ترجمة وتحرير نون بوست
أصبحت انتفاضة سنة 2011 في مصر مرادفة للاستخدام الناجع لمواقع التواصل الاجتماعي من أجل الإطاحة بالأنظمة المستبدة، حتى إن الأدب الشعبي والأكاديمي أكد على التأثير النموذجي لمواقع التواصل الاجتماعي على السياسات المثيرة للجدل، وقد تعلم ناشطون في البحرين وتركيا وأوكرانيا وسانت لويس مما شاهدوه في المظاهرات المصرية من خطط، مثل نصب المخيمات في الفضاء العامة، وتحضيرهم لطرق مواجهة هجمات الشرطة، وتنظيم مواقع التظاهر وتوقيتها من خلال المجموعات الناشطة على موقع الفيسبوك، وأيضًا من خلال النشر السريع لمقاطع الفيديو وصور المظاهرات في وسائل الإعلام الجماهيرية.
ولكن من الواضح جدًا أن محاولة الانتقال الديمقراطي في مصر بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك انتهى بها المآل إلى استقطاب سياسي عنيف وانقلاب عسكري، فهل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في فشل وحدة الصف الديمقراطي؟ وماذا يعني هذا بالنسبة لمحاولات الانتقال الديمقراطي في المستقبل، علمًا وأنه قد يكون لها نفس الصدى على مواقع التواصل الاجتماعي؟
استخدمنا، في التقرير الجديد الذي نشره موقع مختبر تقنيات السلام “بيستاك لاب” ضمن سلسة من الطلقات “بولتز”، معلومات واحدة على موقعيْ تويتر وفيسبوك بهدف الكشف عن مساهمة مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الاستقطاب والخوف في مصر وكيفية تقويضها لانتقالها الديمقراطي.
بالطبع ليست مواقع التواصل الاجتماعي المذنب الأول والوحيد في هذا الفشل، ولكننا نجادل حول تحدي مواقع التواصل الاجتماعي للوحدة الديمقراطية من خلال تسريع وتكثيف التوجهات الخطيرة مثل الاستقطاب والخوف ونزع صفة الإنسانية عن المنافسين، إن السرعة، وتجييش المشاعر، وتكرار المحتويات على مواقع التواصل الاجتماعي داخل “غرفة الصدى” جعلت الأشخاص الذين تعرضوا لمثل هذه الأشياء يخوضون تجربة رد فعل متطرفة، فمواقع التواصل الاجتماعي تساهم بشكل خاص في تفاقم الاستقطاب السياسي والاجتماعي السيء لقدرتها على نشر صور العنف والإشاعات المرعبة بشكل سريع جدًا ومكثف من خلال المجتمعات المتقاربة من حيث الفكر.
طورنا مجموعتين فريدتين من البيانات من أجل اختبار حقيقة هذه الملاحظات، طورنا، أولاً، مجموعة من بيانات موقع التويتر حيث تحتوي على كلمة “مصر” بجميع الكتابات المحتملة لها باللغتين العربية والإنجليزية في الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير سنة 2011 وآب/ أغسطس سنة 2013، وقد شمل ذلك تقريبًا 62 مليون تغريدة نشرها أكثر من 7 ملايين مستخدم غير مكرر، كما بنينا مجموعة من بيانات الفيسبوك تعتمد أساسًا على صفحات عامة، وأخذنا بشكل عشوائي 1000 منشور من كل صفحة خلال سنة كاملة في الفترة الممتدة بين انتخاب محمد مرسي في حزيران/ يونيو سنة 2012 والانقلاب الذي حدث في تموز/ يوليو سنة 2013 مقسمة على مدة لا تتجاوز السنة، ثم استخرجنا كل التعليقات التي كان عددها في المجمل 593.428 تعليقًا، تجدون كل التفاصيل حول مجموعات البيانات في التقرير.
بينما يستعرض التقرير مختلف المسائل، أثار إحدها اهتمامنا وهو كيف أن جمع مستخدمي الفيسبوك بشكل غير متكافئ يؤثر على انتشار الخوف؟
أهمية تعريف المجموعات غير السياسية
خلال الأيام الأولى من الثورة بدا أن مواقع التواصل الاجتماعي توحد المصريين، على الرغم من اختلافاتهم الإيديولوجية المحدودة، حول هدف مشترك، ولكن هذا لم يدم طويلاً، فمع مرور الوقت عززت مواقع التواصل الاجتماعي الفصل الذاتي للمجتمعات السياسية وحشدهم ضمن مجتمعات متشابهة في التفكير، داعمة التواصل بين أعضاء المجموعة نفسها ومساهمة في الوقت ذاته في تباعدها عن المجموعات الأخرى.
سمحت لنا بياناتنا في رؤية هذا النمط على حقيقته، وأظهرت لنا أي المجموعات التي حققت طفرة وما مدى علاقتها بغيرها، من خلال تحليل إعادة نشر التغريدات، استطعنا تحديد مجتمعات دائمة، مثل هؤلاء الملقبون “بعامة السياسيين”، و”الناشطين”، و”الإسلاميين”، كما عثرنا على كتلة واسعة غير سياسية التي تناقش عادة مواضيع مثل الموسيقى، والأحزاب، والنكات والصور التي تصاحبها عادة الفيروسات وأشرنا لهم (المتابعون والمستخدمون المصريون) بمصطلح “حزب الأريكة” أو “كاوتش بارتي”، عندما تدخلت هذه الكتلة في الشأن السياسي، من خلال الكوميدي السياسي باسم يوسف، كان لها تأثير خاص، كما أن تلك التحاليل التي بدأت مع الهاشتاج السياسي عوض هاشتاغ #مصر من المرجح أنها لن تتفطن إلى هذه الكتلة، التي يبدو أنها أصبحت الداعم الأساسي، أولاً، لحركة 30 حزيران/ يونيو، وهي حركة “تمرد” ضد الرئيس مرسي وثانيًا للانقلاب العسكري.
