أعلنت وزارة الداخلية المغربية السبت فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية التي جرت الجمعة بحصوله على 125 مقعدًا من أصل 395، ما يمكنه من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية، بينما حل حزب الأصالة والمعاصرة ثانيًا بمجموع 102 مقاعد.
وبحسب بيان لوزارة الداخلية المغربية، حصل حزب العدالة والتنمية على 98 مقعدًا في الدوائر الانتخابية المحلية و27 مقعدًا على اللائحة الانتخابية الوطنية، مجموعها 125 مقعدًا، وتلاه خصمه الرئيسي حزب الأصالة والمعاصرة، المحسوب على القصر الملكي، الذي فاز بـ81 مقعدًا محليًا و21 مقعدًا على اللائحة الانتخابية الوطنية.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان من الأحزاب الكبرى التي قادت الانتقال الديموقراطي في المغرب بين الملك الحسن الثاني وابنه الملك محمد السادس، فقد انحدر إلى المرتبة السابعة بـ 14 مقعدًا، تبعه حزب التقدم والاشتراكية بسبعة مقاعد، والحركة الديموقراطية الاجتماعية بثلاثة مقاعد، ثم فدرالية اليسار الديموقراطي بمقعدين، وباقي الأحزاب حصلت على مقعدين.
وبحسب وزير الداخلية المغربي، فقد ناهزت نسبة المشاركة 43% من إجمالي المسجلين، إذ صوت في الانتخابات ستة ملايين و750 ألفًا من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح، وقالت وزارة الداخلية إن عملية التصويت مرت بمختلف أنحاء البلاد في ظروف عادية، حيث تنافس نحو 6990 مرشحًا يمثلون 32 حزبًا سياسيًا، إلى جانب مشاركة مستقلين على 395 مقعدًا في مجلس النواب.
هل يبقى بن كيران “خدوم” للقصر، وفق مبدأ تمسكن حتى تتمكن؟
ينص الفصل 47 من الدستور المغربي على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويرى مراقبون، أنه من الممكن ألا يختار شخصًا آخر بدل بن كيران، لأن بن كيران رجل “خدوم للقصر” بطريقته، لن يتخلى عنه الملك، على حد تعبير أحد الزملاء المغاربة، فلن يجد الملك رئيس حكومة إسلامي مثل بن كيران في سرعة تنازلاته عن كل شيء، وعن بعض الثوابت في حزبه.
وفي تصريح لوكالات الأنباء، قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الإسلامي، عبد الإله بنكيران إن حزبه منفتح على جميع الأحزاب السياسية المغربية باستثناء حزب “الأصالة والمعاصرة” لتشكيل الحكومة المقبلة.
وفي تعليقه على فوز حزبه، قال بنكيران إن حزبه استحق الفوز لأنه “جعل مصلحة البلد فوق كل مصلحة”، وأضاف – في كلمة أمام وسائل الإعلام بمقر حزبه – “الحزب أثبت أن الجدية والصدق والصراحة مع المواطن، والحرص على استقرار الوطن، وجعل مصالح البلد فوق كل مصلحة أخرى، والوفاء للمؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية، كلها عملية تعطي إيجابية ولله الحمد، وهو ما بيّنته هذه الانتخابات”.
هل طرأ تحول في فكر السلفيين المغاربة، فاعتنقوا الديمقراطية لخوض غمار الانتخابات؟
شارك لأول مرة قسم من السلفيين المغاربة في الانتخابات التشريعية، كمرشحين باسم أحزاب مختلفة، فهل الأمر يتعلق بتحول فكري طرأ لدى هذا التيار في علاقته باللعبة السياسية في المغرب؟ أم أن الأمر مجرد استراتيجية للوصول لأهداف مسطرة كما يحلو لبعض العلمانيين قوله في مثل هذه المناسبات؟ وما دام الحكم إسلامي في المغرب وفق نصوص الدستور، و”الخروج عن الحاكم” ممنوع لدى بعض سلفيي العصر حتى و لو كان هذا الحاكم خائنًا للأمة وزنديقًا، فلماذا قبلت بهم الأحزاب الأخرى العلمانية خاصة منها، أن يكونوا في قوائمها؟
ويبرر أحد المرشحين السلفيين المغاربة، وهو من السفليين الذين استفادوا من عفو ملكي في 2011، دعمه لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بكونه “قدم لهم اليد ورحب بهم لدخول معترك الحياة السياسية على أنهم من “لسلفية الوطنية”، علمًا أن كلمة “الانتخابات” في قاموس بعض السلافيين، تعد من المحظورات السبع، فما بالك بالدخول فيها وخوض غمارها، أم فتح لهم الباب فقط لتشتيت أصوات “الإسلاميين” وكسر هيمنة “العدالة والتنمية” على الخطاب الديني، وفق سياسة “فرق تسد”.
نموذج الدولة في الإسلام، تدبير بشري لمرحلة وفق شروط زمانية ومكانية معينة
وهنا يطرح سؤال في جل دول العالم العربي عمومًا، لماذا ترفض السلطة وبعض الأحزاب السماح لترشح إسلاميين “مغضوب عليهم” منذ ربع قرن تقل أو تزيد، للاشتراك في الانتخابات وخوض غمارها كمواطنين لا غير أو مع أحزاب؟ فهل المغاربة وعلمانيوهم وسلطتهم، أكثر “ديمقراطية” وتسامح مع أبناء البلد الواحد، حتى ولو لم تكن لهم نفس المبادئ والقناعات؟ ولماذا هذا التحول الطارئ من طرف القصر الملكي في المواقف نحو “تيار ديني” كالسلفية كان يوصف ولا زال بالمتشدد إزاء اللعبة السياسية؟
إنه تساؤل منطقي يحتاج إلى تفكر وتدبر وإعادة نظر، لأن العالم يتغير في كل ساعة، فما بالكم بقناعات سياسية ظرفية أكل عليها الدهر وشرب، ولأن نموذج الدولة الإسلامية في الإسلام، شكل من أشكال التدبير لمرحلة وفق شروط زمانية ومكانية معينة، والتدبير السياسي اليومي لتسيير الدولة هي قضايا دنيوية موكولة للبشر، والإسلام لا يقدم إلا الخطوط العريضة للمنهج، أما التفاصيل فهي متروكة للبشر، “أنتم أدرى بشؤون دنياكم”، كما جاء على لسان المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه و سلم.
