رغم الأزمة الكبيرة التي تحيط بدويتشه بنك فإن مستثمرين قطريين ممن يملكون أسهم فيه أفادوا أنهم لا يخططون لبيع أسهمهم في البنك بل يدرسون شراء المزيد كما أشارت وكالة رويترز في حال قرر البنك زيادة رأس ماله بغرض إبقاء حصتهم فيه بحدود 10%، ففي منتصف العام 2014 عمدت صناديق مالية تعود ملكيتها لرئيس الوزراء الأسبق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لشراء نسبة 6.1% من أسهم دويتشه بنك وفي يوليو/ تموز الماضي ارتفعت النسبة إلى أقل من 10% بعد احتساب الخيارات.
وجراء هبوط سهم البنك بنسبة 13% واقترابها من أدنى مستوى لها عند 10 يورو للسهم، أدى لتكبد المستثمرين القطريين خسائر على الورق فاقت أكثر من 1.2 مليار دولار، فيما يرى القطريون أن استثماراتهم في البنك تعد طويلة الأجل وأن الأمور في النهاية ستتحسن لصالح نمو أعمال البنك واستثماراته.
الأحد الأسود
لن تنسى أمريكا ومعها العالم أجمع يوم الأحد الأسود في 14 سبتمبر/ أيلول، حين شهد القطاع المصرفي الأمريكي واحدًا من أكبر الزلازل المالية في تاريخه على الإطلاق، فرابع أكبر بنك في الولايات المتحدة أعلن إفلاسه في ذلك اليوم المشؤوم على الولايات المتحدة والعالم، فطوال ما يقرب من قرن ونصف من الزمان استطاع البنك الإفلات من أكبر الأزمات العالمية كالكساد الكبير في عشرينات القرن الماضي.
إلا أن تلك الأزمة تمكنت من البنك بعدما هوت بأسهمه لأكثر من 90% ووصلت قيمة خسائره إلى ما يقرب من 7 مليارات دولار وعرض نفسه للبيع، وكان أول ضحايا انفجار فقاعة أزمة الرهن العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي أثارت أكبر أزمة سيولة في التاريخ الحديث أدت لتدهور النظام المصرفي العالمي والتي عانى منها الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء.
واليوم يعاني أكبر البنوك الألمانية والعالمية أزمة، ويتخوف العالم أن يكون هناك يوم أحد أسود آخر كما حصل إبان انهيار بنك ليمان برذرز وخصوصًا أن البنكين يحملان نقاطًا متشابهة كثيرة.
قطر لا تنوي بيع حصتها في دويشته بنك المقدرة بأقل من 10%
انهيار دويتشه بنك
انهيار دويتشه بنك سيسبب تدهورًا في النظام المصرفي العالمي، فالبنك يحوز على أصول مالية كبيرة في العالم ولديه أفرع في دول منتشرة حول العالم وتنتشر تعاملاته على نطاق واسع، وذهب صندوق النقد الدولي بوصف البنك بأنه “البنك الأكثر خطورة على النظام المالي العالمي”، فالبنك يشكل نصف حجم الاقتصاد الألماني وهو البنك الأول في ألمانيا من حيث الأهمية بالنسبة للتجارة العالمية حيث تمكن من تمويل نحو 52 مليار يورو لتمويل التجارة العربية الأوروبية في العام الماضي 2015، وبلغت احتياطات السيولة النقدية لدى البنك الذي يقع مقره في فرانكفورت نحو 223 مليار يورو ( 249 مليار دولار) في 30 يونيو/ حزيران الماضي ولديه أكثر من 20 مليون عميل حول العالم، والجدير بالذكر أن سمعته وشهرته في ألمانيا تعادل شهرة شركة مرسيدس بنز في عالم السيارات.
علمًا أنه تأسس في العام 1870 وهو بنك متعدد الجنسيات يعمل على امتداد العالم ويبلغ عدد موظفيه أكثر من 67 ألف شخص في يناير/ كانون الثاني 2007 وحقق في العام 2005 إيرادات تقدر بـ 41.7 مليار يورو.
سبب تخوف المستثمرين والعالم من حدوث أزمة مالية عالمية يكون سببها دويتشه بنك ناجمة عن الأداء المخيب الذي قدمه البنك خلال الشهور والأعوام الماضية، بالإضافة إلى سلسلة الفضائح المالية والمخالفات القانونية التي لحقت به والتي تعد علامة فارقة ومفصلية في تاريخه الطويل، فضلاً عن هزات مالية تعرض لها البنك وإقالات للموظفين وانخفاض أرباحه التي زعزعت ثقة الأسواق والمستثمرين به وأدخلته في مستقبل مجهول.
جون كريان الرئيس التنفيذي لدويتشه بنك
البداية كانت منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، فتبعات الأزمة المالية التي طالت دول العالم عمل البنك فيها على منح قروض كبيرة واشترك في حزم إنقاذ تقدر بمليارات اليوروهات لدول ومؤسسات مالية لصالح اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال لا تزال حتى الآن متعثرة عن السداد وغير قادر على تحصيلها.
ومن ثم جاءت مطالبة وزارة العدل الأمريكية للبنك مؤخرًا بضرورة تسديد غرامة مالية تصل إلى 14 مليار دولار لتسوية دعاوى قضائية تتهمه ببيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري عن طريق التضليل، علمًا أن البنك يقاوم تلك الدعوى ويفوض الوزارة على تخفيف الغرامة سوى أنه في النهاية قد يضطر للجوء لبيع أصول مالية له أو زيادة رأسماله للحصول على الأموال أو طلب الدعم من الحكومة الألمانية للحصول على السيولة اللازمة لسداد الغرامة.
