الانتخابات الفرنسية على الأبواب، وشعبية أولاند في أدنى مستوياتها، والحزبين المهيمنين “الجمهوريون” و”الحزب الاشتراكي” يبدوان في وضع حرج جدا لضعف قدرتيهما على الخروج من الوضع الراهن، بسبب تداعيات الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الحالية، ما يعني أن البديل الجاهز في الأفق هو “الجبهة الوطنية” المصنفة في خانة اليمين المتطرف، الأمر الذي يثير تخوف الكثيرين، خاصة العرب منهم، لاسيما أن هذا الحزب يميل إلى العنصرية ضد اللاجئين والمغتربين الأجانب في فرنسا.
هيمنة المتطرفون
الموقف الحالي بفرنسا يشبه تماما الموقف قبيل انتخابات 2002 الرئاسية، عندما صعد اليمين المتطرف على حساب الحزب الاشتراكي الذي سقط في الجولة الأولي، فانتقل إلى الجولة الثانية بدلاً من مرشحه، زعيم “الجبهة” اليمينية المتطرفة، جان ماري لوبان، وهو والد رئيستها الحالية، مارين لوبان.
لوبان وفوبيا العرب
تعرف الابنة لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف، بعنصريتها الشديدة ضد العرب والمسلمين، وربما ساعدتها التفجيرات الأخيرة في باريس، والعمليات الإرهابية في دول أوروبا، للترويج لسياستها التي تعرف بالإسلامو فوبيا، وهي وجهة نظر تلقى قبولا كبيرا داخل فرنسا، بعد هجمات ذئاب داعش الأخيرة، وكلها معطيات تمنح فرصة أوفر لليمين بشقيه الجمهوري، والجبهة الوطنية المتطرفة فى الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهو ما تؤكده استطلاعات آراء الفرنسيين.
أولاند خارج المنافسة
بقراءة متأنية للواقع الفرنسي، يمكننا التأكيد على أن استبعاد أولاند الاشتراكي من الترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية المقبلة، بات هو الحل الوحيد لمواجهة غضبة الجماهير من الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الضعيف، وهو ما يزكي موقف لوبان، بالإضافة إلى أن أزمة الانقسام بينه وبين الجمهوريين بزعامة الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي تعني أن فرنسا تسير مجبرة، نحو مشاهد سياسية شبيهة بواقع عدد من الدول الأوروبية، اتجهت ناحية انكسار هيمنة الأحزاب التقليدية على الحياة السياسية، الأمر الذي يفتح الانتخابات الرئاسية المقبلة على كل الاحتمالات خصوصا اليمينيين، وسط رفض شعبي عام لكل من الاشتراكي أولاند والجمهوري ساركوزي.
أزمة أولاند لم تنجم عن الواقع الاقتصادي فقط، لكن عززتها هجوم المعسكر اليميني الشديد عليه، كما شهدت فترة رئاسته احتجاجًا واسعًا على سياسية من أوساط اليسار نفسه، بعد اتخاذ قرارات أكثر ليبرالية في العام قبل الماضي، ثم تغليب الطابع الأمنى بعد اعتداءات باريس الأخيرة، وفي الأشهر الماضية، اضطر للتراجع عن عدد من التعديلات القانونية المهمة، الأمر الذي عكس غموضًا حول سياساته تجاه الشعب الفرنسي.
الإرهاب يضرب اليسار
وعلى الرغم من أن حقبة الرئيس الاشتراكى الحالى فرانسوا أولاند تعد من أكثر الحقب التى شهدت التوقيع على صفقات سلاح، بما يحقق مكاسب مادية هائلة ويعمل على زيادة نسبة تشغيل الأيدى العاملة بفرنسا، إلا أنها أيضا هى الأسوأ فيما يتعلق بملفات الأمن والإرهاب، هذا بالإضافة إلى عجز الاشتراكيين عن إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة منذ حقب رئاسية سالفة، وهو ما يقلص فرصهم فى البقاء بالاليزيه لحقبة ثانية، وتأتى من ضمن هذه المشاكل ازدياد نسبة العجز فى صندوق التأمينات الصحية، وعجز صندوق المعاشات، وارتفاع معدلات جرائم العنف بالبلاد.
ساركوزي يعاني
في المقابل، فإن الحالة السياسية الفرنسية التي أدارت ظهرها لأولاند، لم تتجه صوب ساركوزي الرئيس الجمهوري السابق، حتى أن استطلاعات الرأي حول إمكان فوزه بالرئاسة الفرنسية، جاءت متدنية جدا وتقدم عليه آلان جوبيه، رئيس الوزراء السابق (1995-1997).
