لا تزال أزمة السيولة النقدية في ليبيا تخيم على وضع الاقتصاد العام في البلاد في خضم الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة، واعتماد الميزانية على إيرادات النفط بشكل كبير والذي يقارب الـ 97%، فضلاً عن انخفاض الإنتاج بشكل كبير عن الأعوام السابقة.
نقص السيولة عكس الوضع الاقتصادي المترهل في البلاد، حيث تتصاعد أزمة المواطنين المعيشية مع انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص الأدوية وتراجع قيمة الرواتب بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، فالبلاد تعاني من أزمة حادة في توفير السلع والخدمات للمواطنين فضلًا عن التزاماتها الخارجية.
وصلت مدة انقطاع التيار الكهربائي في مناطق غرب ليبيا إلى نحو 11 ساعة يوميًا منذ مطلع الشهر الحالي و7 ساعات في العاصمة طرابلس، كما تعاني الشركة العامة للكهرباء من تأخير في الرواتب للعاملين فيها والبالغ عددهم نحو 47 ألف موظف لما يقرب من 5 أشهر متتالية.
والجدير بالذكر أن الشركة تكبدت خسائر ضخمة بلغت نحو مليار دينار منذ بداية العام 2011 حتى نهاية العام 2013 بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد مما أدى لتعرض مقارها ومواقعها للسرقة والنهب والتخريب.
خصصت أكثر من نص الميزانية في ليبيا لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لسلع وخدمات رئيسية
نقص السيولة المالية في البلاد
سر نقص السيولة المالية في ليبيا يعود إلى الظرف المتعلق بتصدير النفط في البلاد، إذ لا يزال التناحر قائمًا بين الفصائل المتقاتلة على موانئ النفط متمثلًا بين المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس والمؤسسة الموازية لها في طبرق، والذي يحتم إبقاء الإنتاج النفطي في البلاد عند أدنى مستوى له منذ العام 2011 حيث يقف عند حدود 200 ألف برميل يوميًا.
وامتدت أزمة السيولة التي ضربت القطاع المصرفي الليبي بسبب شح الدولار لتطاول قطاعات حكومية ما أدى إلى تعطل مؤسسات إنتاجية وهيئات حكومية الأمر الذي أثر سلبًا على الأوضاع المعيشية للمواطنين.
فالصراع العسكري والنزاعات السياسية والاحتجاجات أدت لانخفاض إنتاج ليبيا من النفط إلى مستويات غير مسبوقة عن مستويات ما قبل 2011 والتي بلغت 1.6 مليون برميل يوميًا.
ولتبيان حجم الانخفاض في إيرادات الميزانية في الحكومة الليبية، فقد سجلت الإيرادات العامة من النفط خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري نحو 3.1 مليارات دولار وهي متدنية جدًا بالمقارنة مع عام 2012 والتي كانت تبلغ في الشهر الواحد نحو 4.5 مليار دولار، في حين سجلت بعض الأشهر في العام الجاري نحو 100 ألف دولار فقط، وتتطلع ليبيا إلى رفع معدلات إنتاجها من النفط بنهاية العام الحالي إلى 900 ألف برميل يوميًا.
وبحسب بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي فإن ليبيا انفقت سنويًا نحو 40 مليار دولار على التزاماتها لداخلية والخارجية وهذا ما جعل العجز كبيرًا في ظل الإيرادات الشحيحة من الموارد النفطية التي تحصل عليها الدولة.
تعتمد الميزانية الليبية في تمويلها على 97% من صادرات النفط
الأخطر في الموضوع أن الوضع المالي والنقدي الليبي دخل “غرفة الإنعاش” حسبما أشار خبراء اقتصاديون، ويحتاج خروجه من الوضع الذي هو فيه عودة تصدير النفط إلى مستوياته المعهودة، وتظهر المشكلة جلية في الإنفاق العام، حيث أخذ بند الإنفاق الجاري حيزًا كبيرًا منه من مرتبات ودعم، وهذا يحتاج إلى مراجعة شاملة وخطة إصلاح تتبناها الحكومة تقوم على الترشيد في الإنفاق وتفعيل البنود الاستثمارية الأخرى التي توفر موارد دخل مختلفة على الحكومة. حيث تخصص أكثر من نص الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من السلع والخدمات الرئيسية من بينها الخبز والوقود والعلاج في المشافي.
الجدير بالذكر أن ليبيا أنفقت ما يزيد عن نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي في 4 أعوام لتعويض تراجع إيراداتها من النفط بسبب الصراع الذي تشهده البلاد، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط العالمية إلى دون 50 دولارًا للبرميل منذ منتصف العام 2014 وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى 39 مليار دولار نهاية العام الماضي مقابل 84 مليار دولار بنهاية 2011 حسب الإحصائيات الرسمية.
تراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى 39 مليار دولار نهاية 2015 مقابل 84 مليار دولار بنهاية 2011.
الدينار الليبي وأزمة المصرف المركزي
كسر سعر الدولار مقابل الدينار الليبي في السوق السوداء حاجز الـ 5 دنانير مقابل الدولار في الأشهر الماضية ويقف حاليًا بالقرب من هذا المستوى عند 4.87 دينارًا للدولار، فيما لا يزال سعره الرسمي عند 1.4 دنانير في المصرف المركزي.
علمًا أن السبب في هذا الارتفاع يعود إلى النقص الحاد في معروض الدولار في السوق، وتوقع محللين أن السعر قد يرتفع إلى حدود 8 دنانير مقابل الدولار إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات العاجلة بخصوص سعر الصرف.
كما سبق لمصرف ليبيا المركزي في طرابلس أن أوقف عمليات مصرفية كعمليات المقاصة بين شرق ليبيا وغربها بسبب رفضه التعامل بالعملات الجديدة المطبوعة في روسيا لصالح مقر المصرف المركزي في البيضاء شرق ليبيا الذي عمد إلى طبع عملة جديدة في روسيا، ما أدى إلى أزمة حادة في المصارف الليبية وتعطيل مصالح آلاف العملاء بعد رفضها من قبل المصرف المركزي في طرابلس، وزاد من حدة تقسيم المؤسسات المالية والاقتصادية في البلاد بدلاً من توحيدها.
أزمة الاقتصاد الليبي هي أزمة مركبة مرتبطة بنقص السيولة وضعف العملة التي تأزمت بعد فقدان الناس الثقة في الجهازالمصرفي في البلاد، وإعادة تلك الثقة مرهون بتراجع سعر صرف الدينار مقابل الدولار وتأزم أوضاع المصارف الليبية، ومن جهة أخرى تنويع إيرادات الميزانية بعيدًا عن النفط وبالطبع الاستقرار السياسي وتوقف الاقتتال العامل الأكيد في عودة استقرار الاقتصاد الليبي.