لا أعلم لماذا وأنا أكتب تلك المقاله أتذكر قصة بني إسرائيل، كم واحد منا لم يقرأ قصة بني إسرائيل وكم أرسل لهم من أنبياء، حتى كتب عليهم التيه في عهد سيدنا موسى بعد أن أرسل الله عليهم الآيات تترى فلووا أعناقهم حتى جرت عليهم سنة الاستبدال.
يوم الثالث من أكتوبر 2016
سيارات مدنية لعملاء جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة) تتحرك من مقراتهم ترافقهم قوة من العمليات الخاصة، بعد أن تم التوصل لما يعتبرونه أخطر شخص داخل جماعة الإخوان المسلمين حتى صار يطلق بعضهم على أتباع هذا الرجل تنظيم محمد كمال.
باستخدام خاصية الرصد والتتبع الصوتي وغيرهم، يبدو أن عملاء أمن الدولة قد استطاعوا معرفة أن الأستاذ ياسر شحاتة يرافق أو يسكن بالقرب من الدكتور محمد كمال وأن العثور على أستاذ ياسر شحاتة يعني العثور على محمد كمال، هذا الرجل الذي شذ من وجهة نظرهم عن منهج جماعة الإخوان المسلمين الذي عهده جهاز أمن الدولة منهجًا لا يغني ولا يسمن من جوع أمامهم، خصوصًا بعد أن قتلوا كل من أراد أن يشذ عن منهج الخنوع الذي يحبه أفراد هذا الجهاز، كان الضباط يتحركون وقد أعدوا لدكتور محمد كمال مصيرًا يشابه الرجال الراحلين حسن البنا وسيد قطب ومحمد كمال الدين السنانيري – رحمهم الله أجمعين -.
وفي أحد الشوارع الهادئة بمنطقة بحي المعادي، ومع دخول الليل يفاجأ سكان المنطقة بانقطاع الكهرباء عن المكان، لتقتحم الشارع بعدها مجموعة من السيارات ويتم القبض على رجلين، وقت بطيء مر على زوجة أحد الرجلين قبل أن تسمع صوت بضعة طلقات تنطلق لتدرك النهاية.
قام عملاء الأمن الوطني بتركيع الرجلين: الدكتور محمد كمال والأستاذ ياسر شحاتة، ليسحب أحد الضباط مشط سلاحه ويطلق الرصاص على رأس الرجلين، ليترجل فارسان من فرسان الإسلام وأهله.
وبينما أعلنت جريدة اليوم السابع مساء يوم الثالث من أكتوبر عن القبض على الرجلين عادت بعدها لتعلن يوم 4 أكتوبر أن الرجلين قد تم تصفيتهما بعد مواجهات مع الأمن.
وبينما تسيل الدماء من رأس الرجلين، كان من يستقبل الخبر ما بين شامت معلن وشامت خفي، ومصدوم وحزين ومكلوم، وكان شباب جماعة الإخوان المسلمين ورجالها ونسائها مذهولين، فهذا هو الرجل الذي أعلن طواعية عن تخليه عن مناصبه ورغم ذلك تمت محاربته ومنهم من كان يدعو عليه وكان يتم تشويه صورته في بعض الأسر الإخوانية، ورمي في بعض مجالس الكبار بكل نقيصه، ومن كان في الإخوان يعلم هذا أكثر مني، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي قبل الحادثة هي خير دليل على بعض الاتهامات التي كيلت للرجل.
ولكن كل هذا قد توقف الآن بقتل الرجل، وبينما كانت صدور الكثير من الرجال تفور غضبًا، كنت أنظر لما حدث بأنه الرسالة الربانية الأخيرة لمن كان في قلبه ذرة من إيمان ومن كان لديه عقل، وكنت أتساءل هل سيجعل الرجال من دماء هذا الرجل خير سقيا لنبتة أرادها ألا تكون خانعة، لدين يراد له كل العز؟
إسطنبول، تركيا
مسجد الفاتح، يوم الأربعاء 5 أكتوبر
يدعو إخوان الخارج لصلاة الغائب على الدكتور محمد كمال والأستاذ ياسر شحاتة، ظن البعض أن الدماء ستفيق، يجتمع الفريقان من جماعة الإخوان المسلمين، يدخل أستاذ محمود حسين وحزبه فلا يسلم على دكتور أحمد عبد الرحمن وحزبه، يقف الدكتور يوسف القرضاوي في المنتصف ليصلي بالجميع، يصطف الجميع خلفه أمام ربهم، ولكن لا تصطف قلوبهم، تلقى الكلمات بعدها فينصرف فريق غاضبًا لما حدث.
