يقول خبير اقتصادي لقد ابتلى الله هذه الأمة بعلتين: العلة الأولى تمثلت في صناديق سيادية عربية تستثمر في الخارج، بلغت خسائرها في الأزمة المالية العالمية 400 مليار دولار، ولمعرفة مدى الإجحاف يكفي أن نقارن هذه الخسائر بكلفة إنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء أو تقطير وتحلية المياه وهي 2 مليار دولار، عندها ندرك مدى كفاءة إدارة تلك الصناديق.
والصناديق السيادية هي كيانات استثمارية تقدر بتريليونات الدولارات، مهمتها إدارة الثروات والاحتياطات المالية للدول، وتتكون من أصول متنوعة، مثل العقارات والأسهم والسندات وغيرها من الاستثمارات.
أما العلة الثانية تكمن في البنوك التي تجمع أموال الناس ولا يُرى لها أي أثر حقيقي في التنمية وتتسابق البنوك الأجنبية على استحداث فروع لها لا سيما ما يُعرف بالمصارف الإسلامية، والمؤسف أن مآل هذا المال يذهب إلى التنمية في الدول الأجنبية!
لقد صدق الخبير الدكتور الغنيمي فيما ذهب إليه، حيث أصابت العلة الأولى دول مجلس التعاون الخليجي وبددت الكثير من أموالها، أما في العلة الثانية فقد سُرقت أموال العوام من الناس عبر اكتتابات على أسهم شركات وبنوك في دول مثل سوريا ومصر وغيرها.
الصناديق السيادية العالمية والتنمية الاقتصادية
وفي هذا المقام لا يمكن إغفال دور الصناديق السيادية في التنمية، وهو أمر محبذ، إلا أن الإشكالية تتمثل في سوء إدارة هذه الصناديق، حيث تشير التقارير الاقتصادية إلى أن من بين أكبر 10 صناديق سيادية في العالم يوجد 4 صناديق خليجية، و4 صينية، و2 من دول العالم الأخرى المختلفة، حيث بلغت قيمة أصول الصندوق السيادي النرويجي 824.9 مليار دولار، أما قيمة أصول الصندوق السيادي الصيني 746.7 مليار دولار، كما بلغت أصول صندوق الرفاه الوطني الروسي 65.7 مليار دولار، وصندوق إيران الحكومي 62 مليار دولار.
الصناديق السيادية العربية
بلغت قيمة أصول صندوق الاستثمار التابع لحكومة أبوظبي 773 مليار دولار، ومؤسسة النقد العربي السعودي بنحو 632.3 مليار دولار، أما قيمة أصول الهيئة العامة للاستثمار الكويتية قدرت بنحو 592 مليار دولار، وبلغت قيمة موجودات جهاز قطر للاستثمار 256 مليار دولار، وموجودات إمارة دبي في صندوقها السيادي بلغت 183 مليار دولار، ليبيا ورغم المشاكل إلا أن لديها صندوق بلغت قيمة أصوله 66 مليار دولار، أما الصندوق السيادي للجزائر بلغت أصوله 50 مليار دولار.
مؤخرًا عبرت المملكة العربية السعودية عن رغبتها في تأسيس صندوق سيادي بأكثر من 2 تريليون دولار عن طريق بيع جزء من أسهم شركة “أرامكو” البترولية المملوكة للدولة.
تركيا ونادي مجموعة العشرين
تستعد تركيا لإنشاء أول صندوق سيادي في تاريخها لدعم مشاريعها التنموية، وتهدف من خلاله دخول نادي العمالقة، وهي الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي لا تمتلك صندوقًا سياديًا، وقدر وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي قيمة أصول الصندوق السيادي التركي المقترح بـ 200 مليار دولار.
نلاحظ من الإحصاءات أعلاه أن لدى الدول العربية ثروات هائلة، إلا أنه من خلال التحليل الاقتصادي لمقاييس العائد والتكلفة والمخاطرة نجد أن العبرة ليست في كمية الأموال المملوكة بقدر ما تكون في الكفاءة في إدارتها، حيث هناك الكثير من الفضائح الاقتصادية لحقت بإدارات هذه الصناديق.
الصناديق السيادية العربية والفضائح الاقتصادية
نبدأ من فضيحة صندوق ليبيا للاستثمارات، وبحسب المعلومات التي نشرتها “الصن” البريطانية و”ديلي ميل”، فإن مومس روسية تبلغ من العمر 25 عامًا كانت السبب وراء تكبيد الليبيين خسائر أكثر من مليار يورو (1.3 مليار دولار) حيث كانت تلك الفتاة وسيلة لبنك جولدمان ساكس الأمريكي ليقنع المسؤولين عن صندوق الثروة السيادية الليبي أن يبرموا اتفاقات كلفت الشعب الليبي أكثر من مليار يورو مقابل ليلة حمراء، وحصلت الفتاة مقابل تلك الليلة من بنك جولدمان ساكس على مبلغ 425 جنيه إسترليني فقط ، كما دفع جولدمان ساكس 600 دولار وأجرة الفندق وتذكرة طائرة من أجل تحقيق المتعة للمسؤول الليبي الفاسد.
