ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
هيمنت عبارات “هيمنة الدولة العميقة ” (أو المخزن) و”التسلط ” و التحكم” على خطابات الساحة السياسية في المغرب تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وفي الأسابيع الأخيرة أصر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على استخدام هذه العبارات مرارا وتكرارا. وقد شغل بنكيران منصب رئيس الحكومة لخمس سنوات، وهو يحاول الآن تقديم نفسه كطرف مضاد للنظام.
كما أكد نبيل بن عبد الله حليفه السياسي ووزير الإسكان والسكرتير العام للحزب الشيوعي السابق دعم حزبه لحزب العدالة والتنمية على الرغم من غضب الديوان الملكي الذي أصدر بيانا في هذا الغرض. وفي وقت لاحق، جاء رد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات ساخطا في الفيسبوك قائلا إنه يأسف لعدم استشارته من قبل وزارة الداخلية بشأن الاستعداد للانتخابات.
تعكس هذه السلسلة من الوقائع صعوبة التعامل مع صناع القرار الحقيقيين. وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات ليست إلا مواجهة بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية. لكن هذه المواجهة ساهمت في تسليط الضوء على قضية أكثر جوهرية والتي تتمثل في استقلال الجهات الفاعلة عن الدولة ودواليبها. وهي قضية يفرضها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة، هذا بالاضافة إلى قضايا أخرى مثل تعارض الحزبين مع الإيديولوجيات التي تم التخلي عنها في الإنتخابات التي جدت قبل خمس سنوات والتي لم تلق رواجا كبيرا من قبل الشباب عام 2011 لمعارضتهم للنظام الملكي.
فسياسة التسلط كما فسرها عبد العزيز النويضي، الأستاذ السابق في القانون الدستوري والعلوم السياسية “هي القوة الحقيقية والسلطة المركزية التي من شأنها أن تسيطر على السياسة والموارد الاقتصادية… لذلك فإن كل الوسائل متاحة”
وأشار النويضي إلى أنه يتم التحكم في كل الأحزاب السياسية في المغرب، مع استثناء اثنين فقط من القوى السياسية ذات المصداقية وتلك التي فازت بانتخابات سنة 2011. ووفقا لما صرح به فإن حزب العدالة والتنمية، وحزب اتحاد اليسار الديمقراطي وحزب اليسار بما فيه الحزب الاشتراكي الموحد الذي تترأسه نبيلة منيب والتي دعمت احتجاجات سنة 2011 يمثل أملا حقيقيا بين نشطاء وأنصار اليسار.
وفي مواجهة هذه العقبات، هل سيعاد تعيين حزب العدالة والتنمية لتضييق خناق سياسة التسلط على الحياة السياسية المغربية؟ إذ لا يوجد أي مجال للشك في أن بنكيران قد بدأ بتطبيق إجراءات لا تتوافق مع الحكومة المركزية لأنه لا يملك صلاحيات أو حلفاء أقوياء حسب ما قاله بنكيران. وهو ما يلخص المعادلة السياسية من جانب رئيس الحكومة منذ فوز حزبه في عام 2011. وأضاف بنكيران الحديث عن ضعف معارضي الحكومة مشيرا إلى التنازلات السياسية والإجتماعية التي قدمها. مبينا تخليه عن صلاحياته الدستورية وتطبيقه لتدابير جذرية من شأنها الحفاظ على إستمرارية المالية العامة ومستقبل المعاشات التقاعدية. مشيرا إلى مكافحة الفساد الذي ظل متجذرا في النظام السياسي نفسه.
ولكن حسب هذا التقييم هل يتمكن حزب العدالة والتنمية من أن يكون معارضا للدولة العميقة؟ وقد أجاب العديد من النقاد عن هذا السؤال، لأنه حسب وجهة نظرهم، فإن بنكيران أصبح معارضا للدولة العميقة خلال السنوات الخمس الماضية. لكن محمد بعليش على شبيل المثال يعارض مثل هذه الآراء متسائلا عن سبب عدم سعي بنكيران لإحداث أي تغيير وعن عدم سعيه للتصدي “للشياطين والتماسيح”.
