لساها ثورة.. جبنا آخرنا.. الغلابة هتكسر العصابة.. ثورة ثورة ع الفساد.. نازل ومش متنازل… بهذه الشعارات أستهل الداعون لتظاهرات 11/11 المسماه إعلاميا بـ”ثورة الغلابة” دعوتهم لجموع الشعب المصري للنزول والإحتشاد في شتى ميادين وشوارع مصر، تنديدا بما وصل إليه الوضع من سوء وتدني.
تلك الدعوات التي ألهبت الشارع السياسي بعد برودة دامت شهورا، وأيقظته بعد سبات طويل، ألقت بظلالها على المشهد الإعلامي والمجتمعي والأمني بصورة كبيرة، مابين مؤيد وداعم لها، ومقلل من شأنها وأنها لن تختلف كثيرا عما سبقها من دعوات، فضلا عن لغة التخوين التي باتت اللغة الأبرز حضورا في المشهد المصري في الأونة الأخيرة، حيث مساعي التيارات الإسلامية لإستعادة سيطرتها مرة اخرى، والمؤامرة الصهيوأمريكية في الزج بمصر في آتون التخريب والتدمير مرة أخرى.
“نون بوست” في هذه الإطلالة السريعة تسعى إلى الإجابة عن هذا السؤال: هل تمثل هذه الإنتفاضة تحريكا لمياه الثورة الراكدة بالفعل أم أنها ليست سوى دعوات للشو الإعلامي الموسمي الذي يظهر مابين الحين والأخر من باب الحضور المخطط له من بعض التيارات المتواجدة على الساحة الآن؟
11/11
حركة غلابة.. حركة إلكترونية جديدة تنضم إلى قائمة الكيانات المناهضة لنظام السيسي على الساحة الساحة السياسية، استطاعت في الأونة الأخيرة أن تفرض نفسها على المشهد العام من خلال عدد من البيانات الإلكترونية المنددة بتدني المستوى المعيشي وغياب العدالة الإجتماعية، وهو مادفعها إلى الدعوة للنزول والمشاركة فيما أطلقت عليه” ثورة الغلابة”.
المتحدث الرسمي للحركة ياسر العمدة وجه دعوة رسمية على الموقع الرسمي للحركة على موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك” جاء فيها: قبيل ايام من ثورة الغلابه التي دعت اليها حركة غلابة في ١١/١١ القام .. تتوجه حركة غلابة بدعوة جميع الفصائل والكيانات والاحزاب السياسيه والرموز الوطنيه .. الي اعلان موقفهم الواضح والقاطع امام الشعب المصري كله من مشاركتهم في ثورة الغلابة في ١١/١١ من عدمه . ونؤكد علي الجميع انه قد جاء الوقت لتجنيب اي خلاف وتوحيد الصف وحسم موقفهم تجاه ثورة الغلابة التي اعلنت هدفها وهو اسقاط النظام الفاسد ومحاسبة كل من اجرم في حق مصر وشعبها .علي ان لا نترك شوارع مصر وميادينها الا بعد نجاح الثورة وتحقيق اهدافها كاملة”
وفي السياق نفسه نشرت الحركة ما أسمته “قسما” لكل من يشارك في فعاليات 11/11 يتعهد فيه بمواصلة العمل الثوري من أجل القصاص والقضاء على الفساد، وجاء نصه كالتالي: يا احرار مصر رددوا هذا القسم ليكون عهدا علينا جميعا..اقسم بالله العظيم ان اخرج في ١١/١١ او في الموعد الذي ستعلنه حركة غلابة للنزول بشوارع مصر كلها للقضاء علي عصابه النظام الفاسد والقصاص من كل من قتل المصريين وباع ارض مصر وخانها وذل شعبها .. والا اعود الي بيتي الا بعد اسقاط هذا النظام الفاسد وتحرير مصر وشعبها..والله على ما نقول شهيد”.
