قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت الجمعة 7 أكتوبر 2016 في المغرب، والتي جرت 20 سبتمبر في الأردن، كانت أغلب التوقعات تشير لتأثيرهم، بالثورات المضادة التي عصفت بالقوى الإسلامية التي وصلت للحكم في مصر وليبيا، بينما أبقت على دورهم في تونس والمغرب.
ولكن جاء فوز إسلاميي المغرب بأغلبية المقاعد والاستمرار في الحكم، وفوز إسلاميي الأردن بالمرتبة الأولي بين الأحزاب، لتشير لرياح ربيعية جديدة تشهدها المنطقة ربما تصعد بالربيع العربي للدور الثاني، بعدما هُزم في الدور الأول بالانقلابات والمؤامرات.
صحيح أن فوز الإخوان في الأردن له حسابات كثيرة ربما يتعلق الكثير منها بالرغبة في الاستفادة منهم في مواجهة المخاطر الخارجية التي تواجه المملكة وتهدد استقرارها خاصة المحور الشيعي، كما أن فوزهم لا يعني توليهم السلطة.
إلا أن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالمرتبة الأولى بحسب النتائج النهائية المعلنة وحصوله على 125 مقعدًا من أصل 395، يمكنه من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية، ويؤكد أن المزاج الشعبي العربي لا يزال إسلامي، وأن المراهنة على اليسار أفلست، حتى إن فيدرالية اليسار الديمقراطي التي تضم 3 أحزاب مغربية فازت بمقعدين فقط في انتخابات المغرب.
https://twitter.com/DrMahmoudRefaat/status/784811068069666816?ref_src=twsrc%5Etfw
بل إن فوز الإسلاميين في “مملكة” عربية تتبع أسلوب الملكية الدستورية نسبيًا، يعطي مؤشرًا ورسالة قوية لباقي الأنظمة الملكية العربية بأن هذه وسيلة سلمية للتغيير بدون ثورات.
مهم لنا كسعويين مراقبة التجربة المغربية كنظام ديمقراطي في ظل ملكية دستورية.. التجربة مع أهميتها لا تخلو من عوائق وتحديات وربما بعض الإخفاقات
— عبدالله المالكي (@almalki_80) October 8, 2016
وبحسب بيان لوزارة الداخلية المغربية، حصل حزب العدالة والتنمية على 98 مقعدًا في الدوائر الانتخابية المحلية و27 مقعدًا على اللائحة الانتخابية الوطنية، ليصل إلى 125 مقعدًا، وتلاه خصمه الرئيسي حزب الأصالة والمعاصرة (ليبرالي) الذي فاز بـ 81 مقعدًا محليًا و21 مقعدًا وطنيًا (102)، فيما جاء حزب الاستقلال في المرتبة الثالثة بحصوله على 46 مقعدًا.
رغم فوز حزب العدالة والتنمية/الاخواني ب ١٢٥ مقعدا لكن المنتصر الحقيق حزب الاصالة الليبرالي في المغرب الذي رفع حصته من ٤٨ الى ١٠٢ مقعدا.
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) October 8, 2016
فوز حزب العدالة والتنمية/الاخوان المغربي جاء متواضعا ١٢٥ مقعدا فقط ولا يستطيع تشكيل حكومة بدون حزب الأصالة الليبرالي الحاصل على ١٠٢ مقعدا.
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) October 8, 2016
وتنقسم مقاعد البرلمان الـ 395 إلى 305 مقاعد محلية و90 مقعدًا يتم التصويت عليها على المستوى الوطني، وتظل النتائج الخاصة بالدائرة الانتخابية الوطنية مؤقتة إلى حين المصادقة عليها من طرف اللجنة الوطنية للإحصاء، طبقًا للمقتضيات القانونية الجاري بـها العمل، حسب وزارة الداخلية.
