ها هو الستار يسدل على الانتخابات البرلمانية المغربية العاشرة منذ استقلال البلاد عام 1956، والثانية في الدستور الحالي الذي تم إقراره عام 2011، وبالرغم من دعوات المقاطعة المكثفة إلا أنها جرت وسط أجواء هادئة بنسبة مشاركة تجاوزت 43% حسب بيانات وزارة الداخلية.
المؤشرات الأولية تشير إلى تصدر الإسلاميين المشهد الانتخابي، بحصول حزب “العدالة والتنمية” على 129 مقعدًا بفارق 26 مقعدًا عن أقرب منافسيه حزب “الأصالة والمعاصرة” والذي حصل على 103مقاعد، بما يعني تغير طفيف في التركيبة البرلمانية الجديدة عما كانت عليه في الدورة السابقة، حيث حل الحزب المقرب من الملك في المرتبة الثانية، بما يرجح من تكهنات المنافسة الشرسة داخل المجلس، بين الإسلاميين والنخبويين.
الملامح العامة للبرلمان الجديد وإن كانت تتشابه بنسبة كبيرة مع ما كانت عليه الدورة السابقة، تضع الإسلاميين في تحد خطير، لا سيما بعد حملات النقد التي وجهت لهم في الآونة الأخيرة بسبب تراجع معدلات الأداء، والفشل في حسم القضايا ذات الاهتمام الجماهيري، ومع ذلك فإن الأجندة التشريعية للبرلمان في حلته الجديدة مليئة ومثقلة بالملفات الهامة والحساسة والتي ترتبط بصورة مباشرة بالمواطن، فهل تنجح التركيبة الجديدة لمجلس النواب في أن تكون عند حسن ظن 7 ملايين توجهوا صوب صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم؟
الفساد.. شبح يختال أحلام المغاربة
كشف التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية العاملة في مكافحة الفساد أن حوالي 61% من مواطني المغرب يرون أن الفساد ازداد انتشارًا خلال السنة الماضية، حيث صنف التقرير المملكة في المرتبة الـ 88 من إجمالي 168دولة.
ومن الواضح أن الفساد في المغرب قضية قديمة حديثة متجددة، ففي سنة 1959، كان أول لقاء مباشر بين المجتمع والفساد، حين استيقظ المغاربة من مدن “سيدي سليمان” و”سيدي يحيى” على أعراض مرضية غريبة وغير واضحة المعالم، وفيات، تشوهات وعاهات، ليكتشف الناس فيما بعد أن هؤلاء استهلكوا زيوتًا تستعمل لتشغيل الآليات والمعدات العسكرية، بعد أن أدخلت إلى السوق بعد خلطها بنسب قليلة من الزيت العادية المعدة لاستهلاك، وهو ما أصبح يعرف بقضية “الزيوت المسمومة”، ليبدأ الشعب المغربي عهده مع إخطبوط الفساد الذي ما توقف من حينها حتى لحظة كتابة هذا المقال.
61% من مواطني المغرب يرون أن الفساد ازداد انتشارًا خلال السنة الماضية
ولعل من أبرز ملفات الفساد في السنوات الأخيرة، ما أثير بشأن نهب صندوق الضمان الاجتماعي طيلة الفترة الماضية، وهو ما أضطر بسببها ملايين المغاربة إلى تقبل قرارات حكومية تجبرهم على التأقلم مع إجراءات جد قاسية، حيث أشارت تقارير لجان تقصي الحقائق إلى أن حجم الأموال التي نهبت من الصندوق بلغت أكثر من 115 مليار درهم على مدى 30 سنة، منها 47.7 مليار درهم مجموع الأموال التي صرفها الصندوق من دون حق، من خلال “اختلاسات” و”صفقات مشبوهة”، إضافة إلى عشرات قضايا الاختلاسات الأخرى منها نهب ما يقرب من 15مليار درهم في صورة قروض عقارية وسياحية.
