أنظار العالم اليوم تتجه صوب مدينة الموصل، فمع اشتداد القصف والخوض في المرحلة التمهيدية، بات واضحًا للجميع أن ساعة الصفر وشيكة، وأنها ستعلن في الأيام القلية القادمة، ويحذر مراقبون من وقوع كارثة إنسانية كبرى، وكأن هذا لا يكفي لتشتد أيضًا وتيرة المهاترات السياسية، داخليًا بين الفرقاء السياسيين، وخارجيًا بين الحكومة العراقية والتركية، فهل ستؤثر هذه الخلافات على عملية التحرير؟
أُطلِقت الكثير من التصريحات والتوقعات المتضاربة، في الأسبوع الماضي، كان أولها لمنظمة الأمم المتحدة التي توقعت نزوح مليون نسمة من الموصل، مع انطلاق العمليات العسكرية، بينما توقعت وزارة الصحة العراقية نزوح مليون ونصف نسمة من الموصل، أي ما يقارب أكثر من نصف السكان المتواجدين حاليًا في الموصل.
حذرت الأمم المتحدة بتصريح من وقوع كارثة إنسانية في حال نزوح المدنيين، حيث أعلنت عدم جاهزيتها لاستقبال وحماية المليون نسمة، في تصريح نشر على لسان ممثل المفوضية العليا للاجئين في العراق، حيث إن أكبر عدد يمكن استيعابه لا يتعدى 700 ألف مدني.
جاءت تصريحات وزارة الصحة العراقية منافية للمفوضية العليا للاجئين، ومطمئنة للشعب؛ حيث أُعلِنَ عن جاهزية الكوادر العراقية لاستقبال مليون ونصف نازح من مدينة الموصل.
تضارب الأنباء حول جاهزية الحكومة لاستيعاب النازحين من عدمها، كان أبسط ما حدث في هذا الأسبوع، قبل زيارته لمقر الأمم المتحدة، صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمر صحفي، أن تواجد القوات التركية على الأراضي العراقية، غير مرغوب فيه، وخارج عن إرادة الحكومة العراقية، يذكر أن عدد أفراد القوات التركية الموجودة على الأراضي العراقية يقدر بـ 1200 عنصر، في معسكر يقع على مشارف المدينة.
جاء رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم السبت 1/10/2016 على هامش خطاب ألقاه في البرلمان التركي، ذكر فيه أن القوات التركية ستمدد بقاءها عامًا آخر في العراق وسوريا، وأنها ستشارك في معركة تحرير الموصل، ولن يمنعها أحد من ذلك، في تحدٍ واضح لرغبة الحكومة العراقية، المتمثلة بتصريحات رئيس الوزراء العراقي.
لماذا تصر الحكومة التركية على التدخل؟
أردوغان: “لن نتخلى عن إخواننا في الموصل، ولن نسمح للحشد الشعبي بالسيطرة عليها لأن أهلها من السنة العرب والأكراد والتركمان، بعد تحرير الموصل مَن سيبقى في الموصل؟ يجب أن يبقى أهالي الموصل من السنة العرب والسنة التركمان والسنة الكرد، الموصل هي لأهل الموصل، وتل عفر هي لأهالي تل عفر، ولا يحق لأحد أن يأتي ويدخل هذه المناطق”.
الحشد الشعبي هي قوات شبه عسكرية مدعومة من الحكومة العراقية وإيران، تشكلت بعد فتوى الجهاد التي أطلقتها المرجعية الدينية الشيعية بعد سيطرة تنظيم داعش على بعض المدن العراقية، كان للحشد الشعبي دور مهم في تخليص بعض المدن من سيطرة داعش، إلا أن بعض الفصائل في الحشد اتهمت بارتكاب جرائم تطهير بحق بعض سكان المناطق المحررة، كما اتهمت فصائل أخرى من الحشد الشعبي بالقيام بعمليات نهب وتخريب لدور سكنية في المدن المحررة.
هذه الانتهاكات والدعم الإيراني، كان لهما الدور الأكبر في رجوع بعض الساسة السنة إلى الجانب التركي والتحالف معه، خوفًا من استباحة أراضي الموصل بعد التحرير وإبادة الأقليات في المناطق المحررة لأسباب سياسية.
أثارت تصريحات أردوغان الأخيرة، موجة جدل كبيرة واستهجان واسع من قبل الحكومة العراقية، فصوت البرلمان في جلسة الثلاثاء ضد بقاء القوات التركية بالإجماع، كما وجه برلمانيون اتهامات لأردوغان بعرقلة عملية التحرير ومحاولة إثارة الفتنة الطائفية بين صفوف المجتمع العراقي.
جاء رد الحشد الشعبي على لسان القيادي هادي العامري، الذي أكد رفض الحشد الشعبي لوجود القوات التركية “المحتلة “، وتدخلها في الشأن العراقي، وأن معركة تحرير الموصل ستكون “عراقية” وأن الحشد الشعبي قوة تتبع تعليمات النائب العام للقوات المسلحة، وستشارك بجانب الجيش العراقي وقوات التحالف بعملية تحرير الموصل.
لم ينتظر أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق، كثيرًا قبل أن يعود للتأكيد ثانيةً أن الحشد الشعبي لن يشارك في التحرير: “على الرغم من التصريحات المشوشة من قبل بعض المسؤولين العراقيين حول مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، إلا أن القرار الرسمي للقائد العام للقوات المسلحة هو عدم مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل وهو ما اتفقت عليه بغداد مع كل من أربيل والتحالف الدولي وعلى أساسه بدأت التحضيرات الحقيقية للمعركة”.
يستمر التوتر، لتستدعي الحكومة العراقية السفير التركي في بغداد، وتقدم له مذكرة احتجاج ورفض بقاء القوات التركية على الأراضي العراقية عامًا آخر، لتستدعي الحكومة التركية السفير العراقي في نفس اليوم احتجاجًا على قرار الحكومة العراقية.
في الساعات الأولى ليوم الخميس، كشف تقرير لوكالة CNN أن معركة تحرير الموصل ستبدأ في النصف الثاني من الشهر الجاري، وأن المعركة ستستمر لمدة تقارب الثلاثة أشهر، قبل أن يُعلنَ تحرير المدينة بالكامل، أما عن الأطراف المشاركة في المعركة فذكر التقرير أن 4000 جندي عراقي يستعدون للمشاركة بدعم طيران التحالف وقوات البيشمركة الكردية، مغفلاً الحديث عن مشاركة الجانب التركي أو الحشد الشعبي.
تصريحات متضاربة ومواقف متعارضة بين الأطراف الأكثر نفوذًا في المنطقة، هل ستؤدي الأزمة السياسية إلى تأجيل التحرير، أم أن هدنة سترجئ الأزمة إلى ما بعد التحرير؟