وبينما كان صديق لي يرسل لي رسائلًا عن حال الإخوان بعد مقتل الدكتور محمد كمال، منبهًا لي أن هذه لحظة فارقة إن لم يدركوها فسيتمكن الأمن المصري من رقاب أبناء الثائرين من تلك الجماعة، كنت أود أن أرد عليه بالخير، ولكن.
وبينما لم تجف دماء الدكتور محمد كمال بعد في قبره، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين شباب الفريقين من أبناء الجماعة حول حادثة صلاة الجنازة وما حدث فيها، وبدلاً من أن يكون الحديث كيف يكون القصاص، صار الحديث من كان المخطئ في حادثة صلاة الجنازة.
وبينما كان هذا هو حال أبناء جماعة الإخوان المسلمين، كان اللواء محمود عبد الحميد شعراوي رئيس جهاز الأمن الوطني يبتسم بمكتبه المحصن في مبنى جهاز الأمن الوطني الجديد وهو يقرأ تقرير يرصد ردود الأفعال تلك، كان مبتسمًا وهو يظن أن دماء محمد كمال قد ضاعت مثلما ضاعت دماء المجاهد محمد كمال الدين السنانيري.
أتعلمون ما المؤسف في هذا المقال؟
إنني اضطررت لكتابة هذا المقال وأنا لست من الإخوان ولم أنتم لها يومًا فكريًا أو تنظيميًا، بل وكنت من صغري لا أحب منهج الإخوان خصوصًا وقد نشأت وفدي الهوى قبل انكشاف خداعي فيهم.
اضطررت لكتابة هذا المقال، بعدما رأيت دماء الدكتور محمد كمال لم تجف بعد، بينما تناسى الإخوان وأبناؤهم هذا وانشغلوا في صراعات أخرى.
أتابع تلك المعارك التي لم تنعقد لدين الله ونصرته ونصرة المستضعفين من النساء والولدان، وأنظر إلى دماء الدكتور محمد كمال ورفيقه التي لم تجف بعد، وأشعر بالغضب والاشمئزاز، فهل تشعرون؟
ما الحل إذن؟
الحل أن تنظروا إلى درب أخيكم وتدرسوه وتعملوا به، وأنتم تعلمون دربه وتعلمون لماذا قتل، ووالله إنهم لأحيوه من حيث لا يعلمون، فإن أردتم أن تميتوه أنتم، فتخلوا عن دربه وميلوا لأصحاب الخنوع والمذلة ممن يظنون الإصلاح وهم يفسدون، ولكن هل تفعلون؟
اقيموا سرادقات عزائكم بأن تعملوا على نهج دكتور محمد كمال، وأن تعلوا إسلامكم فوق كل جماعة تحبونها لأنكم منها أو تكرهونها لأنها ليست منكم، ولتستعيد أمتنا مجدها بأن نمد أيدينا بيد بعض، نشد أزر بعضنا البعض، ونحن نحتسب ونصبر ونستبشر بقلوب قد تحابت في الله وأخذت بالأسباب، فوالله إن دين محمد ليشتاق لنا جميعًا كمسلمين لا كإخوان أو سلفيين أو تبليغيين أو غيرها من المسميات.
ووالله إن دين محمد ليشتاق لنا كمسلمين دون مسميات أدنى فرقتنا كثيرًا، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته، قائلًا: “إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ”.
وختامًا إلى أخوتي الشباب والرجال والنساء من المسلمين، أحسن الله عزائكم في الدكتور محمد كمال بأن تكونوا خير خلف له.
اللهم نسألك أن ننصرك لتنصرنا، ونعوذ بك من أهل الإرجاء والانبطاح، ونعوذ بك من خائن بين الصفوف يمنح أكتافنا لأعدائنا، ونعوذ بك ممن ادعى الإسلام وهو لا يظن في اتباعه واتباع أوامرك إلا كل شر، ونعوذ بك من عالم سوء وعالم سلطان، ونعوذ بك من غضبك علينا، ونعوذ بك من الهم والحزن والكفر، ونعوذ بك من شقاء الاستبدال.