وكانت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي وجهت نصائح شديدة اللهجة للبنك قالت فيها إن “أكبر مصرف في ألمانيا بحاجة إلى إصلاح نموذج أنشطته والتوصل بسرعة إلى اتفاق مع الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة بشأن غرامة من المحتمل أن تكون ضخمة”.
أضف أن البنك متهم بعمليات غسيل أموال وانتهاكات قانونية خالف فيها القوانين التنظيمية في كل من روسيا وأوروبا والولايات المتحدة سوى أن هيئة الرقابة المالية الاتحادية في ألمانيا أفادت أنها لم تعثر على أي أدلة تفيد بأن البنك انتهك قواعد تتعلق بغسل الأموال في روسيا ودول أخرى.
البنك وبعدما عصفت به كل تلك الأزمات قرر “جون كريان” الرئيس التنفيذي إطلاق عملية إعادة هيكلة على نطاق واسع جراء الخسارة التي مني بها البنك في العام الماضي والتي تقدر بنحو 7 مليارات يورو، العملية قد تؤدي إلى إغلاق نحو 200 فرع في ألمانيا بحلول العام 2020 من أصل 732 فرعًا وإلغاء نحو 9 آلاف وظيفة على المستوى العالمي.
بلغت احتياطات السيولة النقدية لدى البنك نحو 223 مليار يورو
كما سجلت إيراداته انخفاضًا حادًا في الربع الثاني من العام الحالي وفقدت أسهمه نحو نصف قيمتها هذا العام بسبب التحديات في الأسواق وانخفاض أسعار الفائدة وبعد أنباء عن سحب عدد من صناديق التحوط استثماراتها منه، جراء المخاوف من قدرته على الصمود بعد فرض الغرامة الأمريكية، وتكرار سيناريو بنك ليمان براذرز الذي أدى إفلاسه إلى تسريع الأزمة المالية العالمية.
حلول ماثلة أمام البنك
سعى الرئيس التنفيذي جون كريان لطمانة مخاوف موظفيه خصوصًا بعد انسحاب عدد من صناديق التحوط وسحب استثماراتها، مؤكدًا أن البنك يقف على أرض صلبة بفضل ما لديه من احتياطيات وعملاء، إذ لا يزال عند البنك أكثر من 20 مليون عميل حول العالم، كما أن ودائع الوساطة الرئيسية لصناديق التحوط ربما تشكل 3% فقط من تمويل البنك بحسب محللين لدى غولدمان ساكس، وحول قضية الغرامة التي فرضتها الولايات المتحدة على البنك أشار كريان أن هذا لا يمكن أن يكون سببًا يبرر تعرض السهم لضغوط كبيرة في نفس الوقت الذي يعاني منافسون للبنك من قضايا تمت تسويتها في نهاية المطاف بمبالغ أقل.
الحكومة الألمانية التي ترؤسها ميركل والسلطات المحلية أفادت أنها تجهز خطة إنقاذ للبنك في حال فشل البنك في جمع الأموال المطلوبة بنفسه لسداد تكاليف الدعوى القضائية، مجلة “دي تسايت” الألمانية أشارت بحسب مصادر لم تذكرها أن الحكومة في حال الضرورة القصوى ستلجأ إلى شراء حصة مباشرة من البنك بنسبة 25%.
المقر الرئيسي لدويتشه بنك في مدينة فرانكفورت
ويعتزم البنك طرح وحدة إدارة الأصول للاكتتاب العام لدعم رأس ماله ومن شأن هذه الخطوة أن توفر له سيولة مالية تقارب بين 2.23 إلى 3.34 مليارات دولار، فيما نشرت صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية أمس الخميس تقريرًا تحدث عن مبادرة لرؤساء تنفيذيين لعدة شركات ألمانية جاء فيها عزم الشركات لضخ رؤوس أموال في البنك إذا اقتضت الضرورة لدعم المصرف، وبموجب خطة طارئة ستشتري الشركات أسهمًا في المصرف لتعزيز وضع السيولة النقدية فيه، وأشارت الصحيفة أن الحكومة الألمانية رحبت بتدخل القطاع الخاص في إنقاذ البنك، فدعم السوق له سيكون أفضل على كل الأحوال من استخدام أموال الدولة التي سيدفعها دافعو الضرائب.
والمحصلة أن البنك لا يزال لديه الكثير من الوقت حتى يقال إنه في مرحلة خطرة، فالاحتياطات النقدية تمكنه من تحمل أزمة حادة لمدة شهرين وهذا يجعل ملاءته المالية عالية نوعًا ما، كما أن الحكومة الألمانية أولًا والشركات الألمانية الكبيرة ثانيًا والتي قالت إنها بحاجة للبنك لتنفيذ تجارتها مع العالم الخارجي، لن تسمح لأكبر بنك في البلاد أن ينهار ويخلف أزمة مالية في البلاد والعالم بأسره، أضف أن الأزمة مسارها صفري ولن يخرج أحد منها مستفيدًا حتى الولايات المتحدة التي لم تتعاف كليًا من أزمة 2008، لذا فاحتمال كبير أن تخفض وزارة العدل الأمريكية الغرامة على البنك الألماني في ظل المفاوضات المحمومة التي تجري بين البنك والوزارة لإنهاء أزمة البنك.