجار الصراع بين هذه القوى الأربعة التي تتحكم في المشهد الحالي، لأن أسس العلاقة بينها ليست ثابتة.
شعار حركة تاوادا ن أمازيغن
على الجانب الآخر، كانت هناك أصواتًا معارضة لمشاركة الأمازيغ أنفسهم في الانتخابات، حيث أصدرت حركة تاوادا ن أمازيغن بيانًا تدعو فيه إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية، حيث تقول الحركة في بيانها إنها لن تشارك في الانتخابات ما دام السياق السياسي والقانوني الذي تنظم فيه هذه اللعبة يؤطره دستور ممنوح غير ديمقراطي شكلًا ومضمونًا وغير متعاقد عليه شعبيًا، كما أضافت أن ما يعرفه العمل السياسي الحزبي اليوم بالمغرب من خبث وبؤس وتمييع وعبثية وشعبوية وصراع الأحزاب والأشخاص من أجل مصالحها لا من أجل مصلحة الشعب يدفع بالأمازيغ لعدم المشاركة في هذه الانتخابات.
أما على مستوى القضية الأمازيغية تسجل حركة تاوادا ن أمازيغن غياب الإرادة السياسية الحقيقية من قبل السياسة المغربية للنهوض بالأمازيغية على المستوى الثقافي والحضاري وحتى اللغوي، وذلك من خلال الاحتواء وتكميم الأفواه وإفراغ الحقوق الأمازيغية ومطالب القضية من مضامينها الحقيقية باعتماد سياسة التجزيء والتشويه والتقييد تارة، والإقصاء السياسي والقمع والاعتقال والاغتيال السياسي تارة أخرى، واستمرار اعتقال مناضلي القضية الأمازيغية والتضييق على العمل الاحتجاجي الأمازيغي.
على الرغم من نسب المشاركة المنخفضة في الانتخابات في المغرب، إلا أن هذا لا يمنع أن التركيبة المجتمعية المتنوعة للمجتمع المغربي من الممكن أن يكون لها دور فعال في التأثير والتغيير في توازن الأمور أثناء العملية الانتخابية، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل نتيجة لعدم اهتمام شريحة كبيرة من الشباب بالعمل السياسي إلا في الفترة الأخيرة بعد أحداث الربيع العربي، إلا أنه ليس بالبعيد أن يكون للطوائف والأعراق المهمشة في المجتمع المغربي دور مفاجئ هذه المرة.