هبط احتياطي النقد الأجنبي في مملكة البحرين من 6.06 مليار دولار حسب بيانات عام 2014 إلى 2.78 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي بما فيها الذهب المكنوز لدى البنك المركزي، و3.39 مليار دولار في نهاية العام 2015 ويعود هذا الانخفاض للسحوبات المالية التي قامت بها الحكومة طوال السنتين الماضيتين لسد عجز الميزانية التي تأثرت كغيرها من دول الخليج جراء اعتمادها على إيرادات النفط بنحو 85%.
وبسبب انخفاض أسعار النفط بشكل كبيرمنذ منتصف العام 2014 وقعت الميزانية البحريينية في شراك الاعتماد على المورد الواحد حيث بنت الحكومة ميزانيتها في العام الماضي على أساس سعر تقديري يبلغ نحو 60 دولار للبرميل سوى أن السعر هبط إلى حدود 30 دولار للبرميل. بينما في الواقع تحتاج البحرين إلى سعر 120 دولار للبرميل لإحداث توازن بين المصروفات والإيرادات في الموازنة العامة.
علمًا أن الاحتياطيات المتبقية لم تعد تكفي لتغيطة واردات للبلاد بأقل من 90 يومًا وهذا الحد يعد الحد الأدنى لنطاق الأمان بعدما كانت في العام 2014 تغطي واردات لنحو 3.7 أشهر.
وقد أفادت نشرة السندات الإسلامية أن ميزان المعاملات الجارية الذي يشمل تجارة السلع والخدمات وحركة الاستثمارات سجل عجزًا قُدر بنحو 79 مليون دولار في العام الماضي مقارنة مع فائض قدره 1.52 مليار دولار في العام 2014.
هبوط احتياطي النقد الأجنبي في البحرين من 6.06 مليار دولار عام 2014 إلى 2.78 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي.
وقد زادت الحكومة البحرينية من إصدار السندات السيادية بغرض تمويل عجز الميزانية حيث باعت يوم الثلاثاء الماضي 4 أكتوبر/تشرين الأول سندات إسلامية وأخرى تقليدية لجمع ملياري دولار، ولكن دائمًا ما يطرح تساؤل حول قدرة الحكومة على الإيفاء باستحقاقاتها تجاه المصروفات المختلفة.
المصائب أكبر مما يمكن تصوره
منذ العام 2002 وعلى مدى 12 عامًا اعتمدت دول الخليج ومن بينها البحرين سياسات توسعية في الإنفاق العام وحفزها على ذلك أكثر الطفرة النفطية الثالثة التي أدت إلى زيادة مطردة في عائدات النفط التي تم ضخها في الموازنات العامة لكل دول الخليج من 91.1 مليار دولار في العام 2002 إلى 627 مليار دولار في العام 2012 بحسب تقرير الثابت والمتحول في الخليج الصادر العام الماضي 2015، وزادت معها النفقات العامة أكثر من أربعة أضعاف من حوالي 95 مليار دولار عام 2002 إلى 403 مليارات دولار عام 2013 ونتيجة الطفرة النفطية فقد تراكمت الفوائض المالية في الصناديق السيادية على الرغم من تصاعد النفقات العامة.
المشكلة الرئيسية التي سجلت طوال الأعوام السابقة في الخليج هي ارتباط الإنفاق العام بارتفاع أسعار النفط ومن ثم مواجهة العجوزات المالية في الميزانيات فور هبوط أسعار النفط عن طريق الصناديق السيادية.
وقد بين تقرير الثابت والمتحول أن استمرار هبوط أسعار النفط العالمية إلى دون 40 دولار للبرميل فإن تلك الصناديق السيادية ستتمكن من تغطية النفقات خلال فترة زمنية متباينة لكل دولة خليجية فالكويت ستتمكن من تغطية نفقات 13 سنة والإمارات وقطر 8 سنوات، أما البحرين فلمدة سنة ونصف فقط، وبعدها لن يكون هناك صندوق سيادي ولا احتياطي نقدي، ويعود هذا بسبب إجراءات الحكومة في السحوبات المالية لتغطيز العجز المالي. وهذا الشيء لا يجعل مكانًا للشك أن إمكانية الاعتماد على الفوائض المالية السابقة أمر غير مستدام.
تعتمد البحرين على إيرادات النفط في تمويل 85% من الميزانية
ويقدر التقرير السابق ذكره أن الوضع أكثر تعقيدًا مما يمكن تخيله إذ إن أغلب النفقات في ميزانيات الخليج تتوجه إلى المصروفات الجارية كالأجور التي يصعب تخفيضها بل على العكس عادة ما ترتفع سنويًا ويعتبر تخفيضها سياسة تقشفية تتبعها الدولة قد يعود بآثار سلبية على الاقتصاد والمواطن بالعموم، كما يحدث في السعودية.
ففي البحرين ازداد معدل النفقات في العام 2003 – 2013 بحدود 18% بمعدل وسطي، وسحب هذه النسبة بالحد الأدنى في الأعوام المقبلة حتى العام 2030 سيتضاعف الإنفاق العام بحدود الضعف تقريبًا.
في حين أن سعر التعادل المطلوب لمعادلة الميزانية في البحرين في حال تم الاعتماد المطلق على إيرادات النفط وافتراض بقاء الاستهلاك النفطي ثابت سنويًا فإن سعر التعادل المطلوب لتعادل الميزانية بين المصروفات والإيرادات في البحرين في العام 2020 سيبلغ 178 دولار للبرميل وفي العام 2030 نحو 260 دولار للبرميل، علمًا أن هذه الأسعار تعد عالية جدًا وتفوق أية أسعار تم تسجيلها في السوق النفطية على مدى التاريخ الماضي.
ازداد معدل النفقات في البحرين في العام 2003 – 2013 بحدود 18% بمعدل وسطي
وهذا يشير إلى استحالة تواصل وبقاء الإنفاق العام على هذه الحال دون حصول عجز ضخم في الميزانيات، وبالتالي تمويل ذلك العجز الضخم من خلال اصدار السندات، ولكن في ظل سياسة الحكومة التي تعتمد على السحب من الاحتياطي لتغطية العجز ما هو الضامن على بقاء تلك السندات جذابة للمستثمرين حول العالم ولمنظمات التصنيف الإئتماني!، إذ يتطلب إصدار السندات اقتصاد مرن وقوي ومتنوع وهذا ما لم يظهر طوال العامين الماضيين في البحرين حيث لم تلجأ لتطبيق الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد والتي من المفترض أن تحد من الآثار ولو نسبيًا وتساهم في بناء اقتصاد لا يعتمد بكليته على النفط. لذا فوفق سياسة الحكومة في العامين الماضيين فإن الاقتصاد البحريني لا يمر بأفضل حالاته وينتظره الأسوأ في الأعوام القادمة في حال لم ترتفع أسعار النفط مجددًا.