بعد ماراثون دام طويلاً ما بين منافسة شرسة، ودعوات مقاطعة مكثفة، أسدل المغاربة الستار على الانتخابات البرلمانية الثانية منذ إقرار الدستور الجديد 2011، لتنهي المملكة الاستحقاق الأهم والأخطر في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها دول المنطقة ومن بينها المملكة المغربية.
النتائج الأولية للانتخابات حسبما أعلنها وزير الداخلية المغربي محمد حصاد، أظهرت تصدر حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي بحصوله على 129 مقعدًا، بينما حل حزب الأصالة والمعاصرة ثانيًا بحصوله على 103 مقاعد من أصل 395 مقعدًا هي إجمالي مقاعد البرلمان، وحل حزب الاستقلال المحافظ ثالثًا بـ31 مقعدًا، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار رابعًا بـ 30 مقعدًا، فيما جاءت الحركة الشعبية في المرتبة الخامسة بـ21 مقعدًا، ثم الاتحاد الدستوري في المرتبة السادسة بـ 16 مقعدًا، أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان من الأحزاب الكبرى التي قادت الانتقال الديمقراطي في المغرب بين الملك الحسن الثاني وابنه الملك محمد السادس، فقد انحدر إلى المرتبة السابعة بـ 14 مقعدًا، تبعه حزب التقدم والاشتراكية بسبعة مقاعد، والحركة الديمقراطية الاجتماعية بثلاثة مقاعد، ثم فدرالية اليسار الديمقراطي بمقعدين، وباقي الأحزاب حصلت على مقعدين، حسبما نشرت وكالة أنباء الأناضول.
حصاد أشار أيضًا إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 43% من إجمالي عدد المسجلين، ويتوقع أن يتم الإعلان عن نتائج الانتخابات النهائية في وقت لاحق من اليوم السبت.
مراقبة دولية
تعد الانتخابات البرلمانية المغربية الحالية هي الأكثر في تاريخ البلاد من حيث عدد الجهات المراقبة لها، حيث شارك في مراحل عملية التصويت والفرز ما يقرب من 37 هيئة وطنية ودولية اعتمدتها اللجنة الخاصة لمراقبة الانتخابات لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الخامس من الشهر الماضي.
ومن بين الهيئات الدولية التي تتابع سير العملية الانتخابية، شبكة الانتخابات في المنطقة العربية والمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية والمركز الديمقراطي الأمريكي (NDI) وفدرالية مراكز حقوق الناس، كما يتولى المجلس الوطني لحقوق الإنسان نفسه مراقبة سير عملية التصويت رفقة منظمات حقوقية وجمعيات من المجتمع المدني المغربي.
عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبدالرزاق الحنوشي، أكد أن المنظمات المعنية راقبت سير العملية الانتخابية بجودة فائقة، وفق المعايير الوطنية والدولية المتعارف عليها، ضمانًا لنزاهة ومصداقية الانتخابات وحرية التصويت.
الإسلاميون يتصدرون
جاءت نتائج الانتخابات مفاجئة بالنسبة للكثير من الخبراء والمحللين، حيث خرجت التكهنات إلى التأكيد على تراجع التيار الإسلامي مقارنة بالدورة الماضية خاصة بعد فشله في تحقيق طموحات وأحلام المغاربة، إلا أن المؤشرات الأولية جاءت عكس ذلك مطلقًا، حيث تصدر حزب العدالة والتنمية الإسلامي بحصوله على 129 مقعدًا، مغردًا بمفرده على قائمة الصدارة.
وفي أول تعليق له حول النتائج الأولية للانتخابات أرجع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، أن حزبه استحق الفوز لأنه “جعل مصلحة البلد فوق كل مصلحة”.
وأضاف في كلمة أمام وسائل الإعلام بمقر حزبه فجر اليوم، أن الحزب “أثبت أن الجدية والصدق والصراحة مع المواطن، والحرص على استقرار الوطن، وجعل مصالح البلد فوق كل مصلحة أخرى، والوفاء للمؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية، كلها عملة تعطي إيجابية ولله الحمد، وهو ما بيّنته هذه الانتخابات”.
ووفقًا للنظام الانتخابي في المغرب، لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائزين على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومات ائتلافية ما يحد من النفوذ السياسي للأحزاب، كما يُختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز في الانتخابات غير أن الملك يرأس مجلسًا قضائيًا والجهاز الأمني ومجلس الوزراء الذي يتعين أن يقر القوانين.
بن كيران أرجع فوز حزبه لتغليبه مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية
الحزب المقرب من الملك يتراجع
من أكثر المفاجآت التي كشفت عنها النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المغربية تراجع حزب “الأصالة والمعاصرة” والذي تأسس عام 2009، على يد فؤاد علي الهمة، الرجل المقرب من العاهل المغربي، الذي سبق له أن كان وزيرًا منتدبًا في الداخلية وبرلمانيًا عن منطقة “الرحامنة”، قبل أن يلتحق بالديوان الملكي مستشارًا.
وبالرغم من تصنيف الحزب كونه أحد أحزاب المعارضة إلا أنه من الأحزاب المقربة للديوان الملكي بصورة ملحوظة للجميع، وهو ما أهل مؤسسه فؤاد الهمة إلى الصعود بالحزب إلى مصاف الأحزاب العريقة في المملكة، حيث استقطب مجموعة من الأعيان واليساريين ومن قياديي أحزاب أخرى، وتمكن من اكتساح الانتخابات البلدية التي جرت عام 2009، كما أحرز 48 مقعدًا في مجلس النواب خلال الانتخابات التشريعية لعام 2011.
المحللون والخبراء رجحوا أن يكون الحزب المقرب من العاهل المغربي هو فرس الرهان في هذه الانتخابات، لا سيما بعد الفوز الكاسح الذي حققه في الانتخابات المحلية التي جرت في 4 سبتمبر 2015، متصدرًا على الحزب الإسلامي الذي حل في المركز الثالث بعد حزب الاستقلال الذي حل ثانيًا.
التشكيلة الجديدة للبرلمان المقبل في نسخته الثانية بعد دستور 2011 لا تختلف كثيرًا عن نسخته الأولى من حيث الخريطة العامة للأحزاب والتكتلات السياسية المشاركة، حيث تصدر الإسلاميون والصراع بينهم وبين الليبراليين والنخبويين والاشتراكيين وهو ما أفقد البرلمان الماضي قدرته على حلحلة الكثير من الأزمات وحسم الملفات ذات الأهمية المجتمعية الكبيرة، ما دفع البعض للتشكيك في قدرة البرلمان الجديد على إحداث أي تغيير في المشهد العام، فهل ينجح الإسلاميون في الاستفادة من دروس الماضي لا سيما وأنهم قد أعطوا فرصة جديدة قد لا تمنح لهم مرة أخرى؟