هناك مؤشرات كثيرة على عدم كفاءة إدارات الصناديق السيادية العربية، مثلًا جهاز قطر للاستثمار الذي استثمر في حصة قدرها 17% في فولكسفاجن ومقعدين في مجلسها الإشرافي، إلا أنه بعد فترة وجيزة حدثت فضيحة اختبارات انبعاثات العادم التي تعرضت لها شركة فولكسفاجن الألمانية لصناعة السيارات وجلينكور، حيث خسر نحو 5.8 مليارات دولار بعد هبوط أسهم الشركتين.
وبحسب خبراء تعرضت صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربي إلى هزات عنيفة بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعرضت لها الأسواق العالمية بين عامي 2008 و2009، حيث قدرت خسائر الصناديق السيادية الخليجية بنحو 350 مليار دولار، مما يعني أن الصناديق السيادية العربية تواجه تحديات كبيرة بسبب غياب الشفافية في بياناتها وأنشطتها وطريقة تمويلها وآليات الرقابة ومكافحة الفساد الإداري والمالي.
كما تعاني هذه الصناديق من غياب الرؤية في توزيع استثماراتها، حيث استثمرت ولا زالت تستثمر في الدول الغربية، عبر شراء أندية رياضية أو حصص في شركات دولية غربية بدلًا من استثمارها في البلدان العربية، ربما أجدهم معذورين إذا ما قلنا إن الاستثمار يحتاج لبنية تحتية وسلم وأمان، إلا أنه لا بد من القول أن المال العربي في مهب الريح، لا سيما أن الدول الغربية وأمريكا لن تتوانى في خلق إشكالات مختلفة للسيطرة على هذه الأموال.
الملفت للنظر أن المملكة العربية السعودية قد أعلنت عن عزمها إنشاء صندوق سيادي بقيمة 2 تريليون دولار وكانت تستهدف استثمار أمواله في أمريكا، وهي الفترة ذاتها التي قضت فيها المحكمة العليا الأمريكية بصرف حوالي ملياري دولار من الأصول الإيرانية المجمدة لعائلات ضحايا تفجير السفارة الأمريكية في بيروت 1983 واعتداءات أخرى.
وها هو الكونجرس قد أصدر قانون العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي “جاستا” في خطوة لتوجيه الاتهام للمملكة العربية السعودية بالضلوع مباشرة في اعتداءات الحادي عشر من أيلول 2001.
الكونجرس الأمريكي
المشكلة الأخرى التي تعاني منها الصناديق العربية، تتمثل في استهداف هذه الصناديق لأسهم شركات وصلت قيمة أسهمها حدًا يستحيل بعده أن تتجاوزه، بالتالي لم تكن هذه الأسهم إلا فقاعات وصلت حدها وقرب زمن انفجارها، لتتهاوى الأسهم محققة الصناديق العربية خسائر تقدر بالمليارات.
والحال هذه لن تتمكن الصناديق السيادية العربية من حفظ قيمة أصولها من ناحية، وتعظم أرباحها من ناحية أخرى، طالما استمر فشلها في توقيت استثماراتها وتقدير توقيت انفجار الفقاعات كما حصل في سوق الأسهم قبل الأزمة المالية العالمية 2008 وكذلك الفقاعات التي تشهدها شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ما تحتاجه الصناديق العربية إعادة تطوير هياكلها وفقًا لمعايير الشفافية والحوكمة، ورسم خريطة للاستثمار توازن بين الاستثمار المحلي والدولي وتدرس بشكل أكبر مخاطر الاستثمار في الاقتصادات والشركات الناشئة، فاسثمارات الصناديق العربية في الدول الغربية سلاح ذو حدين، حيث يتمثل الجانب السلبي في مساهمتها في عملية التنمية في الدول الغربية على حساب الدول العربية، أما الجانب الإيجابي (للحكومات) يتمثل في إمكانية ابتزاز حكومات الدول الغربية وتهديدها بين الفينة والأخرى بسحب هذه الاستثمارات عند وقوع صدامات واختلافات سياسية، رغم يقيننا بفشل هذه المحاولة، فأمريكا ستجد ألف سبب لابتلاع هذه الأموال والسطو الممنهج عليها.