ما عاناه المغاربة من شبح الفساد خيم على واقعهم فأظلمه، فأفقدهم الثقة في كل من حولهم، حكومة ومسؤولين، وبات الحديث عن قضية اختلاس أو نصب أو فساد جديدة وردًا يوميًا ما عاد يحرك فيهم ساكنًا، وهو ما دفعهم إلى التعبير عن أملهم في أن يتصدر هذا الملف الأجندة التشريعية للبرلمان الجديد، لعله يعالج بعض ما مني به المجتمع المغربي جراء داء الفساد العضال.
الأسعار.. الفقراء وحدهم من يدفعون الثمن
يعد ملف الأسعار من القنابل الموقوتة التي تهدد المجتمع المغربي، وباتت مطلبًا شعبيًا أساسيًا لأن تتصدر هي الأخرى أجندة البرلمان الجديد، حيث استقبل المغاربة العام الحالي بحزمة من الزيادات الجنونية في الأسعار غير مسبوقة، أرهقت كاهل المواطن بالعديد من الأعباء المادية الإضافية لا سيما وهو الذي يعاني من تراجع في مستوى الأجور وتجميد للزيادات والحوافز لسنوات طويلة مضت.
وقد شملت القيمة المضافة التي أقرتها الحكومة في السنة المالية الجديدة السلع والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن كل يوم، على رأسها الماء والكهرباء وتذاكر القطارات والضريبة على الممتلكات العقارية والتأمين الإجباري على المرض، أما فيما يخص أسعار الكهرباء والماء، فقد قررت الحكومة زيادة السعر حسب الاستهلاك (نظام الأشطر) حيث سيتم العمل بها حتى نهاية السنة الحالية، تمهيدًا لزيادات جديدة بداية 2017.
زيادة الأسعار وسعت الهوة بين الشعب والحكومة خاصة بعد تجاهل النخبة لاستغاثات المواطنين
تسببت هذه الزيادات في ردة فعل عنيفة من قبل المجتمع، أفراد كانوا أم منظمات، حيث نظم المغاربة عدد من التظاهرات الرافضة والمنددة بهذا الارتفاع الجنوني للأسعار كما حدث في مدينة طنجة والرباط، كما حذرت “المنظمة الديمقراطية للشغل” – أحد أبرز المؤسسات النقابية – في بلاغ لها من أن ارتفاع الأسعار سيؤثر لا محالة على المستوى المعيشي للطبقة العاملة والطبقة المتوسطة في المجتمع، خاصة بعد أربع سنوات من تجميد للأجور وزيادة الضريبة على الدخل من طرف الحكومة الحالية ورفضها اعتماد السلم المتحرك للأجور والمعاش مقابل ارتفاع الأسعار، وتعطيلها لكل الملفات الحيوية للموظفين والمستخدمين والأطر بالمؤسسات العمومية والعمال والعاملات بالقطاع الخاص والفئات المهمشة، داعية إلى مقاومة الإجراءات التقشفية والتراجعية للحكومة في سنة 2016 وإجهازها على مكتسبات الشعب المغربي، ورفض الارتفاع الصاروخي للأسعار.
وفي خطوة تصعيدية جديدة قررت النقابات الأربع الأكثر تمثيلاً وحضورًا في الشارع المغربي وهم: الاتحاد المغربي للشغل والكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفدرالية الديمقراطية للشغل، “تجميد” مشاركتها في مؤسسات الدولة، مطالبة الأحزاب أن تحذو حذوها، مع الإبقاء على خيار الإضراب الوطني العام في الوظائف الحكومية الخيار الأرجح حال استمرار الوضع على ما هو عليه.
المرأة.. متى يؤمن المجتمع بدورها؟
تمثل المرأة المغربية ما يقرب من 51% من إجمالي عدد سكان الدولة، النسبة العظمى منهن من فئة الشباب، ما يجعل من انخراطها في المجتمع والعمل العام والسياسي قضية محورية إن كان القائمون على أمور المملكة يبحثون عن دفع عجلة التنمية والنهوض ببلدهم، وهو ما تأمله نساء المغرب من البرلمان الجديد.
حق المرأة المغربية في العمل السياسي والانخراط في المجتمع ليس منّة من أحد عليها، بل حق كفله الدستور، فبالعودة إلى الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، نجده ينص في ديباجيته على أن المغرب “يرتكز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية”، كما ينص في فصله السادس على أنه “تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية”، أما الفصل التاسع عشر، فقد أكد على أنه “يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها”.
