ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
يقيم العديد من الفرنسيين من أصول مغربية في فرنسا ولقد ترعرعوا وتلقوا تعليمهم هناك. وقد كان بإمكانهم أن يختاروا بين الإقامة في فرنسا إلى الأبد، إلا أنهم قرروا العودة إلى بلدهم وكتابة قصص تحكي نجاحاتهم من هناك. نذكر من بينهم رئيس موقع “يا بلادي”، محمد الزواق، وهو من الجيل الذي يفضل الاستثمار والعيش في بلده الأصلي بفضل الدواعي الاقتصادية التي تمثل حافزا مهما للمثابرة على الرغم من كل العراقيل.
في سنة 2010، تحدّث رجل الأعمال جمال بالحراش في كتابه “أريد المغرب” عن رجوعه للمغرب بعد غياب دام 34 سنة. وأشار إلى أن “إصدار هذا الكتاب هو بمثابة علاج بالنسبة له” مؤكدا أن الرجوع إلى البلد الأصلي لا يجب أن يكون على أساس اعتباطيّ، وإن من يريد خوض التجربة يجب أن يستعد جيدا”.
ووفقا للتوقعات التي أجريت سنة 2013، فإن عدد المغربيين المقيمين بالخارج يتراوح بين 6 و7.5 مليون نسمة، من بينهم 1.5 مليون مقيمون فرنسا، وهم يمثلون جزءا كبيرا من اهتمام المملكة المغربية مما جعلها تنظم معارض عدة في فرنسا لتقنع خريجي جامعاتها بالعودة إلى وطنهم. وقد تم بذلك بعث وزارة تعنى “بالمغربيين المقيمين بالخارج”، هدفها تسهيل عودتهم إلى بلدهم.
وبحسب الدراسة التي قامت بها هذه الوزارة، فإنه هناك أكثر من 30 ألف مغربي قد توجهوا إلى المغرب، ومن بين هؤلاء اخترنا ثلاثة أشخاص أظهروا للعالم أن امتلاك ثقافة مزدوجة أمرا ممكنا، بل ومساعدا على النجاح كذلك.
محمد الزواق، مؤسس موقع يابلادي!
وتجدر الإشارة هنا إلى محمد الزواق وموقعه “يا بلادي” يعدّان البوابة الفرنسية نحو المغرب، حيث يحتوي موقعه على قرابة 400 ألف عضو و6 مليون زائر ونحو 14 مليون صفحة تتم زيارتها شهريا. وأصبح بذلك أول موقع يلم شمل المغربيين المقيمين بفرنسا. والجدير بالذكر أن محمد الزواق تحدث عن أصوله المغربية؛ فهو من قرية صغيرة قريبة من إقليم تاونات، وقال “ذهبت إلى فرنسا صحبة عائلتي وأنا لم أتجاوز السنتين من عمري، وكان والدي عاملا في مصنع للبلاستيك في “أويونا” بالقرب من “أين” الواقعة بين ليون وجينيف.
كبر محمد الزواق وهو يرى حلم أبيه بالعودة إلى موطنه يتلاشى أمام عينيه. ولكنه تأقلم وعاش قيم الحرية والتعويل على النفس مدركا لفارق الهوية بينه وبين بلد الغربة، وقال “من حسن الحظ أني كنت أقضي العطلة في المغرب وهو ما عمق صلتي بها”.
حقق محمد نجاحا باهرا في دراساته العليا نظرا لأنه طالب مجتهد لاسيما في الفرنسية. ولكن لأنه من أصول عربية يدرس بمجتمع غربي، فقد كان زملاؤه من الطلبة الفرنسيين ينظرون إليه باستغراب لتحصله على أفضل الدرجات. وقد تعرف هناك على المرأة التي ستصبح زوجته وهي من أصول مغربية مثله ولديها شهادة جامعية في علوم الحاسوب.
كما صرّح محمد إنه بدأ مسيرته المهنية في باريس بنجاح، وقال إن كل شيء سار بشكل جيد حتى تعرض إلى صدمة كبيرة يوم 11 أيلول/سبتمبر، وكان عمره حينها 23 عاما، عندما دخل أحد زملائه قاعة الاجتماعات وقال لهم افتحوا التلفاز لمشاهدة أخبار التفجيرين في برجي التجارة العالميين، في الأثناء قام أحد الحاضرين في الاجتماع وتوجه له وشتم العرب ناعتا إياهم “بالمقرفين”.
ومنذ ذلك اليوم، قرر محمد أن يعيد الاعتبار للمغربيين وذلك عبر إنشاء موقع يمكنهم من استعادة هويتهم المغربية بعيدا عن التعصب العرقي. وكانت هذه الحادثة الحافز الأكبر في جعله يشد الرحال نحو الدار البيضاء، حيث وجد صعوبة في التأقلم أول وصوله في 4 كانون الثاني/ يناير إلى منزل أقاربه، خاصة بعدما أحس بأهمية التحدي نظرا لصعوبة الاندماج.