ولم يفصح أي من الداعين لهذه التظاهرات عن سبب إختيار هذا اليوم بالذات للنزول، فقد أعتدنا على دعوات 30/6و 3/7و 14/8و 25يناير لإرتباطها بأحداث ومجازر معروفة، أما 11/11 فلا ندري لإختياره سسبا إلا أللهم إن كان لوقعه السجعي أثرا في نفوس الداعين ما يسهل إنتشاره وتسويقه، كما أن الجهات المتبنية لهذه الدعوات لم تفصح عن نفسها بشكل رسمي إلا من خلال بيانات تأييد لها على العموم في المطلق، وفي مقدمتها تحالف دعم الشرعية، وحركة ضنك، والإشتراكيين الثوريين، وحركة 6 أبريل.
شعارات التظاهر عبر الورقات النقدية كحيلة جديدة للإنتشار
مابين القبول والرفض
حالة من الجدل مابين القبول والرفض فور الإعلان عن هذه الدعوات، مابين متحمس للمشاركة، ومتخوف منها، ومقلل من تأثيرها، لاسيما بعد إنتشار الدعوات لها من خلال كتابة شعاراتها على النقود المتداولة بين المواطنين، أو من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، حيث قال وائل عبد العزيز – عضو بالحركة – إن 11/11 ثورة الغلابة لغياب العدالة وتفشي الظلم وانحصار فرص العمل في المقربين فقط للنظام، مشيرا الي فشل النظام الحاكم في تلبية حاجات الجماهير في التغيير وتحقيق مطالب الثورة من العيش –الحرية والعدالة الاجتماعية أبرز أسباب الدعوة للتظاهر
بينما يقول وليد محمود (مهندس) : ان شاء الله هاننزل ليس لأجل سلطة كما يروج الفاسدين ولا تخوين لاى أحد .. هاننزل لأن السيسى بيحكمنا على طريقه مبارك والإخوان .. أهل الثقه والعشيره وليس الكفاءات.. وعدم وجود برنامج واضح لبناء دولتنا وكأن السيسى بيقول يبقى وضع مصر على ماهى عليه غرقانه فى الفساد ولا تعليم محترم ولا نظام صحى محترم ولا ولا.. ولا كأننا قمنا بثورتين ….هاننزل لان النظام بيحاول قتل حلمنا أن نعيش فى بلد محترم يحترم حقوق مواطنيه.
فيما يؤكد زياد محمود مشاركته بقوله : نعم ساشارك ولكن مشاركتي لاعتراض علي ما قد توصلنا اليه
وفي المقابل يقول احمد النوري :عمر الثورة ما كان ليها ميعاد وأن 11/11 ثورة مصطنعة ومش هيحصل فيها حاجة، فيما يتساءل رافت نبيه(طبيب): لو على الخروج بسيط وله ألف مبرر لكن وماذا بعد الخروج.؟ هل يوجد بديل للوضع الحالى؟ ام نترك الساحه للتيارات الأخرى كما حدث في السابق؟
فيما سخر احمد فوزي (مندوب مبيعات)بتعليقه: مفيش ثورة تاني ..ثورة تاني يعني مليونيات الحشد والحشد المضاد، ولن نستقر وستدور الحلقة، بينما أشار احمد النوري :عمر الثورة ما كان ليها ميعاد وان 11/11 ثورة مصطنعة ومش هيحصل فيها حاجة –علي حد تعبيره – رغم تاكيده علي صلاح الحاكم حتي تستقر الامور
وتختتم الكاتبة الصحفية مني عبد الحميد بقولها : كالعادة نتاجر بالغلابه، الغلابة لا تثور، الغلابة يكتموا غيظهم في صدورهم إلى أن يموتوا، إما جوعا، أو غرقى في البحار، أو قهرا تحت نعال الداخلية أو في سجونها، نتمنى ألا نقع في أخطاء غيرنا، وأن نفكر جيدا قبل مثل هذه الدعوات.
النظام يتوعد
قوبلت هذه الدعوات بردة فعل عنيفة من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وحكومته، وهو ما تجسد في خطاب التهديد المستخدم خلال كلمته التي ألقاها بالأسكندرية مؤخرا، حيث أشار إلى أن سقوط الدولة المصري يعني أنها باتت غير صالحة لا للنظام الحالي ولا لأي نظام آخر.
