العاهل المغربي يتحكم في خيارات الإسلاميين في الانتخابات التشريعية

unnamed

ترجمة وتحرير نون بوست

في ظل تزايد حظوظ حزب العدالة والتنمية في الفوز مرة أخرى في الانتخابات التي أُجريت الجمعة، سيصبح الملك محمد السادس مجبرًا على التعامل مرة أخرى، مع الحكومة الإسلامية على مدى خمس سنوات، كما أن الملك تنتظره تحديات عديدة مثل مراقبة السلفيين المتطرفين والمتطرفين العائدين من بؤر التوتر.

بالنسبة لشعبه، يلقب محمد السادس “بأمير المؤمنين”، إذ يسعى إلى أن يكون حصنًا للإسلام المتسامح والذي يتبع تعاليم الحكمة الصوفية في مواجهته لخطر صعود المتطرفين، أما في مملكته، فسيصبح محمد السادس مجبرًا على التعامل لمدة خمس سنوات مع رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران، وجدير بالذكر أن هذا الزعيم الذي يتمتع بشخصية كاريزمية، هو قائد حزب العدالة والتنمية والمتأثر بفكر الإخوان المسلمين.

كما سيضطر الملك أيضًا إلى مراقبة المتطرفين السلفيين، سواء العائدين من بؤر التوتر أو العناصر الموالية لتنظيم الدولة المندسة في المملكة المغربية أو أنصار المتطرفين التابعين لحركة العدل والإحسان، وذلك عبر مستشاريه وجهاز الشرطة.

ومن الواضح أنه في الفترة الأخيرة أبدى محمد الخامس اهتمامًا فائقًا لكامل مستحقات الدولة، خاصة في المجالات السياسية والدينية، ففي الخطاب السنوي للأمة في 20 آب/ أغسطس، ندد الملك بالعنف اللفظي الذي يلجأ له الإرهابيون والمتطرفون، كما أنه من المنتظر أن يلقي الملك يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني، خطابًا يعلن خلاله عن نتيجة الانتخابات البرلمانية التي قد تفرز انتصارًا جديدًا لحزب العدالة والتنمية.

وفي حال فاز حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات، فإن المعركة داخل القصر الملكي ستكون معقدة للغاية؛ فمحمد السادس ورئيس وزرائه ـ الشعبوي، ذو الصوت الأجش وصاحب التكتيك الواضح، يجاملان بعضهما البعض وبشكل جيد.

كما أنه يمكن الحديث عن مناوشات غير مباشرة بينهما، على غرار اتهامات حزب العدالة والتنمية للحكومة بالوقوف وراء المؤامرات التي حيكت ضده في الفترة الأخيرة والهادفة إلى تشويه سمعته، وكالمعتاد، كلما احتد التوتر في المملكة، يزداد الاستبداد الذي يقوده القصر الملكي عن طريق جهاز الدولة المغربية. 

الملك يدعو إلى إعمال الوسطية في الإسلام

وبحكمة، يخطو بنكيران بخطى ثابتة خلال لعبة الانتخابات البرلمانية، كما أن الإسلاميين تمكنوا من الاستيلاء على مقاليد الحكم، على الأقل في جزء من السلطة بفضل ثورات الربيع العربي، وعلاوة على ذلك، فإنه في حال فوزه في الانتخابات الحالية، فسيصبح الحزب الإسلامي الوحيد الذي حافظت عليه صناديق الاقتراع وبقيت وفية له، بعد هذه التجربة التحررية.

ولا ننسى أنه في فبراير/ شباط 2011، شهد المغرب بداية صعبة تميزت بمظاهرات حاشدة خاصة في الدار البيضاء والرباط. وقد تمكن محمد السادس في تلك الفترة من تهدئة هذه المظاهرات، من خلال سن دستور جديد وتقديم موعد الانتخابات التشريعية التي فاز خلالها حزب العدالة والتنمية؛ ومنذ ذلك الحين والملك يسود والحكومة تحكم.

إلا أنه في واقع الأمر، يمكن القول بأن القصر الملكي يسيطر على أهم المؤسسات الحيوية في الدولة، والتي هي أساسًا قوى الأمن الداخلي والجيش والقطاعات الاستراتيجية للاقتصاد ومؤسسات الدولة والدين، بطبيعة الحال، أما حزب العدالة والتنمية فوكلت له مهام مثل الإشراف على وزارة العدل، والتعليم، أو وزارة الشؤون الخارجية، كما قام الحزب الإسلامي بمحاولة إحياء الثقافة والقيم الدينية.

ويقيّم القيادي في حركة التوحيد والإصلاح جواد الشفادي، الوضع قائلاً: “يصر الملك محمد السادس على الحفاظ على دوره في الدولة، كما أنه شخصية لا يمكن المساس بها، فالمملكة قائمة منذ عدة قرون، نحن لا نرغب في القتال مع رموز المملكة، فنحن جئنا أساسًا من أجل التعاون معها، كما أننا نساند التغيير، مع العلم أن الأمر سيستغرق وقتًا”.

كما يصرح قيادي حركة التوحيد والإصلاح، التي هي نسخة مصغرة عن حزب العدالة والتنمية قائلاً: “إذا كانت السلطة لا ترغب في تواجد حزب العدالة والتنمية بينها، فلتعلن عن ذلك، سننسحب دون أية مشاكل”.

لكن، نقاد الإسلاميين مازالوا متشككين في هذه الأقوال، إذ يرون أنه من الممكن أن تخفي هذه الأطراف مخططات سرية، فهم لم ينسوا بعد ماضي حزب العدالة والتنمية في التطرف، والتواطؤ غير المعلن مع جماعة الإخوان المسلمين والتقليد الأعمى لحزب العدالة والتنمية التركي.

