في الوقت الذي وصفت فيه ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، تحذيرات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي الأخيرة، بأنها تشبه أوامر لتوجيه الكلاب أكثر مما تشبه التعليق الدبلوماسي، وذلك بعد أن حذر الأخير روسيا من إطالة الحرب الأهلية في سوريا، لأن الإرهابيين – كما يقول – سيستغلون فراغ السلطة ومن الممكن توسيع عملياتهم، ومن ثم قيامهم بعمليات إرهابية ضد مدن روسية، فإن زاخاروفا وهي تستخدم ذلك الوصف الكريه تعتقد تمامًا أنه لا يوجد فراغ سياسي، لأن النظام السوري مسيطر على الدولة بالفعل، وهي من ثم تهدد من أي ضربات عسكرية علي دمشق وعلى الجيش السوري، لأن ذلك سيؤدي إلى تحولات فظيعة في المنطقة بأسرها، وأن الإرهابيين سيستغلون هذا الفراغ السياسي – بزعمها – وستصعب السيطرة عليهم، مثلما هو الفراغ في السلطة الذي أعقب حل الجيش العراقي، والذي تخشي في الوقت ذاته زاخاروفا أن يتكرر ذلك التنظيم الدموي في سوريا وربما بقدر أكبر، ويسيطر على مفاصل الدولة إذا تخلت هي وروسيا عن دعم حليفهم الأسد!
ولكن الشيء الذي لم تحدثنا به زاخاروفا وربما تناست ذلك عن عمد، أن الفراغ السياسي الذي تخشاه في سوريا موجود بالفعل وأن الذي يحكم سوريا ليس الأسد، ولكن روسيا وإيران وميليشيات حزب الشيطان وبقية المرتزقة.
ماريا زاخاروفا
وخلافًا لما توصف به زاخاروفا كيفية نشأة تنظيم الدولة، الذي يهدد أمن روسيا القومي والذي سيؤدي إلى تحولات فظيعة في المنطقة، وتخوفها من فراغ السلطة في سوريا، فإن السيناتور ماكين يؤكد بأن التنظيم عرض من أعراض الحرب الأهلية في سوريا، والتي يطيل في عمرها الروس أنفسهم، ومع هذا ورغم اختلاف الاثنين في تحديد منشأ تنظيم الدولة، إلا أنهما يتفقان – ماكين وزاخاروفا – في النهاية أنه مهدد للأمن القومي الروسي والأمريكي وإن تباينت مفاهيمهم لتعريف تنظيم الدولة أو الإرهابيين، وما تبع ذلك من تصعيداتهم الكلامية، وتهديداتهم المتبادلة وتراشقهم بالألفاظ.
من جهة أخرى فإن ماكين يدعو إلى تحجيم قوة الأسد الجوية والطائرات الروسية، ويهدد بتعرضها للخطر بل وباتخاذ الخطوات اللازمة لتعريضها للخطر، وهو نفس ما صرح به الوزير كيري الذي قال إن جهوده الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا لم يتم دعمها بعمل عسكري، ودعوته لتحرك عسكري بعد انهيار الهدنة لم تجد آذانًا صاغية.
جون ماكين
ومع هذا فإن قرار أوباما غير ماكين وكيري، فهو يدعو إلى عدم التدخل العسكري في سوريا بشكل قوي، تخوفًا من انتقال الحرب السورية إلى مستوى مختلف وربما انفلات الوضع إلى مستويات أسوأ، وربما يذكّر وضع اوباما – الذي يمسك العصا من النصف – بأجواء التلويح بالتدخل العسكري في 2013 عندما لازمه التردد كثيرًا في أزمة الكيميائي، تلك التي قضى فيها نظام الأسد على الأبرياء السوريين في الغوطة خنقًا بالغاز السام، وفي وقت أعلن الجيش الأمريكي جهوزية تامة وفي انتظار إشارة الأمر ببدء الهجوم، إلا أنه نكص على عقبيه.
إطالة الصراع في سوريا بين الروس وإيران وما تبقى من الجيش السوري وبقية المرتزقة من ناحية، ضد فصائل الثوار على اختلاف مسمياتهم من ناحية أخرى، هو في النهاية حماية مجانية يقدمها الروس بطريقة غير مباشرة لأمن إسرائيل القومي وأمن الولايات المتحدة القومي، ومن مصلحة الولايات المتحدة هلاك خصومها التقليديين في المحرقة السورية وهم الروس وإيران، وحزب الله الذي كان يهدد بحرق إسرائيل بالصواريخ، والجهاديين الذين يشكلون خطرًا عليها، ومن مصلحة إسرائيل هلاك الجنس السوري والفلسطيني بل والعربي بأكمله، ومع هذا فإن بعضًا من هؤلاء العرب أتوا لتشييع بيريز وهم حوله يتباكون وربما ربما يبكون.