كما وجه السيسي رسالة تهديد لكل من يفكر في النزول للشارع مرة اخرى بهدف التظاهر أو إسقاط النظام، مؤكدا أن الجيش قادر على السيطرة في أقرب وقت، قائلا: فيه دولة وفيه قوات مسلحة، وفيه وزارة الدخلية ولن يستطيع أحد أن يمس الدولة المصرية، وأنا مش بخوف حد، بس هناك تخطيط إن الجيش يفرد في مصر خلال 6 ساعات، لحماية الدولة.. ماحدش يفتكر إننا هنسيبها تضيع مننا ونضيع الناس معانا، أنا مسؤول أمام الله وأمامكم والتاريخ لآخر لحظة.
الخبراء والمحللون أشاروا إلى أن لغة الخطاب التهديدي التي استخدمها السيسي في كلمته تشير إلى حجم القلق والتوتر الذي يعاني منه النظام الحالي جرّاء تراجع شعبيته وزيادة رقعة الجماهير الساخطة لاسيما بعدما وصلت الأمور إلى هذا التدني غير المتوقع او المسبوق، وهو مادفع بعض وسائل الإعلام إلى توجيه النقد المباشر للسيسي وسياساته بعدما كانت هذه المنطقة في السابق “خط أحمر” لا يمكن الإقتراب منه.
السيسي يتوعد المتظاهرين
ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
من الواضح أن دعوات المشاركة في إنتفاضة الغلابة والمقرر لها 11 نوفمبر القادم، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها عشرات الدعوات مابين الحين والأخر، سواء كانت بمناسبة أو دون مناسبة، إلى الحد الذي فقدت فيه مصداقيتها لدى الشعب، وباتت السخرية واللامبالاة هي رد الفعل الأكثر حضورا حيال مثل هذه الدعوات.
منذ الإطاحة بنظام محمد مرسي في 3يوليو 2013 والشارع السياسي المعارض يتعامل مع هذه الدعوات على أنها الخلاص والمنقذ من النظام القائم، وباتت شعارات ” الإنقلاب يترنح” و” النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة” وما إلى غير ذلك من الشعارات وقودا أشعل الثائرين ودفعهم نحو المشاركة بصورة عشوائية دفع بسببها الاف الشباب أرواحهم فضلا عن عشرات الألاف قابعين داخل السجون والمعتقلات.
غياب التنسيق بين فصائل المعارضة، ومحاولة الإنفراد بالمشهد، وتخوين كل فصيل للأخر، والإفتقاد للرؤية المستقبلية الثورية السليمة، وعدم الإستفادة من تجارب الماضي، جعلت من هذه الدعوات حديث سخرية من قبل الجميع ممن فقدوا الثقة في قياداتهم فضلا عن الشعب الذي دفع الدماء والأرواح والأموال جراء دعوات تفتقد للتخطيط غير محسوبة العواقب.
الشباب الثوري وحده من يدفع ثمن هذه الدعوات العشوائية، هذا الشباب المتعطش للقصاص والعدالة الإجتماعية والمنتفض لتحقيق اهداف ثورة يناير المجيدة، هذا الشباب الذي قدم حياته تحقيقا لحلم الثورة والتغيير ثم مالبس أن دفع الدم والعرض والمال ثمنا للدفاع عن هذا الحلم الذي سٌلب منه بسبب سواء الإدارة أو القيادة غير الحكيمة للمشهد العام حينها.