الآن يبدو أن المواجهة الأكثر اشتعالا بين الجمهوريين ستكون بين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه، وبحسب استطلاعات الرأي فإن ساركوزي يحظى بتأييد ناشطي حزبه حزب الجمهوريين، في حين أن جوبيه يتمتع بتأييد أكبر خارج الحزب، وهما شخصيتان متناقضتان مصيرهما مترابط منذ 40 عاماً، بالإضافة لعدة مرشحين آخرين يبدون أقل أهمية بينهم نتالي كوشيوسكو موريزيه، ورئيس وزراء سابق آخر هو فرانسوا فيون، أما باقى مرشحى الجمهوريين السبعة فيأتون تباعا من حيث فرص الفوز، وبينهم الوزير ورئيس الحزب السابق جان فرانسوا كوبيه، والوزير السابق بيرنو لومير، وجان فرانسوا بواسون، وسيحتاج الجمهوريين لواحد فقط من بين هؤلاء ليتخطى الانتخابات التمهيدية، للوصول إلى الدورة الثانية، ومواجهة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي حجزت مقعدها من الآن، خصوصا مع تراجع شعبية اليسار إلى مستويات غير مسبوقة، منذ 5 سنوات وخلافاته الداخلية.
في الواقع تبدو فرصة جوبيه أفضل من ساركوزي للانتقال للمرحلة التالية من الانتخابات، فهو يشغل الآن منصب بلدية بوردو، ويمكن أن ينال رضا اليسار في حال الاتفاق على عدم جدوى ترشح أولاند، وعمل سابقا رئيسا للحكومة في عهد جاك شيراك، وكان وزيرا للخارجية في عهد ساركوزي، وهو ما يعني ثقة الجمهوريين به.
مناورات خفيفة
من بعيد يناور أيمانيول ماكرون، الذي يشارك في الحكومة الحالية بمنصب وزير الاقتصاد، وأطلق مؤخرا حزبا جديدا بعنوان “ماضون”، ليس من مصنفًا كيميني أو يساري، بعدما وجد أن العمل فى الحزب الاشتراكى أصبح صعبا للغاية، بسبب الانقسام الحاد بين تيار رئيس الوزراء مانويل فالس وتيار اليسار، وأيضا لأن ماكرون لا يريد أن يكون ضمن تيار فالس، على الرغم من القرب “الليبرالى” بينهما.
فضيحة القذافي تضرب الجمهوريين
وعلى الرغم من ابتعاد انتخابات المرحلة الأولى بمسافة تقارب الشهرين من الآن، دخلت الصحف الفرنسية معمعة السباق الانتخابي وبرزت حملات الأحزاب المتنافسة من خلال استطلاعات للرأي ومقالات وتقارير تصب هنا وهناك، بدأتها صحيفة لوفيغارو العريقة، التي نشرت استطلاعا للرأي حول الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح حزب “الجمهوريين” – يمين الوسط، لخوض سباق الرئاسة في مايو 2017 ، والتي ستجري في نهاية نوفمبر المقبل، وأكدت أنه وفقا لهذا الاستطلاع فإن عمدة بوردو، رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه يعمّق الفجوة بينه وبين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بست نقاط في الدور الأول ليفوز في الدور الثاني، ما يعني أن نية التصويت لصالح ساركوزي في الانتخابات التمهيدية في صفوف اليمين تراجعت بنقطة لتصل إلى 33 بالمئة، فيما جوبيه كسب خمس نقاط لتصل نية التصويت لصالحه إلى 39 في المائة من الأصوات – بحسب الصحيفة -.
معنى استطلاع لو فيجارو أن جوبيه سيفوز في الجولة الثانية بـ59 بالمئة من الأصوات مقابل 41 بالمئة لصالح منافسه الرئيسي نيكولا ساركوزي أي بفارق 18 نقطة بعد أن كان الفارق عشر نقاط، وتصبح فرصة الرئيس السابق مستحيلة، وهو التصور الذي أكدته صحيفة ليبيراسيون اليسارية، التي عنونت صفحتها الرئيسية بمانشيت عريض “رياح عاتية على ساركوزي”، لافتة إلى أن المتاعب تلاحق نيكولا ساركوزي الذي تُبين استطلاعات الرأي ركودا في نوايا التصويت لصالحه، قياسا على عدد من قضايا الفساد التي لاحقته خلال فترته الرئاسية بينها ما يتعلق بحملتيْ الانتخابات الرئاسية في 2007 و2012، بعدما كشفت وثائق لدى مسؤول سابق في نظام الزعيم الليبي معمر القذافي تشير إلى دفع النظام الليبي 6.5 مليون يورو لتمويل حملة نيكولا ساركوزي في 2007.
الاشتراكيون إلى زوال
الحزب الاشتراكي أيضا ليس في أحسن حال، حيث عنونت صحيفة لوباريزيان تقرير هام لها بعنوان “من الصعب أن تكون نائبا إشتراكيا”، مشيرة الى أن الصورة السيئة للحكومة الفرنسية لدى الرأي العام تؤثر أيضا على صورة النواب الاشتراكيين الذين يتخوفون على مستقبلهم السياسي، فهم يلمسون يوميا على الأرض الاستياء الشعبي الواسع من أداء الحكومة الاشتراكية، مضيفة “حتى المقرّبين من أولاند يجدون صعوبة في الدفاع عن حصيلة فترته الرئاسية”.