ونقلا عن أحمد عصيد، الناشط في مجال حقوق الإنسان والمتحدث باسم حزب العدالة والتنمية فإنه يجب تجنب النقاش حول “التحكم”. خاصة وأن بنكيران قضى 5 سنوات في الحكم، لذلك فهو لا يحق له التحدث عن التحكم. كما قال أحمد عصيد إن “الاسلاميين، مثلا، يعارضون الحكومة والحكم المطلق، لذلك عادة ما يتحدثون عن التحكم كإشارة للنظام الملكي وللمحيطين به. وتلك تعتبر طريقة للتعبير عن رفض طريقة الحكم بدون الدخول في صراع مباشر مع الملك. فمثل هذه الصراعات ليست من اهتمامات الاسلاميين… ونحن نعاني الآن من نظام استبدادي، نظام يتحكم في كل السلطات و لا يفرض هذا النظام أي فصل بين هذه السلطات. وبالنسبة لنا، هذا هو التحكم. الفرق بيننا وبين الاسلاميين هو أن هؤلاء يريدون هدم هذا النظام وإرساء نظام تحكم جديد باسم الدين، أن تحكم مقدس. أما نحن، الديمقراطيون، فلا نريد تعويد تحكم بتحكم آخر”
بداية تمرد حزب العدالة والتمية ليست إلا دليلا على أنه ليس أفضل من بقية صانعي القرار، رغم كل التنازلات التي قدمها الحزب. ومع مرور الأيام، فإن الحملة الانتخابية قد يبدو شبيهة باستفتاء يطمح حزب العدالة والتنمية من خلاله أو يعرف ما إذا كان الشعب يريده في الساحة السياسية أم لا. وقد تكون أيضا فرصة لقائد الحزب في أن يظهر أنه ضحية “للنظام”
وبالنسبة لكثير من معارضي حزب العدالة والتنمية، الذين يعارضون على وجه الخصوص أسلمة المجتمع؛ فإنهم سيصوتون لصالح حزب الأصالة والمعاصرة، أو حزب إتحاد اليسار الديمقراطي، الذي يتعارض مبدأهما تماما مع مبادئ حزب العدالة والتنمية.
أما بالنسبة للمثقفين ذوي التوجه اليساري والنشطاء، فسيقومون بمحاولات لإضعاف الدولة وسيصوتون لصالح منافسي حزب الأصالة والمعاصرة، أي حزب العدالة والتنمية. وجدير بالذكر أنه مع اقتراب الإنتخابات، تحدثت شخصيات يسارية معادية للأفكار التي يدافع عنها حزب العدالة والتنمية، عن معارضتها لسياسة التحكم.
إلا أنه من الغريب أن نرى نفس هذه الشخصيات، تعبر على إهتمامها بفوز حزب العدالة والتنمية. لكن، من الواضح أنه بالنسبة لهم، يعتبر نصر برنامج حزب العدالة والتنمية فشلا واضحا للمسار الديمقراطي. ويتمثل الجانب المهم بالنسبة لهم في أن ميزانية وأيديولوجية حزب العدالة والتنمية، سوف تصبح بالنسبة لهم سببا للكفاح ضد الدولة.
وفي هذا الإطار، يرى الصحفي عماد ستيتو أن هذه الانتخابات تتجاوز الإنقسامات الإيديولوجية. ويقول الصحفي: “لدينا حكومة لا تحكم، وبالتأكيد، دستور ديمقراطي، وما يتحتم علينا القيام به في هذه المرحلة الأولى من الإنتخابات، هو ضمان تشكيل حكومة“.
ويواصل قائلا: “كما أن حزبا ملكيا مثل حزب العدالة والتنمية، الذي قدم الكثير من التنازلات للنظام، أصبح لا يحظى بكثير من الترحيب داخل القصر الملكي. والسؤال الذي يطرح هنا هو كيف ستكون ردة فعلهم وطريقة تعاملهم مع إتحاد اليسار الديمقراطي، في حال أصبح لهم وزنا إنتخابيا هاما.
ومن الواضح أن جزءا من الشعب في المغرب، أصبح متعبا من “التلاعب السياسي” خاصة تلك الحركات المعارضة لحزب العدالة والتنمية. كما أن احتجاجات يوم الأحد 18 أيلول/ سبتمبر، “المدبرة” ضد حزب العدالة والتنمية في الدار البيضاء، أثارت سخطا شديدا في جزء فقط من الصحافة وشبكات التواصل الإجتماعي، والتي استنكرت بدورها التلاعب المقصود لتشويه سمعة الحزب.