لم يسبق لمحمد أن فهم الحاجة إلى الاندماج التي رآها ضرورية عندما كان مقيما في فرنسا، فهو يعتبرها موطنا له، ولكنه أدرك أهمية ذلك حين وجد صعوبة في التأقلم في وطنه الأم، ذلك الشعور الذي رافقه طيلة تسعة أشهر، إلا أنه سرعان ما تكيف مع الوضع هناك.
ومن بين الفرنسيين من أصول مغاربية الذين اختاروا العيش في المغرب وحققوا نجاحات، مريم الشرقاوي، التي غادرت الرباط لدراسة الطبخ في فرنسا في معهد “بول بوكوس”. وفي هذا السياق صرّحت الشرقاوي، “أنا لم أرغب في البقاء في الهياكل الكبيرة الموجودة هناك، وكنت أفكر دائماً في العودة إلى البلاد لكن عملي الخاص لم يسمح لي بذلك”.
وفي سنة 2000، عادت مريم إلى المغرب برتبة رئيس الطهاة الشباب، حيث استثمرت، لمدة عام، في مطعم اسمه الدار الذواقة الذي يقع في الدار البيضاء موضحة أن هذا لم يكن بالأمر الهيّن.
وأضافت الشرقاوي أنه من واجب قائد الفريق أن يشرح كيفية تقديم وتلبية متطلبات النظافة وخدمة الزبون. وفي هذا السياق صرحت؛ “ذهبت لأرى كيف تزرع المنتجات، لتحسينها. وكان ذلك صعبا، ولكن لا أشعر بأي ندم، لقد تعلمت الكثير، والآن لست خائفة من أي شيء. كما أصبحت لديّ خبرة تتمثّل في طريقة المزج بين النكهات الفرنسية ونكهات من بلدي المغرب”. وبمثل هذا الاجتهاد، نالت الشرقاوي النجاح والتقدير.
وكحال معظم أصحاب المشاريع، لا تتوقف مريم الشرقاوي عند هذا الحد، فقد باعت المطعم الخاص وأصبحت تعمل مدربة في قصر الطهاة، وطورت من مشاريعها من بينها تصدير السلع الفاخرة، ليتم التبرع بكل الأرباح إلى التعاونيات النسائية.
وفتحت مريم مؤخراً سلسة من المطاعم تحت اسم “التوقيع”، في “ميلان” فضلا عن سلسلة من مطاعم “ماندارين أورينتال” في مراكش. ونسبت نجاحها في المقام الأول إلى حبها لبلادها.
كذلك تجدر الإشارة إلى مهدي عليوة البالغ من العمر 40 سنة وهو دكتور في علم الاجتماع وأستاذ باحث في مدرسة “العلوم السياسية” بالرباط يرغب بشدة في البقاء في المغرب مؤكدا ذلك عندما قال “كنت دائما أقول أنني سأعود للعيش في بلادي”.
لقد قضى عليوة حياته في السابق بين البلدين، حيث عاش أول ستة سنوات من حياته في مدينة “مونبيليه” الفرنسية وقال؛ “لقد تعرضت للضرب باستخدام المسطرة خلال دروس اللغة العربية وتلك كانت أول صدمة في حياتي”.
بعد ذلك قضى شبابه في المغرب إلى أن بلغ 18 سنة من عمره وقال “لم تكن عندي الرغبة في الذهاب لكنه كان قرارا متسرعا. والجدير بالذكر أنه إذا ما أردنا الحديث عن السياسة أو الجنس أوعن مكانة المرأة، فعلينا أن نخفض أصواتنا” ثم عاد من جديد لفرنسا ليقضي فيها 15 سنة في الدراسة والنشاط السياسي إلى أن انضم سنة 2006 لجمعية تدافع عن حقوق المهاجرين. كما أنهى دراسته بأطروحة في علم الاجتماع بعنوان “جنوب الصحراء الكبرى المغربية”. ولقد كان قد عقد العزم عندما عاد لفرنسا ألا يعود للمغرب “ولكن لم يكن له فرصة هناك في فرنسا”. لذلك قرر العودة للمملكة.
بعد مرور عدة سنوات، تلقى مهدي هاتفا يتعلق بعمله الحالي في جامعة الرباط. فقرر العودة للمغرب صحبة زوجته وبناته بهدف الحصول على الاستقرار. وفي هذا السياق، صرّح مهدي “كنت خائفا من صعوبة وجود عمل في مجال اختصاصي أي في أحد الوزارات، لكنني أحس بالاحترام بما أنني راض عن عملي في الجامعة”.
وعندما سُئل مهدي عن رأيه في قضية الهجرة، أجاب قائلا “أعتقد بأنه أمر مبالغ فيه، فالمهاجرون المغاربة كثيرا ما يأخذهم الحنين لوطنهم الأم على الرغم من أن القليل من الفرنسيين من أصول مغربية يفضلون العيش في المغرب. وقد سألت بعضهم عن المكان الذي يريد أن يدفن فيه فيجيبون في “المغرب”.
المصدر: لوموند