لم تتخل الحكومة المصرية عن سعيها الدؤوب إلى حظر ومطاردة جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من التهديد الذي تشكله حملتها الأمنية على الأمن والاستقرار في البلاد، مقتل أحد قادة الجماعة مؤخرًا من المرجح أن يسهم في تعميق الصدع داخل صفوفها ويمكن أن يدفع بعض أعضائها إلى أحضان مجندي المتطرفين.“
“محمد كمال”، زعيم الجناح الشبابي للجماعة، كان هدفًا للاغتيال ضمن غارة قادتها وزارة الداخلية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعلى الرغم من أن الظروف المحيطة بمقتله لا تزال غير واضحة، فإنه قد قتل هو ورفيقه “ياسر شحاتة” رميًا بالرصاص ليلة المداهمة، أعلنت وزارة الداخلية أن تبادلاً لإطلاق النار اندلع خلال الغارة التي وقعت في منطقة البساتين في القاهرة، ومع ذلك، أكدت جماعة الإخوان المسلمين أن الرجلين قتلا بعد اعتقالهما، وبغض النظر عن كيفية وقوعها، فإن الوفاة التي وقعت نتيجة حالة استهداف للرموز رفيعة المستوى من المرجح أن تزيد من الصدع القائم داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين.
تصنف القاهرة جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية منذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، أي بعد حوالي ستة أشهر من قيام المجلس العسكري للبلاد بخلع الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من استخدام الحكومة للقمع الوحشي ضد الجماعة والتي بلغ ذروته في رابعة العدوية في أغسطس/ آب عام 2014 بعد ستة أسابيع من عزل مرسي، تشير التقارير أن الحملات الحكومية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين كانت روتينًا خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن معظم الاعتقالات في صفوف أعضاء الإخوان أسفرت عن أحكام بالسجن لفترات غير محدودة، وليس عن القتل الفوري.
ومع كون جماعة الإخوان تأسست في مصر منذ قرابة مائة عام، فإنها ولدت عشرات الجماعات السياسية الإسلامية في البلدان الأخرى، وكذلك العديد من الفروع الوطنية للجماعة الأصلية، ولكن عندما أعلنت مصر الحرب على الإرهاب وجمعت معظم التهديدات للدولة تحت هذه المظلة، فقد مهدت الطريق نحو عقوبات قاسية باسم الأمن القومي، الضغوط التي مورست على جماعة الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بمرسي تسببت في تسارع عملية الانشقاق داخل الجماعة، لجأ العديد من قادة جماعة الإخوان المسلمين وأعضائها البارزين إلى تركيا وقطر، ولكن الكثير من الشباب الأصغر عمرًا بقوا في مصر.
برز محمد كمال كزعيم للجناح الشبابي في جماعة الإخوان المسلمين، والذي انشق عن جسم الجماعة المكون من الأعضاء الأكبر سنًا الذين يقودهم محمود عزت، تبنى هذا الفرع الجديد تكتيكات أشد وأكثر عنفًا ضد الحكومة كوسيلة لإعادة بسط السيطرة السياسية للإخوان المسلمين، تبنى الحرس القديم نهجًا أكثر حذرًا مفضلاً الانتظار والترقب حتى يحين الوقت لاستعادة السيطرة، ظهر كمال، أحد دعاة الحلول الأكثر جذرية، في مقابلات إعلامية شجع خلالها العمل ضد الدولة، ولذا لم يكن مستغربًا أن ينتهي به الحال على رأس المستهدفين من قبل الحكومة.
الخلاف بين فرعي جماعة الإخوان المسلمين المصرية حول الاتجاه الذي يجب أن تسلكه الجماعة يمكن أن يسهم في دفع بعض أعضائها إلى أحضان الجماعات المتطرفة، فقدان كمال كقائد جناح الشباب يمكنه أن يسرع من هذه العملية، الطريقة التي سترد بها جماعة الإخوان المسلمين خلال الأسابيع المقبلة ستوفر مؤشرًا هامًا حول طبيعة الاضطرابات التي تواجهها الدولة المصرية.
وعلى الرغم من أن الحكومة مجهزة تجهيزًا جيدًا للقضاء على تهديدات الجماعات المتطرفة، إلا أن نداء هذه الجماعات يتردد صداه في أوساط الشباب المصري الساخط، على سبيل المثال، هناك حركة “حسم” الجديدة نسبيًا والتي ادعت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال النائب العام المساعد في 29 سبتمبر/ أيلول، والتي تتشارك مع جماعة الإخوان المسلمين الأيديولوجيا، فضلاً عن النظرة المعادية للحكومة.
ومع دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى العمل تحت الأرض، فإن أعضاءها من الشباب الأكثر ميلاً نحو التطرف سوف يكونوا مرشحين بارزين للتجنيد من قبل الحركات الحديثة مثل “حسم”، أو حتى الجماعات الأكثر رسوخًا مثل أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء.
وبالإضافة إلى ما يثيره من مخاوف بشأن الأمن الداخلي، فإن الصدع داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر يمثل جرس إنذار للأحزاب الإسلامية الأخرى في الشرق الأوسط، كما يشكل مصدرًا للإلهام لفصائل أخرى في دول مثل الأردن وتونس كي تبقى متماسكة في مواجهة الضغط الحكومي، يمثل اغتيال محمد كمال تحذيرًا لغيره من الزعماء الإسلاميين في مصر مفاده أن تبني أيديولوجيا الإخوان المسلمين هو طريق مؤكد لوضعك في مرمى نيران الحكومة، وبينما تواصل الحكومة المصرية مكافحة التهديدات الإرهابية، فإنها يجب أن تظل حريصة على الموازنة بين الحفاظ على أمنها مع تجنب إثارة المزيد من الاضطرابات أثناء هذه العملية.
المصدر: الخليج الجديد