كيف أصبحت مجموعات التواصل الاجتماعي أكثر عزلة وأقل انفتاحًا مع الوقت؟
لقد قمنا بحساب أربعة مؤشرات إحصائية حول نشاط الكتل السياسية المصرية على الواب، وقد أظهرت كلها زيادة في العزلة بين غالبية الكتل، كما وجدنا أن التقارب الإيديولوجي والتباعد السياسي بين المجموعات قد زاد من حدّة التباعد بينها مع الوقت؛ فقد أصبحت مختلف الكتل الإسلامية كتلة إسلامية واحدة، وكتل الناشطين المختلفة أصبحت كتلة واحدة، إلخ..
أصبحت هذه الكتل أكثر عزلة مع الوقت، ولا تشارك الآخرين إلا القليل من المعلومات بشكل غير منظم، وقد أظهرت مقاييس إحصائياتنا عن العزلة زيادة عامة بين الكتل، التي كانت تساوي 0.6 في تموز/ يوليو سنة2012 والتي ارتفعت حتى أصبحت تساوي تقريبا 0.8 مع نهاية الأشهر الثلاثة الأخيرة التي قادت إلى 30 حزيران/ يونيو، كما اتسعت الهوة بين جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب العامة، والناشطين، و”حزب الأريكة” مع مرور الوقت، وتلاشت أخيرًا الحركات الفردية بين الكتل.
كيف أثرت الكتل في انتشار الخوف والتصورات العنيفة؟
تتمثل إحدى التأثيرات السياسية لهذا التكتل في زيادة تأثير حقيقة وشائعات العنف والصراعات السياسية، وبسبب التكتل، تنقلت الصور أو المعلومات المرعبة بشكل غير متكافئ داخل المجتمعات السياسية المصرية، كما تنقلت أيضًا بسرعة داخل شبكات وسائل الإعلام الموثوق فيها الشيء الذي زاد في تأثيرها.
أصبحت مختلف الكتل تتلقى حسابات مختلفة حول الحدث نفسه، إما تعبر عن الغضب أو تحتفل بمختلف الشهداء، وقد أصبح سردهم لوجهات نظرهم العالمية السياسية غير مفهومة خاصة مع مشاركتهم لمعلومات أقل، ومع تفاعلهم الإيجابي الضئيل.
أصبح الخوف متفشيًا… ولكن بين بعض المجموعات فقط
تعقبنا تحرك الخوف من خلال مصطلحات قائمة على كلمات مفاتيح عربية مرتبطة بالخوف والعنف، ومع أواخر تموز/ يوليو سنة 2012 – قبل انطلاق أول حادثة عنف في تشرين الأول/ أكتوبر – لاحظنا ارتفاع في عدد مصطلحات العنف، والخوف، والفوضى، وقد تباين هذا السرد للعنف بشكل مأساوي بين الكتل ومختلف المجتمعات، التي أصبحت تستهلك الخوف والغضب في مختلف الأزمنة والمسائل.
في كانون الأول/ ديسمبر سنة 2012 وفي لحظة ما، وقعت اشتباكات خارج قصر الاتحادية الرئاسي، وكان لا بدّ من صياغة دستور جديد وهو ما ساهم في صنع روايات مختلفة بين الكتل، ثم جاءت مظاهرات سنة 2013 التي صاحبتها هجمات ضد مكاتب الإخوان المسلمين، وقد أشعلت سرعة انتشار الشائعات، فتيل عدم استقرار الوضع في مجتمع ما، ولكن ليس في كل المجتمعات.
كان تحرك الخوف مُركّزًا بشكل كبير ضد مجتمعات النشطاء السياسيين أكثر منه ضد جمهور عامة الناس، فأحد الاكتشافات الصادمة التي عثرت عليها التحاليل الإحصائية هو أن نسبة مصطلحات الخوف بين كتلة “حزب الأريكة” كانت منخفضة، وعلى الرغم من أن مصر سيطر على مجتمعها الخوف والفوضى في تلك الفترة، إلا أن تلك المجموعات غير السياسية لم تكن غارقة في الخوف أو على الأقل لم تتحدث عنه خلال التغريدات على موقع التويتر، وعلى العكس من ذلك، بدت مصطلحات الخوف أكثر انتشارًا بين كتل الناشطين والإسلاميين، وهي المجموعات الأكثر تسيُّسًا.
إن هذه الرواية القائمة على أدلة تجريبية لها دلالة كبيرة، ليس في مصر فقط، ولكن أيضًا لكل محاولة مستقبلية تحاول فتح بيئة “ثقيلة” داخل مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كان للتكتل المجتمعي ولأصحاب الفكر المتشابه على الواب تأثير مباشر على حقيقة وحدة الصف الديمقراطي على أرض الواقع.
المصدر: واشنطن بوست