إحراج للقوى اليسارية
بحسب هذه النتائج المعلنة زاد حزب العدالة والتنمية عدد مقاعده من 107 خلال انتخابات 2011، إلى 125 سنة 2016، بينما حقق الأصالة والمعاصرة (الليبرالي) أيضًا فوزًا مهمًا وحقق أكثر من ضعف ما حصل عليه في انتخابات 2011 حيث انتقل من 48 مقعدًا إلى 102 مقاعد.
فمن أبرز النتائج، الخسارة كبيرة وتراجع ملحوظ للأحزاب التقليدية حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية، وتواجد كل أحزاب اليسار في مؤخرة القائمة.
فالأحزاب اليسارية والاشتراكية التي كانت الملكية المغربية تستند عليها في حكومات سابقة، منيت بخسارة كبيرة برغم الحملة الكبيرة التي شنتها لإسقاط حزب العدالة والتنمية بخلاف حملات القصر الملكي، فحزب الاستقلال جاء في المركز الثالث بـ 31 مقعدًا، وحزب التجمع الوطني للأحرار في المركز الرابع بـ 30 مقعدًا.
وجاءت نتائج باقي الأحزاب الاشتراكية واليسارية بالفوز بمقاعد تقل في مجموعها عن مقاعد الحزب الإسلامي، حيث فازت باقي الاحزاب على التوالي بـ 21 مقعدًا ثم 16 ثم 14 ثم 7 ثم 3، ثم مقعدين لتكتل يساري يضم 3 أحزاب!
لهذا قال عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة وأمين عام الحزب الإسلامي “إن هذا يوم فرح وسرور انتصرت فيه الديمقراطية وظهرت فيه الأمور على حقيقتها”، واعتبر أن نتائج حزبه “جد إيجابية”، والشعب المغربي كسب كسبًا عظيمًا ويستحق أن يكون في مصاف الدول الصاعدة.
وجاء تقدم حزب العدالة والتنمية المريح على حزب الأصالة والمعاصرة، بفارق 26 مقعدًا، ليمكنه من تحقيق رهانه بالفوز بولاية ثانية على رأس الائتلاف الحكومي من أجل “مواصلة الإصلاح” وفق برنامج انتخابي مبني على المنهجية الإسلامية، إذ يركز على إصلاحات اقتصادية هادئة ولا يدخل في معارك حول الهوية الإسلامية، بعكس الأحزاب اليسارية الصاخبة.
وفاز الإسلاميون لأول مرة في تاريخهم بالانتخابات البرلمانية نهاية 2011 عقب حراك شعبي قادته حركة 20 فبراير الاحتجاجية بداية السنة نفسها في سياق الربيع العربي، تلاه تعديل الدستور، وكانت التوقعات تشير لتغير المزاج المغربي، ولكن جاءت النتائج على خلاف هوى قوى داخلية وإقليمية ودولية ساهمت في إسقاط الإسلاميين في الدول الأخرى بالمال والنفوذ.
وبحسب الدستور الجديد يختار الملك (الحاكم الحقيقي) رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات ويكلفه بتشكيل التحالف الحكومي، ويختار الملك الذي ما زال يحتفظ بمعظم السلطات التنفيذية رئيس وزراء من الحزب الفائز، وغالبًا ما تضم الحكومة أعضاء أحزاب أخرى.
وهو ما يضع عقبات كبيرة أمام الحزب في المغرب للتعبير عن فكرته ورؤيته بصورة كاملة، فهي في النهاية محكومة بمحددات يقرها الملك، الذي ربما يرى أن استمرار حزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة يشكل نوعا من الاستقرار للوضع السياسي المغربي.
وتمكن حزب العدالة والتنمية من كسب طيف واسع من أصوات الناخبات عام 2011 بفضل حملة شعبية طالبت بالمزيد من الشفافية في الحكومة، وبفضل التزمه بـ “مكافحة الفساد والطغيان“، وهو شعار كانت حركة العشرين من فبراير قد اتخذته مسألة مركزية أثناء ثورات الربيع العربي.
وفاز للمرة الثانية لأنه استمر في رفع شعار أن حزب العدالة والتنمية ما يزال “حارس الشفافية والصدق“و“الأكثر ديمقراطية“بين الأحزاب السياسية المغربية، بحسب عبد الإله بنكيران، إذ كان شعار حملة الحزب هذا العام هو “صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح”.