السلطة في المغرب بين إرادتي القصر “الإسلامي” و التيار السياسي “الإسلامي”
ولإن كان في بعض دول العالم العربي، السلطة بين إرادة العسكري والسياسي عمومًا، فإن اليوم أصبح جليًا أن السلطة في المغرب الشقيق بين القصر “الإسلامي” والتيار السياسي “الإسلامي”، وهو ما يلخص إلى حد ما جوهر هذه الانتخابات ورهاناتها الحقيقية الحاضرة والمستقبلية، وهو أن الصراع الحقيقي في هذه الاستحقاقات يدور بين إرادتين: إرادة القصر الملكي الذي يريد الحد من مد إسلامي متنامٍ، وإرادة إسلاميين ممثلين اليوم بالحزب الفائز، حزب “العدالة والتنمية”، يسعون إلى التشبث بقربهم من القصر لضمان وجودهم واستمرارهم كشريك في العملية السياسية، أما الباقي فهو مجرد تفاصيل لتأثيث المشهد.
خلاصة القول كما وصفه الكاتب المغربي علي أنزولا، “أن السلطة التي كانت تتخذ من مواجهة اليسار عقيدة لها للحد من امتداده في سنوات الستينات والسبعينات وحتى ثمانينات القرن الماضي، وعملت كل ما في وسعها لتفتيت أحزابه وإنهاكها وقتلها رمزيًا، تتخذ اليوم من مواجهة الإسلام السياسي عقيدة لها وتعتمد نفس التكتيك لوقف زحفه، لكنها إذا كانت قادرة في الماضي على ضرب اليسار في عمق عقيدته من خلال تغيير المناهج الدراسية آنذاك التي كانت تشجع على تدريس الفلسفة، فإنها اليوم تجد نفسها أمام استحالة القيام بنفس المهمة لأن نفس الأيديولوجية الدينية التي يعتمدها الإسلام السياسي للترويج لخطابه هي نفسها التي يقيم عليها النظام الملكي في المغرب شرعيته، ومهاجمتها من طرف القصر سيكون كمن يطلق النار على قدميه”.
والمرجح أن يؤدي هذا الفوز، الذي رحب به القصر والمعارضة ولو على مضض، طمعًا في استتباب الأمن والسلم في المغرب، لإعطاء دروس للجيران، وبالتالي انحسار الثورات المضادة والانقلابات العسكرية، لتعديل كفة الربيع العربي المائلة وتحقيقه انتصارات مستقبلية وتشكيله ضغطًا على دول مثل مصر وليبيا واليمن وسوريا التي لا زالت تعاني من الفشل المتواصل منذ إجهاض الربيع بالقوة العسكرية.
الانتخابات المغربية درس وضربة موجعة للتيار الانقلابي في العالم العربي
عبر مراقبون عن توقعهم أن يؤدي فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية في الانتخابات المغربية للضغط على أنظمة مصر وبعض دول الخليج التي دعمت الثورات المضادة للربيع العربي، وفشلهم في الإجهاز على التيار الإسلامي عمومًا.
ورغم ما قد يقال محليًا عن هذه الانتخابات، إنها “مفبركة داخليًا ومرحليًا”، فالانتخابات المغربية دوليا، جاءت كضربة موجعة للتيار الانقلابي في العالم العربي المطالب بمحو التيار الإسلامي من الخارطة السياسية، وظهر هذا في تعليقات مستشاري الحكومات والإعلام المروج للانقلابات، وأثبتت أن الإسلاميين والوطنيين عمومًا يفوزون في الانتخابات الشفافة والحرة.
وفي كل الحالات سيجد كلا الطرفين، القصر الملكي وإسلاميو “العدالة والتنمية”، نفسيهما مجبرين في الأخير على التعايش، ليستمر الوضع كما هو عليه الآن، فهل سيستفيد شعب المغرب الشقيق والمؤسسات العمومية من ذلك؟ علمًا أن الوضعية المعيشية للمغاربة حساسة للغاية، والتي جعلت منهم ولا تزال من أكثر المهاجرين للغرب قصد الارتزاق، هذا من جهة، وكذا الضائقة المالية من جهة ثانية، التي أضحت لا تطاق من طرف المؤسسات التجارية المغربية، والتي جعلت ملك المغرب يحرض على فتح السوق للمستثمرين الخواص من الدول الآسيوية تحديدًا بدل الأوروبية كفرنسا على سبيل المثال، التي لا تزال تكيل الصاع صاعين لدول المغرب العربي في معاملاتها التجارية، وتتعامل معها كبقرة حلوب في الضفة الأخرى للمتوسط، كأنها لا تزال تحت وصايتها الاستعمارية، فهل آن الأوان لإعادة ترتيب أمور البيت، قبل أن تأتي العاصفة فتطير بالسقف، فالبيت وما حوى وصبر الشعب وما وعى، يومها لا ينفع صخب القوم ولا ندم سيد القوم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.