العمارة هي مكون مصنوع للناس، لذلك فإن مفهوم حرية الفكر والرأي لهو واحد من أهم المفاهيم التي تحتاجها العمارة، لأن العمارة تخاطب الناس حيث يخبرها المستخدم، يتفاعل معها ويتأثر بها، وقد يكون ذاك سببًا يشجع التشاركية بين الدولة والمواطنين في اتخاذ القرارات المعمارية سواء بالسلب أو الإيجاب مما يرجع إلى عدة عوامل مثل ثقافة المستخدم ومعايير اتخاذ قراره وخلافه، ومن أشهر الأمثلة التي يمكن أن نراها موضحة لتلك الفكرة هي قرية القرنة المصممة بواسطة المعماري الشهير حسن فتحي – رحمه الله-.
صورة صارخة توضح الفارق بين العمارة المخاطبة للإنسان وبين العمارة اللا إنسانية
وإذا نظرنا إلى العلاقة بين الدولة والعمارة خلال تاريخ مصر الحديث منذ عام 1952 إلى يومنا هذا، سنجد تنوعًا مختلفًا، وتفاعلاً مُفاجئًا وتأثيرًا سياسيًا عميقًا على العمارة وعلى المُخرج العاطفي المرجو صبه على الشعب.
فحالة مصر خاصة بما تمتلكه من تراث معماري تقليدي غني، ولكن بعد سقوط النظام الملكي وصعود النظام الجمهوري بمصر، تميزت الممارسة المعمارية بمصر بالازدواجية الفكرية والفوضي الأيدلوجية والتي حاولت دفع المواطن المصري من تراثه الخاصة إلى عمارة مستوردة لم يعتد أن يرها أو يخبرها من قبل، مما أدى إلى إرباك ذلك المستخدم البسيط خاصة الطبقة المتوسطة منهم.
ومنذ عام 1952 إلى نهاية عهد جمال عبدالناصر، بعد تأسيس الجمهورية، ارتفع التوجه السياسي الاشتراكي، مما أدى إلى علاقات سيئة مع الدول الرأسمالية بالعالم وعلاقات جيدة مع الدول الشيوعية منها، مما أدى إلى استيراد نماذج من ذلك الجزء الشيوعي من العالم، وفى الوقت ذاته، أممت الحكومة العمارة والعمران، مما أشعر الناس بأن العمارة ليست ملكًا لهم، وهذا ما جعلهم يرغبون في الهروب إلى العمارة التقليدية القديمة أو على الأقل يدعون إليها، ونرى ذلك بوضوح عند هدم الحكومة منازل النوبيين بعد بسبب بناء السد العالي ومشاعر الشعب النوبي تجاه ذلك.
بعد حرب 1973 وصل التأثير الاشتراكي إلى نهايته، وبدأت السياسة الرأسمالية تظهر على الساحة، مما صاحبها تغير فكري في بعض الأفكار المنتشرة كالتحرك تجاه المذهب العملي، وتبنت الأيدلوجية المصرية مفاهيم جديدة كالاشتراكية والليبرالية والديمقراطية، وتحول نظام البنّاء الأوحد إلى مجال مفتوح مما أعطى الفرصة للمعماريين المصريين من مجرد الاستقبال السلبي للعمارة المستوردة إلى المشاركة والتكامل بين التقليدية والتيارات الغربية؛ مما جعل البعض يشعر بأن تلك العمارة بدأت في الاقتراب نحوهم، وسواء كانت تلك الممارسات الظاهرة حديثًا من محاولات الدمج أو التطوير تلك معالجات سطحية أو ناجحة، فإن مجرد المحاولة هنا يعكس التغير المصاحب للتغير الأيدلوجي للحكومة آنذاك. ومما يُظهر ذلك التعبير عن التوجه الاشتراكي للدولة داخل الإطار الحداثي كاستيراد طُرز معمارية كالعمارة الوحشية.
العمارة الوحشية
العمارة الوحشية هي نمط معماري ازدهر فى فترة الخمسينيات وتمثل فى المباني الحكومية والمساكن الشعبية وحتى المباني التعليمية. وقد سُمي ذلك النمط بالوحشية لأنها مشتقة من الكلمة الفرنسية “الخرسانة الخام” –بروت- ، ومن أهم ما يميز تلك العمارة كما يمكن بسهولة ملاحظته من مباني تلك الفترة –التي لازالت مستمرة الى يومنا هذا مع الأسف في مصر- قيامها على تكرار الجزء فى كل المبنى.
بعد حرب 1973 وصل التأثير الاشتراكي إلى نهايته، وبدأت السياسة الرأسمالية تظهر على الساحة، مما صاحب تغير فكري في بعض الأفكار المنتشرة كالتحرك تجاه المذهب العملي، وتبنت الأيدلوجية المصرية مفاهيم جديدة كالاشتراكية، الليبرالية والديمقراطية، وتحول نظام البنّاء الأوحد الى مجال مفتوح مما أعطى الفرصة للمعماريين المصريين من مجرد الاستقبال السلبي للعمارة المستوردة إلى المشاركة والتكامل بين التقليدية والتيارات الغربية مما جعل البعض يشعر بأن تلك العمارة بدأت فى الاقتراب نحوهم، وسواء كانت تلك الممارسات الظاهرة حديثا من محاولات الدمج أو التطوير تلك معالجات سطحية أو ناجحة، فان مجرد المحاولة هنا يعكس التغير المصاحب للتغير الايدلوجي للحكومة انذاك.
النقطة هنا أن المشهد يسوده هذه الفوضى الناتجة عن عدم وضوح المراد بـ “الهوية المصرية المعمارية”، ولذلك السبب يحاول كل معماري مصري حريص على إحياء تلك الهوية على محاولة تفسيرها من وجهة نظره أو أيديولوجيته الشخصية؛ فنجد بين حين وآخر أن البعض استدعى تكوينات فرعونية سطحية ليزين بها واجهات تصاميمه والبعض الآخر يزينها بالتشكيلات الهندسية الإسلامية وآخرون يستلهمون عمارة حسن فتحي ليقلدونها تقليدًا أعمى دون أي إبداع أو تجديد.
استرجاع الهوية يتطلب فهمًا عميقًا وشاملاً للمسبب والسبب والحلول المطروحة ومحاولة تطبيق الطرق المُتبعة لمواجهة المستجدات الطارئة على الساحة، وإلا فإن كل محاولة قد تنتهي إلى تقليد سطحي كما نرى فى الكثير من الأمثلة الموجودة في شوارعنا.
المشكلة أيضًا، أنه خلال فترة الديكتاتورية، وجدنا أن الحس الشعبي قد تشوه، وبعيدًا عن التطرق لأسباب ذلك التشوه، فإن حرية الفكر والتعبير هنا قد يكون من الأفضل لها أن تُقيد إلى حد ما لحفظ مقصودها، لذا فإن إعطاء الفرصة الكاملة للبناء الحر دون أي تقييد أو متابعة قد يؤدي إلى فوضى مفزعة في مجال العمارة والعمران، كما نرى الآن فى مصر، لذلك فإن الحل باختصار أن تكون العلاقات المنظمة للعمارة متوازنة بين الدولة والمواطنين، آملين فى خلق عمارة معبرة عن الثقافة والتراث المصري من جديد.