حقق حزب العدالة والتنمية انتصارًا معنويًا مهمًا في آخر انتخابات التي هي بمثابة استفتاء على تجديد الثقة بحصوله على 120 مقعدًا متصدرًا بذلك قائمة الأحزاب، ورغم أن مؤشرات الانتصار كانت شبهه مؤكدة إلا أن أنصاره في الداخل كما في الخارج توجسوا خيفة، فالانتخابات المغربية ليست شأنًا داخليًا يهم الشعب المغربي فقط وإنما هي حدث له تداعياته في الخارج أكثر منه في الداخل.
لقد استلم حزب العدالة والتنمية الحكم بفضل تأثيرات المحيط، ذلك أن الملك محمد السادس التقط بعين ثاقبة التغيرات بعد ثورة 17-12/14-01 في تونس فسارع إلى الدعوة للاستفتاء على دستور جديد يقلص جزئيًا صلاحياته لصالح الحكومة وذلك لقطع الطريق على طرفين: التيار الثوري الشبابي والذي عرف بتيار ثوار فبراير، وهؤلاء تأثروا بثورات الربيع العربي وطالبوا بإصلاحات جذرية ربما المغرب لم يكن جاهزًا لها، والتيار الديني السلفي الغارق في مرجعيته الماضوية والحالم بخلافة على النمط الذي ظهر لاحقًا في داعش.
اختار الشعب المغربي دستورًا جديدًا يمنح الحكومة الجديدة صلاحيات معتبرة وإن كانت منقوصة.
على ضوء هذا الدستور جرت أول انتخابات برلمانية وشارك فيها مختلف الأحزاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وظهر حزب العدالة والتنمية كحزب جديد يعتمد على كادر شبابي يحلم بعهد جديد تتكرس فيه دولة المواطنة والحريات وخاصة – وهذا ما وعد به حزب العدالة والتنمية – إصلاحات اقتصادية تقترب بالمغرب نحو العدالة الاجتماعية وتمكن طائرته من الإقلاع.
كان ملفتًا أن هذا الحزب ذا التوجه الإسلامي يواجه خصمين لدودين من داخل المنظومة هما:
– اليسار والنخب المثقفة ذات التوجه العلماني الفرانكفوني.
– النخب اليمينية المحافظة ذات المصالح المتوارثة منذ الاستقلال والتي تعرف بالـ ”مخزن”.
الأولى تستحوذ على المسرح النقابي والثقافي، والثانية تستحوذ على الإدارة والمرفق العمومي ونفوذها يقوى بقدر اقترابها من الأرياف والقرى، هذا فضلاً عن الأعداء خارج المنظومة (قوى راديكالية لا تعترف بالدستور ولا بالديمقراطية).
أنجز حزب العدالة والتنمية معركته الانتخابية باقتدار واستطاع أن يخترق المدن الكبرى وإن استعصت عليه المناطق الريفية.
نجح حزب العدالة في أول انتخابات ولم يكن سبب النجاح العوامل الذاتية بل إن العين لا تخطئ تأثير المشهد التونسي الذي ألقى بظلاله على مصر والمغرب، وكان لنجاح النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي تأثيرًا إيجابيًا على المشهدين المصري والمغربي وظهرت أول حكومات إسلامية في المنطقة.
لقد واجه حزب العدالة والتنمية المغربي صعوبات متعددة يمكن إجمالها في عدم قبول النخبة المسيطرة على الإعلام والإدارة بنتائج الانتخابات ومحاولة تضخيم أي حدث في اتجاه الوعي وبث اليأس في صفوف أنصاره، ورفض التيار العلماني مد يد المساعدة بل والعمل في جبهة مضادة، وكذلك غياب الخبرة لدى كادر حزب العدالة، والأزمة الاقتصادية العالمية وخصوصًا أوروبا الشريك الاقتصادي الأساسي للمغرب.
كل هذه الصعوبات والعوائق حاول بن كيران تفكيكها ونجح نسبيًا في أكثر من مجال وأخطأ في مجالات أخرى.
عاشت الحكومة أزمات ونجح بن كيران في اختراق قسم من اليسار المعتدل وشكل معه حكومته الثانية وظل حزب المخزن “الأصالة والمعاصرة” وأحزاب النخبة “الفنون والإعلام والإدارة” واليسار الراديكالي، ينظرون بريبة إلى الحكومة.
وجاءت الانتخابات البلدية وكانت نتائجها واعدة، فالمدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش ما زالت تثق في بن كيران، رغم أن دبيب الإصلاحات والإنجازات دبيب النملة.
إن الانتخابات الأخيرة بينت رغم شراسة الحملات المضادة أن شعبية حزب العدالة والتنمية لا رجعة فيها، وأن الشعب المغربي يثق في قيادة هذا الحزب وأنه ينتظر إتمام حزمة الإصلاحات، لكن دلالة هذا الانتصار هي بالتأكيد خارج المغرب.
لقد تنفس التونسيون خصوصًا أنصار الثورة الصعداء، فكما كان فضل النهضة على حزب العدالة والتنمية في انتخاباته الأولى لا تخطئه العين، كذلك فضل حزب العدالة والتنمية على مستقبل تونس وعلى النهضة خاصة لا يمكن أن تخطئه العين في المستقبل، بل إن انتصار حزب العدالة والتنمية هو انتصار ناعم يشبه إلى حد كبير انتصار طيب أردوغان في إفشاله المحاولة الانقلابية الارتدادية في تركيا.