وتجدر الإشارة إلى أنه كل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية يتفاديان انتقاد حزب العدالة والتنمية التركي ويساندانه في خطاباتهم.

ومن بين الحركات الناشطة الآن في المغرب، يمكن الحديث عن جمعية العدل والإحسان التي لاقت نوعًا من التسامح في المغرب بعد مشاركتها في حركة “20 فبراير” ودعوتها خلال “الربيع المغربي” إلى مزيد من الديمقراطية، كما أن هذه الحركة التي أسسها الشيخ ياسين، بهدف الإطاحة بالملك الحسن الثاني، أصبحت حركة مساندة للاحتجاجات الاجتماعية وتساهم في انتشارها في المناطق الشعبية والجامعات.

ويقول أحد قادة جمعية العدل والإحسان، عمر إحرشان: “لقد قررنا مقاطعة الانتخابات، لأننا نعيش في مملكة استبدادية وليس في مملكة برلمانية، كما أن الملك لم يتخل عن صلاحياته والدستور الجديد هو خال تمامًا من أسس الديمقراطية الحقيقية”.

ويواصل القيادي انتقاده قائلاً: “إن الملك يدافع مثلنا على أسس الإسلام المغربي، ولكن جهوده من أجل تعزيز سياسته الدينية بعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 لم تؤت أي نتائج ملموسة، وكدليل على ذلك، لا زال المغرب المزود الرئيسي للمتطرفين الذين يغذون الحروب المتواصلة في منطقة الشرق الأوسط”، ويضيف: “إنها ليست دولة، إلا أنه يتوجب علينا ـ دعاة جمعية العدل والإحسان ـ مواصلة مواجهة خطر السلفيين، وهذا هو ما نقوم به”.

وبعد تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003 التي خلفت 45 قتيلاً بينهم 12 انتحاريًا، اتخذت السياسة الدينية للمملكة منعطفًا جديًا وضاعفت من الإجراءات الهادفة إلى تحصين المملكة من الإرهاب، وفي الفترة التي أعقبت هذه التفجيرات، تمت إعادة تنظيم المجال الديني وتشديد الرقابة على السلفيين بصفة خاصة، إلا أن هذه الإجراءات لم تمكن المملكة من التصدي إلى خطر تنظيم الدولة الذي تسرب إليها في وقت لاحق.

ووفق أرقام صادرة عن الرباط، انضم حوالي 1500 مغربي لتنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق، توفي منهم حوالي 500 مغربي، ولذلك، فإن عودة جزء من هذه المجموعة يشكل خطرًا كبيرًا على المملكة المغربية، ولذلك فهي تزيد من المراقبة وتكثف من العمليات الهادفة إلى تفكيك الخلايا النائمة، ويعول في هذه المهمة على شبكة من رجال الشرطة، الدرك وحراس الأحياء وهم عناصر أساسية في النظام الأمني للبلاد، كما أنه في إطار إعادة تنظيم المجال الديني، أصبحت المساجد في المغرب تغلق خارج أوقات الصلاة.

وأمام تزايد خطر الإرهاب في البلاد، دعا الملك في خطابه السنوي للأمة إلى “الوسطية في الإسلام”، كما أمر الملك باتخاذ إجراءات صارمة للتصدي لإرهابيي تنظيم الدولة، الذين يقتلون الأبرياء باسم الإسلام.

وقال محمد السادس في هذا الإطار: “إن الذين يدعون إلى القتل والعدوان ويكفرون الناس بغير حق، ويفسرون القرآن والسنة لبطريقة تحقق أغراضهم، إنما يكذبون الله ورسوله، كما يستغلون بعض الشباب المسلم، خاصة في أوروبا لتمرير رسائلهم الخاطئة ووعودهم الضالة”.

وأضاف: “إن الإرهابيين والمتشددين يستعملون كل الوسائل لإقناع الشباب بالانضمام إليهم، لضرب المجتمعات المتشبعة بقيم الحرية والانفتاح والتسامح”.

البحث عن دمج المنشقين

أثارت تصريحات الملك جدلاً بين الأوساط المثقفة في المغرب، التي تعنى بالثقل الديني للبلاد، وتخشى في نفس الوقت تراجع الحريات، كما أنه أصبح موضوع الإسلام المغربي وإصلاح الدين في المملكة موضوع العصر الذي لا يغيب عن الاجتماعات أو بعض الحفلات.

وفي هذا الإطار، علق الأستاذ في معهد تدريب الأئمة في الرباط، عبد الله شريف أوازيني قائلاً: “أنا مع الحوار السلمي والاحترام، وقد تبين في الفترة الأخيرة أن جماعة الإخوان المسلمين بدأوا يتخلون عن أفكار الوهابية والسلفية، إلا أن الجناح الإيديولوجي لحزب العدالة والتنمية، حركة التوحيد والإصلاح، تتبنى عقيدة سلفية تتعارض مع أسس الدين المغربي، والغريب أنه لا يوجد أي اعتراض على وجود مرشحين سلفيين على قوائم الأحزاب التقليدية في الانتخابات البرلمانية”.

وعبر آلية إعادة تأهيل ودمج المعارضة تمكنت المملكة المغربية من أن تضم البربر والقوميين الريفيين إلى لعبتها الانتخابية، كما أنه في نهاية عهد الحسن الثاني وبداية ولاية محمد السادس تمكنت المملكة من دمج الماركسيين واليساريين السابقين، فهل ستتمكن في هذه المرحلة من استيعاب الإسلاميين؟ وهو ما يجعل محمد السادس يواجه أكبر تحد لحكمه.

المصدر: لوفيغارو