ودوليًا وقعت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تهم المرأة، من أبرزها اتفاقية مؤتمر بكين، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، والتي تنص على أن ” التنمية التامة والكاملة لبلد ما ورفاهية العلم، وقضية السلم، تتطلب جميعًا أقصى مشاركة ممكنة من جانب المرأة على قدم المساواة مع الرجل في جميع الميادين”، بل إن المغرب كان من أوائل الدول العربية التي صادقت على هذه الاتفاقية.
القانون في المغرب ينحاز للمرأة، والمجتمع والحكومات المتعاقبة في غياب عن المشهد
وقد لوحظ أنه في العشر سنوات الأخيرة قد سُجل دور ملحوظ للمرأة، وذلك نتيجة عدة عوامل مجتمعة، من أهمها تنامي حركات ديمقراطية وحقوقية تجسدت في نضالات الحركات النسائية، وحضورها بشكل مكثف في مختلف هيئات المجتمع المدني، غير أن تفكيك البنية التقليدية للمجتمعات العربية – من بينها المغرب – لعب دورًا في هذا التغير المجتمعي، حيث أصبحت المرأة تلعب دورًا محوريًا داخل أصغر خلية في المجتمع، أي الأسرة، وبالتالي داخل المجتمع ككل.
وبالرغم من تبني حكومات التناوب المتعاقبة منذ تولي الملك محمد السادس العرش في 1999، لقضية المرأة وإشراكها في كل مناحي الحياة، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع حتى الآن، ما جعل الآمال معلقة على البرلمان القادم في أن يترجم هذه الخطوات والاتجاهات إلى واقع عملي ومنهج حياة ملموس.
الحريات.. الرصاص لغة الحوار
يبدو أن الشارع السياسي المغربي لم ينعم حتى الآن بالقدر الكافي من الديمقراطية التي كان يرنوا إليها منذ تولي الملك محمد السادس، فلا زال الشعب يئن من القمع والديكتاتورية وتغليب لغة الرصاص على الحوار المجتمعي، وهو ما أفرز حالة الانقسام الواضحة بين أطياف الشعب المغربي، حيث يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرًا، في ظل سياسات لا تراعي المساواة بين المواطنين.
العديد من الخبراء والمحللين رجحوا أن يكون ملف الحريات والحوار المجتمعي وحقوق الإنسان والمساواة من أبرز الملفات على قائمة أولويات البرلمان الجديد، لما تمثله من تهديد مباشر وصريح للملايين من الشعب المغربي، ممن دفعوا الثمن غاليًا جراء سياسات القمع والتنكيل.
لا زال الشعب المغربي يئن من القمع والديكتاتورية وتغليب لغة الرصاص على الحوار المجتمعي
طريقة تعامل أجهزة الأمن المغربية مع المسيرات التي خرجت مؤخرًا رفضًا لقانون التقاعد الجديد والذي يقود إلى تخفيض الرواتب والمعاشات بصورة كبيرة نتيجة ارتفاع سن التقاعد، يؤكد ما عبّر عن المغاربة من قلق واستياء جراء آلة القمع الأمنية.
الصحفي المغربي أحمد العلمي، أشار إلى أن من شاهد ذلك القمع الممارس على المحتجّين في الرباط تنديدًا بقانون التقاعد الجديد سيصل إلى يقين أن النظام المغربي لا ينتج سوى القمع، فلا ديمقراطية ولا حقوق ولا حريات.
العلمي في حديثه لـ “نون بوست” أكد أن المسيرات المناهضة للمخزن (النخبة الحاكمة في المغرب) ولأساليبه تجاه الشّعب، دائما ما تواجه بالقمع من طرف هذا المخزن، وهذا ما تجسد كل المحطات النضالية التي خاضها الشعب المغربي، ساخرًا من تبريرات الأمن المغربي من أن مواجهة المسيرات نتيجة عدم حصولها على ترخيص من طرف السلطات المعنية، بينما مسيرات الدفاع عن النظام يتم دعمها بكل ما يملكون من قوة،، وتابع: ولنا أن نتذكر كيف تجنّدت وزارة الداخلية مؤخّرًا لدعم مسيرة الدار البيضاء المهزلة حيث جيّشت الكل، وذهبت بعيدًا في دعمها حتّى وصل بها الأمر إلى الكذب على المواطنين الذين انتقلوا للمشاركة في المسيرة للتضامن مع سوريا فاكتشفوا أنّهم في مسيرة تطالب برحيل الحكومة.
