ترجمة وتحرير نون بوست
قررت الولايات المتحدة التدخل في أفغانستان في خريف سنة 2001، وقد بدت دوافع وأهداف ذلك التدخل واضحة. وكان الرئيس السابق جورج بوش قد تحدث للصحفيين بتاريخ 11 أيلول/سبتمبر قائلا؛ “لن نخطئ، ستلاحق الولايات المتحدة المسؤولين عن هذه الهجمات الجبانة وستقوم بمعاقبتهم”. وفي غضون أيام معدودة، بدأت القنابل الأمريكية تمطر في سماء كابول، وقندهار، وجلال أباد في محاولة للقضاء على أسامة بن لادن وعلى حركة طالبان التي تقوم بحمايته. وبعد بضعة أسابيع، سقطت كابول في أيدي قوات التحالف، وأصبحت حركة طالبان تحت التهديد مما أدّى إلى هروب عناصرها. والجدير بالذكر أن حامد كرزاي أدى اليمين الدستورية بعد تنصيبه زعيما للحكومة الانتقالية الجديدة، وقد تم اعتبار كل هذا انتصارا سريعا كان مضمونا مسبقا.
الآن، وبعد 15 سنة من بداية التدخل الأمريكي في أفغانستان، تحول هذا التدخل إلى أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة. وقد أدت هذه الحرب إلى وفاة ما لا يقل عن 2300 جندي أمريكي، وكلفت الحرب البلاد حوالي 686 مليار دولار، وهي أموال دافعي الضرائب الأمريكيين. وخلال حملته الإنتخابية، تعهد أوباما بأنه سيعمل على “إنهاء الحرب”. لكن عوضا عن ذلك، قاد حربا كانت توصف بالسيئة وأصبحت توصف بالكارثية. ووفقا للمفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، فإن حركة طالبان استعادت قوتها هذه السنة في حين أن الحكومة في كابول أصبحت أكثر ضعفا. والجدير بالذكر أن أوباما أعلن في تموز/يوليو الماضي، أنه سيترك حوالي 8400 جندي في أفغانستان. وبالتالي، من الواضح، أن الولايات المتحدة بصدد التراجع.
لم يتوقع أحد، عندما بدأ الصراع، أن الولايات المتحدة ستعلق في حرب طويلة قد لا تكون لها نهاية حيث كان من المفترض أن تكون مهمة الولايات المتحدة في أمريكا محدودة؛ وهي الذهاب إلى أفغانستان، والتخلص من “الأشرار”، ثم الخروج من هناك. وقد صرّح نائب الرئيس ديك تشيني بتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2001، أنه “لأول مرة في التاريخ، سنعاني من خسائر في الولايات المتحدة أكثر حتى من الخسائر التي سنشهدها منها في الخارج“.
لكن سرعان ما تغير مجرى الحرب؛ فبعد شهر واحد من بداية الحرب، قالت السيدة الأولى السابقة لورا بوش إن “الحرب ضد الارهاب هي أيضا معركة من أجل “حقوق المرأة وكرامتها”. وقد ألهمت بخطابها عديد المبادرات المرتبطة بالمساواة بين الجنسين. وبذلك أصبحت العشرات من النساء الأفغانيات تشتغلن في وظائف هامة في مجال الطيران وأيضا في الشرطة والجيش وفي مجال القضاء والتعليم. كما تمكنت ملايين الفتيات الأفغانيات من العودة إلى المدرسة. ومع ذلك، فإن النساء الأفغانيات لا زالن يتعرضن للرجم حتى الموت، ولهجمات باستخدام الحامض أو للضرب من قبل الأقارب. ووفقا لتقرير صادر عن الحكومة البريطانية، تم تسجيل أكثر من 5000 حالة عنف ضد النساء الأفغانيات، بما في ذلك 241 عملية قتل، وتتعلق هذه الإحصائيات بالنصف الأول من هذه السنة.
وقد قامت كل دولة من بلدان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالعمل على مشروع ما لغاية إعادة إعمار أفغانستان. وقد كُلفت ألمانيا مثلا بالعمل على إصلاح الشرطة، وعملت إيطاليا على إصلاح نظام العدالة. كما تم تكليف المملكة المتحدة بمكافحة انتشار المخدرات. لكن هذه المشاريع اتسمت باختلاف واضح في الطرق التي انتهجتها الدول المسؤولة عنها. وفي هذا السياق، صرّح كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، تيمور شاران، أنه “عوض الاستجابة لاحتياجات السكان، استجابت المشاريع لأهداف وجداول أعمال الدول الراعية”. والجدير بالذكر أن أفغانستان شهدت انتشارا واسعا للفساد في صفوف الشرطة والقضاء، كما لا تزال تعدّ المنتج الأول للأفيون.
بعد سنوات الحرب الطويلة، لا تزال أفغانستان هي المنتج الأول للأفيون في العالم
أنفقت الولايات المتحدة حوالي 113 مليار دولار في إطار جهودها لإعادة الإعمار؛ حيث عمدت إلى بناء المدارس وإرساء شبكات الري وتمويل حملات مكافحة الفساد. في المقابل، أهدرت مليارات الدولارات على مشاريع لم تكتمل ومشاريع أخرى باءت بالفشل. وعادة ما تفشل المشاريع في المناطق الريفية في أفعانستان والتي يعيش فيها 70 في المائة من السكان. كما أن النسبة الكبرى من الأموال تم ضخها في المناطق الحضرية، على حساب المناطق النائية، مما أثار استياء عديد السكان، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حدة الحرب الأهلية. ففي قندهار، على سبيل المثال، تم التركيز على ضمان الأمن والاستقرار في المدينة، وذلك على حساب المناطق الريفية التي عادة ما يتعرض سكانها للتمييز من قبل الشرطة، خاصة من قبل قائد الشرطة عبد الرازق الذي اتُّهم أنه يدير دولة بوليسية.