وفي الوقت الذي أصبحت أصابع الإتهام توجه فيه لحزب الأصالة والمعاصرة، والإشتباه في وقوفه وراء هذه العملية المدبرة، اتهم أمينها العام إلياس العمري، حزب العدالة والتنمية و”جزءا من الدولة” بالوقوف وراءالحدث.
وفي المقابل، نظم حزب العدالة والتنمية يوم الأحد 25 أيلول/ سبتمبر، إجتماعا هاما في الرباط حضره أكثر من 10 آلاف شخص، وهي حركة تبين أن تلك الإحتجاجات كاذبة وأن الحزب قادر على حشد عدد كبير من الموالين.
ولجذب أنصار في معركته الجديدة، حاول حزب العدالة والتنمية الحصول على دعم من شخصيات مختلفة بعيدا عن أيديولوجياته، بما في ذلك اليسار المتمرد. وهي تعتبر مبادرة متماسكة بالنسبة للبعض. وفي هذا السياق عدم وضوح الخطوط الأيديولوجية هو أمر شائع. ومن بين هؤلاء، عبد العزيز النويضي وحسن طارق عن حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالإضافة إلى نجيب شوقي الناشط في حركة شباب 20 شباط/فبراير الذين رفضوا العرض.
وبعد تعاطف الناشطين مع اليساريين، سيكون التصويت لحزب العدالة والتنمية في القائمة الوطنية، أما حزب إتحاد اليسار الديمقراطي سيكون في القائمة المحلية. وقد أضافت الحقوقية المغربية كريمة نادر أنها مقتنعة تماما أن اتحاد اليسار الديمقراطي ليس قادرا على تطوير المشروع السياسي بشكل أفضل بقدر حزب العدالة والتنمية الذي يمثل خصما وليس عدوا.
وأفاد محمد الإدريسي، المؤيد السابق لحزب العدالة والتنمية، أن الهدف الرئيسي هو قطع الطريق على الفاسدين والأطراف التي ليست لها مصداقية. مبينا أن تصويته لصالح الحزب يمثل حافزا كبيرا ضد الإستبداد مع قناعته أنه الحزب الأكثر ملاءمة.
لكن اليسار لا يزال مغلقا إلى حد كبير في الإنفتاح على حزب العدالة والتنمية. ومثل الكثيرين، نذكر محمد بولايش الذي يعارض بشدة هذا النهج. ويقول “يبدو أنه ليس هناك مبادئ أصلاً؛ وخاصة المبادئ التي ينظر إليها كأنها السلفية المتشددة. هذا هو كل شيء فاليسار المنفتح يقبل دائماً التفاوض والنقاش لكن من هم اليساريون؟ وفي الوقت نفسه، تعتبر جماعة العدل والإحسان المنظمة الإسلامية الأكثر نفوذا في البلاد، رغم أنه غير معترف بها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجماعة كانت قد شاركت في مظاهرات حركة شباب 20 فبراير/شباط.
إذا كنا نحول خطوط هذه الانتخابات، فلن يتم النقاش حول التحكم بوضوح كما أنه ليس حكرا على حزب العدالة والتنمية. أما اتحاد اليسار الديمقراطي فهو الحزب السياسي الوحيد الذي يتحدث عن الإنتخابات منذ فترة طويلة ويتناول بوضوح هذه القضية الشائكة من خلال الدعوة إلى ملكية برلمانية حقيقية. وأوضح عصيد، الذي وقع جنبا إلى جنب مع مئات من المثقفين وأعضاء المجتمع المدني حقيقة الدعوة لنبيلة منيب، الأمين العام للحزب الإجتماعي المتحد، واحد من ثلاثة أحزاب في إتحاد اليسار الديمقراطي يرفض الإختيار بين المخزن والإسلاميين. ويدعي أن حزب اليسار الديمقراطي هو الخيار الوحيد في السياسة لمكافحة الإستبداد، مضيفاً أنه ليس بإمكانهم الإختيار بين الطاعون والكوليرا.
المصدر: ميديا بار