واختتم الكاتب المغربي حديثه بـ: مسلسل القمع الذي لا زلنا نراه في شوارع الرباط وفي غيرها من المدن الأخرى ضدّ كل من يخرج للتعبير عن رأيه هو عربون تأكيد على أن الشعب المغربي ما زال يقبع تحت الديكتاتورية بعيدًا عن عهد الديمقراطية، وبعيدًا عن عهد حقوق الإنسان الذي تم الترويج له زورًا وبهتانًا، وأن من تعهد لحفظ كرامة المغاربة هو من يذيقهم ويلات تلك السياسات القمعية.
السياسة الخارجية.. إعادة نظر
“إن إنتاج السياسة العمومية للدولة بناءً على ما يتمناه ساسة الدولة من معطيات في إغفال تام للمعطيات الحقيقية على الأرض، هو العامل الرئيس في فشل تنفيذ هذه السياسات وانعكاسها السلبي على قدرة الدولة في الإقناع والتأثير على القرارات الدولية لصالحها..” بهذه الكلمات استهل الباحث والمحلل المغربي بداد سالم حديثه عن أزمة السياسة الخارجية المغربية وضرورة إعادة النظر في آلياتها تجنبا للوقوع في المزيد من السقطات، وهو ما يمثل تحديًا جديدًا أمام البرلمان القادم.
سالم أشار إلى أن المتتبع لمسار السياسة الخارجية للمغرب في السنوات الأخيرة سيلاحظ تغيرًا جذريًا في أساليب وآليات اشتغال الدبلوماسية المغربية، فبعدما كان المغرب يوظف علاقاته ومصالحه المتشابكة مع القوى العظمى من أجل حشد الدعم لصالح أجندته بخصوص الصحراء، أصبح اليوم يحدد معالم هذه العلاقة بناءً على مواقف هذه الدول والهيئات من مطالبه حول الصحراء، كما لو أن القائمين على الشأن الدبلوماسي بالمغرب ينطلقون من مسلمة مفادها أن المواقف تجاه الصحراء هي المحرك الأساسي للسياسة الخارجية وليس العكس.
لقد دفع المغرب ثمنًا باهظًا جراء سياسة العناد مع الجارة الجزائر وموريتانيا فيما يتعلق بقضية الصحراء، أثر بشكل كبير على علاقاته بالدول الإقليمية وبعض الدول العربية، إضافة إلى الدخول في بعض المعارك مع المنظمات الأممية، وليست الأزمة الأخيرة مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بسبب تصريحاته بشأن الملف الصحراوي ببعيد.
المغرب يملك العديد من وسائل الضغط الدولية التي يمكن من خلالها كسب المزيد من الدعم والتأييد الدولي في العديد من القضايا والملفات، في مقدمتها ورقة الهجرة غير الشرعية، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، إضافة إلى ورقة التعاون الاستخباراتي مع فرنسا، لكن الأمر يحتاج إلى سياسة جديدة على أسس مختلفة، وبرؤية أكثر عمقًا، وهو ما ينتظره المغاربة من لجنتي العلاقات الخارجية والتشريعات بالبرلمان الجديد.
مما سبق يتضح أن الأجندة التشريعية للبرلمان المغربي القادم مثقلة بالعديد من الملفات المجتمعية والاقتصادية والسياسية، الداخلية منها والخارجية، وأن الدورة البرلمانية القادمة لا بد وأن تكون على قدر المسؤولية في ظل التطورات الإقليمية الراهنة، وما تفرضه من تحديات خطيرة على كافة المستويات في مقدمتها التشريعية، فهل يستطيع مجلس النواب المغربي في ثوبه الجديد تلبية طموحات الملايين من المغاربة أم سيكون تكرارًا للمجالس السابقة؟