الأسطورة دائمًا هي الجزء الذي يربط الحقيقة بالخيال، لا أحد يعرف إن كانت الأساطير حقيقية أم خيالية؟ إن كانت تمس الواقع أم نسج من الخيال؟ وواحدة من تلك الأساطير أسطورة “سفينة الهولندي الطائر” التي ألهمت العديد من كتاب الأعمال الأدبية وصناع السينما العالمية، الأسطورة التي ظهرت حتى الآن في اثنين من الأعمال السينمائية العظيمة وهما: قراصنة الكاريبي: صندوق الرجل الميت “Pirates of the Caribbean: Dead Man’s Chest” وقراصنة الكاريبي: على حافة العالم “Pirates of the Caribbean: At World’s End“، ومؤخرًا تم الإعلان الرسمي لفيلم قراصنة الكاريبي: الرجل الميت لا يحكي الحكايات “Dead Men Tell No Tales“، وفي هذه السلسلة يقوم الممثل المبدع جوني ديب بدور القرصان كابتن جاك سبارو، الذي يكون في عداوة مع الكابتن ديفي جون المصاب بلعنة الإبحار إلى الأبد مع طاقم من الموتى الأشباح وعدم القدرة على لمس المعمورة وأصبح رجلاً خالدًا لا يهزم، إذا طعنته لن يموت إلا إذا عثرت على قلبه المخبأ في الصندوق وطعنته فيه.
لكن انتظر لحظة، سفينة الهولندي الطائر لا تبحر بدون قائد، فمن يقتله سوف يحل محله على الهولندي مصابًا باللعنة إلى الأبد، حيث إن طاقم الهولندي دائمًا ما يرددون في الفيلم:
(Part of the crew .. Part of the ship)
(جزء من الطاقم.. جزء من السفينة)
ويمكن القول أن الأسطورة في الفيلم تمثل فقط 60% من الأسطورة الحقيقية التي طالما أرعبت البحارة في الماضي وربما ما تزال ترعب البعض حتى الآن.
الأسطورة بشكل تفصيلي
الهولندي الطائر هو اسم القبطان لا السفينة، وتم نسبته للسفينة لأن اللعنة حلت على القبطان وأصبح مرتبطًا بالسفينة، حيث إن سفينة الهولندي الطائر سفينة عاتية، تشق الأمواج وتقتحم العواصف بأخشابها، وظلت السفينة لمدة قرنين من الزمن تبحر وتشق طريقها بين الأمواج.
أما عن أصل الأسطورة توجد الكثير من الأقاويل التي تفتقد عادة إلى الشهود أو إلى الدقة، فقيل إن الهولندي الطائر أبحرت من النرويج ـ أو إليها ـ فاعترضت طريقها عاصفة هوجاء، ولكن كابتن السفينة لم يول لها اهتمامًا ولم يلتفت إلى تحذيرات البحارة، واخترق العاصفة بدون أي تردد.
وبينما هو في السفينة سمع صوت الشيطان يحدثه، ويقال إن الكابتن أجابه بأنه سوف يمر من العاصفة حتمًا، ولو كان هذا آخر يوم بعمره، ولكن الشيطان لعنه بألا يرسى على الشاطئ أو يلمس المعمورة، ولكي تتركه اللعنة ويستطيع الموت في سلام كان عليه أن يجد امرأة تحبه، ولكن كانت هناك امرأة سمعت عنه وأحبته، ولكنها كانت موعودة بشخص آخر، فألقت بنفسها في المياه وغرقت، وعرف الهولندي أنه لن يلمس اليابس مجددًا وعلق مع الأشباح.
وهناك بعض من القصص الأخرى، وهي أن السفينة كانت في رأس الرجاء الصالح وقابلتهم عاصفة هوجاء تهددهم بالموت وثار البحارة ونصحوه بالابتعاد والانعطاف نحو المعلوم من الاتجاهات، فقد كان الانعطاف بمثابة الأمل الأخير لهم، ولكن الكابتن كان سكرانًا وما زال يغط في أمواج افتراضيه غير أمواجه، ولا يقدر حجم المسؤولية الموضوعة على عاتقه، والخطر الموجود أمامه وعواقب الإقدام عليه، وقرر أن يقتحم المجهول بقوته، وأمر بزيادة السرعة نحو العاصفة، وعند الاصطدام مات كل البحارة، ما عدا الهولندي الذي سمع صوتًا عاليًا يخترق أذنيه ويقول: أنت رجل عنيد، فقال الكابتن: أنا لم أطلب منك السلام، أنا لن أطلب أي شيء قبل أن أقتلك.
ورفع الهولندي المسدس موجهًا فوهته ناحية مصدر الصوت، ولكن المسدس انفجر في يده، ونتيجةٌ لذلك أصيب بلعنه الإبحار مع طاقم من الأشباح إلى الأبد، وألا يلمس المعمورة أبدًا.
وهناك قصة أخرى تقول إن القبطان باع روحه إلى الشيطان، ونتيجة لذلك حكم عليه بالإبحار على هذه السفينة إلى ما لا نهاية، ومنذ هذا الوقت لم تنته القصص المرعبة للقراصنة التي تجعل أقوى الرجال يبكي كطفل صغير، وتقشعر أبدانهم من الخوف كأنهم في منتصف شتاء قارص.
فكيف لا وقد انتشرت هذه القصص بين البحارة كالنار في الهشيم، وربطها الناس بالشؤم والفقر فكانوا عندما يرون هذه السفينة يتوقعون عاصفة هوجاء تمر في إثرها، أو موتى في طريقها، وقد قال بعض الأشخاص إنهم عندما كانوا يرون هذه السفينة ويقتربون منها، يجدون طاقم السفينة يتوسل إليهم كي يوصلوا بعض الرسائل إلى أهلهم، ولكن عندما يرجع البحارة إلى المدينة ويبحثون عن هؤلاء الأشخاص يجدونهم موتى منذ زمنٍ بعيد.
وهناك بعض الشخصيات الذين زعموا رؤية هذه السفينة، وأشهرهم الملك جورج الخامس عام 1881 وقد كتب في مذكراته أنه قد أبحر في إحدى سفن الأسطول البريطاني، وأنهم شاهدوا قبل الفجر بقليل على بعد حوالي 200 ياردة سفينة متوهجة، وقد شاهدها معه حوالي 13 واحدًا من طاقم السفينة، وعندما أرسل البحارة لتفقدها رجعوا وقالوا إنهم لم يجدوا شيئًا، وهذا أكبر دليل على وجود السفينة الشبح الهولندي الطائر.
تفسير علمي لظاهرة الهولندي الطائر
ظاهرة (فاتا مورغانا) هو اسم إيطالي منسوب إلى الجنية مرجانة التي ذكرت في قصة الملك آرثر، وهي ظاهره بصرية أو وهم بصري، تُعد نوعًا من أنواع السراب، وهي تحدث بسبب تلاقي طبقات الهواء الساخنة مع الباردة، مما يؤدى إلى انكسار الأشعة، وانعكاس الحرارة، فتؤدي إلى ظهور الأشياء بشكل مقلوب، وهذا قد يفسر رؤية بعض الأشخاص لسفينة الهولندي الطائر في البحار.