والجدير بالذكر أنه في أيار/ مايو من سنة 2003، سافر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى كابول وأعلن أن العمليات القتالية الرئيسية في أفغانستان قد انتهت رسميا. وفي ذلك الوقت، كان هناك حوالي 8 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان. لكن مع تدهور الأوضاع، تم تعزيز التواجد الأمريكي على الأراضي الأفغانية. وبحلول سنة 2007، بلغ عدد الجنود الأمريكيين في أفعانستان حوالي 25 ألف جنديا. لكن ارتفاع عدد الجنود، جعلت الأوضاع أكثر سوءا. أما سنة 2008، فقد كانت الأكثر دموية منذ بداية الحرب حيث لقي أكثر من 150 جندي أمريكي حتفهم. كما قُتل ما لا يقل عن 2000 مدني أفغاني في غارات جوية قادتها قوات التحالف. وفي السنة الموالية، وبعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة، أرسل أوباما حوالي 22 ألف جندي آخر لأفغانستان، ليصل العدد الجملي للقوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان إلى أكثر من 50 ألف. وفي كانون الأول/ديسمبر من نفس السنة، أعلن أوباما أنه سيضيف حوالي 30 ألف جندي. وقد بلغ عدد الجنود الأمريكيين المتمركزين على الأراضي الأفغانية، بحلول شهر آب/أغسطس سنة 2010، 100 ألف جندي.
في المقابل، استغل الأفغان تواجد القوات الغربية لتسوية مشاكلهم الخاصة. فقامت عشيرة الاكوزاي بإقناع القوات الأمريكية بالقضاء على عشيرة شوواكازي مدعين أنهم موالون لحركة طالبان. وفي نهاية سنة 2014، أعلن أوباما انتصار القوات الأمريكية في أفغانستان. وتحدث عن ذلك قائلا؛ “لقد اقتربنا من نهاية أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية” وعلى الرغم من استمرار تواجد القوات الأمريكية، إلا أن وسائل الاعلام لا تولي أهمية للحرب. فحاليا لا يوجد عدد كبير من المراسلين الذين يعملون بدوام كامل في كابول مقارنة بعدد المراسلين خلال ذروة الحرب. وقد أغلقت شبكات التلفاز الرئيسية مكاتبها وغادر الصحفيون أفعانستان، خاصة بعد أن تدهور الوضع الأمني، الأمر الذي جعل مهمتهم محفوفة بالخطر. أما الأجانب الذين كانوا يقيمون في أفغانستان، فقد قرروا مغادرتها. وانتقل، أولئك الذين فضلوا البقاء، إلى العيش داخل المنطقة الخضراء التي تقع في كابول. وتجدر الإشارة إلى أن كل السفارات والهيئات الحكومية توجد داخل هذه المنطقة.
لا زالت أفغانستان تعاني من عديد الأزمات. فعلى سبيل المثال، تنامت أعداد سماسرة السلطة من الأغنياء، خاصة بعد أن أصبحت عملة الدولار تتدفق داخل أفغانستان دون أية مراقبة، الأمر الذي ولّد سخطا داخل الشعب الأفغاني، وهو نفس السخط الذي أدى إلى ظهور حركة طالبان. وقد تبين أن وزارة الدفاع غير قادرة على فرض الأمن، على الرغم من أنها تحصلت على دعم أمريكي بأكثر من 68 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب. فمثلا، عندما فرضت حركة طالبان سيطرتها على قندز، تراجعت القوات الأفغانية بشكل جماعي. كما أصبحت لاشكار جاه، عاصمة ولاية هلمند، على مشارف أن تحتلها حركة طالبان. في المقابل، لا تسيطر الحكومة الأفغانية إلا على ربع المحافظة حيث تم ترحيل ما لا يقل عن 30 ألف مدني، مما تسبب في أزمة إنسانية وهو ما تحدث عنه عمر زواك المتحدث باسم محافظ هلمند قائلا؛ “سيكون على العائلات والأطفال والنساء النوم في الشوارع الآن. يوجد نقص في الغذاء والمياه الصالحة للشراب”. وتجدر الإشارة إلى أنه في سنة 2009، أي منذ أن بدأت الأمم المتحدة بالاحتفاظ بسجلات تتعلق بالحرب، بلغ عدد القتلى جراء الحرب حوالي 63.934 مدنيا.
قبل أن تبدأ الحرب، كان ملا محمد عمر، الذي كان قائدا في حركة طالبان، قد أخبر مسؤولا باكستانيا أن أسامة بن لادن كان ضيفا غير مرحب به من قبل نظام طالبان. فهو لم يرد أن تتورط حكومته في الجهاد العالمي الذي تورط فيه أسامة بن لادن. لكن “قواعد بشتون للشرف” تفرض على ملا محمد أن يستضيف قائد تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن. وكان محمد الملا قد قال عن أسامة بن لادن “إنه مثل الشوكة في حلقي؛ لا أستطيع أن أبتلعها ولا أستطيع إخراجها”.
ربما بدت أفغانستان “حربا ضرورية” كما وصفها أوباما، حيث كانت أيضا حربا في إطار استجابة قوية لهجمات 11 أيلول/سبتمبر. لكن بعد مرور 15 سنة، تبدو الحرب في أفغانستان كارثة يصعب الخروج منها. فقد قتل أسامة بن لادن منذ 5 سنوات، لكن أفغانستان بقيت كالشوكة في حلق الولايات المتحدة.
المصدر: نيوريبابليك