ويسعى الحزب بعد فوزه إلى مواصلة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية محفوفة بالمخاطر لتقليل العجز في الميزانية المغربية.
كما يفتخر حزب العدالة والتنمية بأن أهم إنجازاته كان خفض الدين العام للبلاد من 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011 إلى 3.5% حاليًا.
لكن بالرغم من ذلك، لم يصل الحزب إلى هذا الإنجاز دون إيذاء القوة الشرائية للمواطن العادي، وأدت موافقة الحكومة على حزمة لإصلاح رواتب التقاعد ورفع سن التقاعد من 60 إلى 63 عامًا، بالإضافة إلى زيادة المساهمات، أدت إلى إضراب عمالي على مستوى البلاد في مسعى لتعطيل هذا القانون.
الحزب العلماني عقبة أمام الإسلامي
وتفتح هذه النتائج الباب أمام مسار معقّد لتشكل الحكومة الجديدة مع بروز ثنائية قطبية بين الإسلاميين من جهة، وبين حزب الأصالة والمعاصرة العلماني من جهة ثانية، فرغم تقدم الإسلامي على العلماني بـ 23 مقعدًا، أدى فوز العلماني بـ 52 مقعدًا إضافيًا عن الانتخابات السابقة التي نال فيها 47 مقعدًا فقط لمحاولته لعب دور في تشكيل الحكومة المقبلة.
وقد سارع الأخير إلى الإعلان عن رفض التحالف مع الحزب الإسلامي في الحكومة الجديدة، ما يطرح على العدالة والتنمية تحدّي البحث عن تحالفات مع الأحزاب الصغيرة لتوفير الأكثرية اللازمة لتشكيل الحكومة.
ومع التراجع الملحوظ لليسار والأحزاب الصغيرة في هذه الانتخابات، توضّحت أكثر وأكثر وجهة الصراع السياسي في المجتمع المغربي بين الإسلاميين من جهة، والعلمانيين، الذين خاضوا الانتخابات تحت شعار مواجهة “تسونامي الإسلام السياسي”.
النتائج تضغط على مصر وليبيا
المرجح أن يؤدي انحسار الثورات المضادة والانقلابات العسكرية على الربيع في الدول العربية، وقصرها حتى الآن على مصر وليبيا واليمن سوريا، وفوز الإسلاميين في المغرب والأردن، لتعديل كفة الربيع العربي المائلة وتحقيقه انتصارات مستقبلية وتشكيله ضغط على دول مثل مصر وليبيا واليمن وسوريا تعاني من الفشل المتواصل منذ إجهاض الربيع بها.
وعبر مراقبون عن توقعهم أن يؤدي فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية في الانتخابات المغربية للضغط على أنظمة مصر وبعض دول الخليج التي دعمت الثورات المضادة علي الربيع العربي، وفشلهم في الإجهاز على الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عمومًا.
ويري الكاتب عامر عبد المنعم أن حزب العدالة والتنمية هو الذي شكل الحكومة منذ الانتخابات السابقة، ويبدو أن النظام الملكي في المغرب متقبل ذلك مضطرًا، لأسباب عديدة منها تراجع اليسار الذي كان يعتمد عليه النظام في الفترات السابقة، وأيضا لخطاب العدالة والتنمية الهادئ جدا الذي يركز على البعد التنموي أكثر من الحديث عن الهوية.
فيما يؤكد الكاتب قطب العربي أن نتائج الانتخابات المغربية وقبلها اﻷردنية التي تصدرها الإخوان بمثابة ضربة موجعة للتيار الاستئصالي (بعسكره ومدنيه) المطالب بمحو التيار الإسلامي من الخارطة السياسية، وأنه كلما أتيحت الفرصة الحقيقية للشعب فإنه يختار أهل الصلاح لا أهل الفساد والاستبداد، بحسب قوله.
المصدر: إيوان 24