انتفاضة الغلابة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
الشارع أم الحضور المزيف؟
العديد من الأسئلة فرضت نفسها عقب الإعلان عن هذه الدعوات، أولها ما إذا كان مصدر هذه التحركات الشارع بالفعل، فهل هي ثورة شارع أم ثورة نخب وقيادات وتنظيمات؟، السؤال الثاني: هل حققت هذه الدعوات التنسيق الكامل بين فصائل المعارضة أم أنها قرار إنفرادي لحركة وليدة وفقط؟، السؤال الثالث: ماهي آليات القيام بهذه التظاهرات والخريطة الزمانية والمكانية لها، وهل هناك سيناريوهات متوقعة للتعامل مع رد فعل الدولة معها؟
أولا: لابد وأن نشير إلى أن الشارع وإن كان يغلي من إرتفاع الأسعار، وتدني مستوى الخدمات، وغياب العدالة الإجتماعية، ومعاناته من الظلم والفساد وغياب الحريات، إلا أن التحرك الثوري بالنسبة له لم تصل بعد للتأهيل الذي يقوده للنزول والمشاركة في هذا المضمار الذي عانى منه طيلة السنوات الماضية، فقط خلالها الثقة في كل التيارات الموجودة على الساحة، ومن ثم يمكن القول أن هذه الدعوات التي دعت لها القوى الإسلامية وتبناها تحالف دعم الشرعية فضلا عن الحركات اليسارية الثورية، لاتخرج كونها دعوات نخب – كالعادة – تهدف إلى الحضور السياسي والثوري في الشارع دون النظر إلى الضريبة التي من الممكن أن يتحملها المشاركون.
ثانيا: معروف للجميع أن هناك فجوة واسعة الأن بين فصائل المعارضة، وباتت لغة التخوين هي الأكثر استخداما فيما بينها، وهو مايجسده الفشل في الوصول إلى صيغة مشتركة بين هذه الفصائل نحو التوحد، فضلا عن الإنقسامات البينية داخل كل فصيل على حده، وهو مايجعل مثل هذه الدعوات في هذا الظرف “فردية” تفتقد للشمولية والتنسيق، مايفقدها قوتها ويحولها إلى استعراض من باب التمثيل الثوري المشرف ليس أكثر.
ثالثا: إفتقاد هذه الدعوات للتنظيم والتخطيط الجيد ووضع آليه زمانية ومكانية للتحركات يفقدها قيمتها منذ البداية، فكيف يتحرك المتظاهرون؟ وماهي أماكن التجمع؟ وهل هناك قيادة حقيقية لهم أم أن الأمر يسير وفق الهوى؟ وهل ستكون المشاركة سلمية أم مسلحة؟ وكيف سيكون التحرك ورد الفعل حال هجوم قوات الأمن على المتظاهرين؟ هل سيكون الإنسحاب خيار أو المواجهة حتى الموت؟.. كل هذه أسئلة لم يجب عنها بين ثنايا دعوات التظاهر مايجهضها من مضمونها قبل بدايتها.
الشباب وحدهم من يدفعون ثمن التظاهرات العشوائية
وفي المجمل.. يمكن القول أن التظاهر بهدف المشاركة والحضور دون التنسيق والإعداد الجيد يعد إنتحارا وسذاجة سياسية لايمكن غفرانها مستقبلا، ثم أليس ما أُهدر من أرواح ودماء طيلة السنوات الماضية كافيًا في ظل السلمية المنشودة في مواجهة رصاص الأمن؟ أليس من الأفضل أن تتوحد فصائل المعارضة أولا على مبادئ مشتركة، يعقبها وضع استراتيجية محددة للتنفيذ، ثم خارطة واضحة المعالم حول سيناريوهات مابعد الثورة؟.. ثم السؤال الأصعب والأكثر حرجا: أليس من الأفضل للإسلاميين وبقية فصائل المعارضة أن تعيد بناء جسور الثقة بينها وبين شبابها من جديد بعدما هدمته سياسات وقرارات القيادات الخاطئة طيلة الفترة الماضية والتي دفع ثمنها الشباب الثائر؟.. لابد من الإجابة أولا عن الأسئلة السابقة قبل تجديد موسم التظاهرات، حتى لا تتحول هذه الدعوات إلى رقم جديد في قائمة التظاهرات السابقة التي ماجني منها الثوار إلا حصد جديد للأرواح وإهدار للدماء وزيادة في منسوب الإحباط لدى المعارضين.