نقلت وكالة أنباء رويترز عن مسؤول حكومي مصري قوله: “إن شركة أرامكو الحكومية السعودية “أكبر شركة نفطية عالمية”، أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية “شفهيًا” في مطلع شهر أكتوبر الحالي بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية.
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه في اتصال هاتفي مع الوكالة: “أن شركة أرامكو أبلغت الهيئة العامة للبترول مع بداية الشهر الحالي بعدم قدرتها على إمداد مصر بشحنات المواد البترولية”.
بموجب الاتفاق تشتري مصر شهريًا منذ مايو الماضي من شركة أرامكو 400 ألف طن من السولار و200 ألف طن من البنزين و100 ألف طن من زيت الوقود
فيما ذكرت الوكالة أن المسؤول المصري لم يخض في أي تفاصيل إضافية عن أسباب توقف شركة أرامكو عن تزويد مصر باحتياجاتها البترولية أو المدة المتوقعة لهذا الأمر، وذكرت رويترز أنه لم يتسن لها حتى الآن الاتصال بأرامكو للتعقيب.
جدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية وافقت على إمداد الجانب المصري بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريًا لمدة 5 سنوات بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين شركة أرامكو السعودية، والهيئة المصرية العامة للبترول، وقد جرى توقيع هذا الاتفاق خلال زيارة رسمية قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر هذا العام.
وبموجب الاتفاق تشتري مصر شهريًا منذ مايو الماضي من شركة أرامكو 400 ألف طن من السولار و200 ألف طن من البنزين و100 ألف طن من زيت الوقود وذلك بخط ائتمان بفائدة 2% على أن يتم السداد على 15 عامًا.
اتساع هوة الخلاف بين الجانبين
إذا ما كانت هناك دلالات لهذا القرار فإنه يمكن قراءتها في سياق القرار المصري بالتصويت على القرار الروسي الخاص بالوضع في سوريا، الأمر الذي أثار غضب المملكة العربية السعودية، ومندوبها عبد الله المعلمي، حيث نقلت رويترز عن الأخير انتقاده تصويت مصر لصالح المشروع الروسي، وعبر عن ألمه أن يكون موقف السنغال وماليزيا أقرب إلى الموقف العربي من مصر.
إرهاصات هذا الخلاف في الظهور إلى العلن يومًا بعد يوم، حتى خرجت تصريحات التويجري ومندوب السعودية في مجلس الأمن بهذه الحدة لأول مرة ضد مصر
كانت مصر قد صوتت لصالح مشروعي قرار متناقضين قدمتهما فرنسا وروسيا خلال جلسة مجلس الأمن حول الشأن السوري، مساء الثامن من أكتوبر الماضي، وقد فشل مشروع القرار الفرنسي – الإسباني، الذي يهدف إلى إيقاف قصف حلب مباشرة، وإدخال المساعدات الإنسانية لها، مع وقف تحليق الطيران فوقها، بعدما استخدمت روسيا الفيتو ضده، إلى جانب رفض فنزويلا، وقد صوت مندوب مصر بعد ذلك، عمرو أبو العطا، لصالح المشروع.
بعد نصف ساعة، طرحت موسكو مشروعها، الذي يهدف إلى إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ويحث الأطراف على وقف الأعمال العدائية فورًا، والتأكيد على التحقق من فصل قوات المعارضة التي أسموها بـ “المعتدلة” عن “جبهة فتح الشام” – النصرة سابقًا – كأولوية رئيسية.
كما رحب مشروع القرار الروسي بمبادرة ستيفان دي ميستورا الأخيرة، التي دعا فيها إلى خروج مسلحي الجبهة من أحياء حلب الشرقية، ويطلب من الأمم المتحدة وضع خطة تفصيلية لتنفيذ المبادرة، ولكن المفاجأة كانت في تصويت المندوب المصري أيضًا لصالح القرار، إلى جانب الصين وفنزويلا فقط، وسط رفضٍ من قبل أغلب دول مجلس الأمن.
وهو ما أثار حفيظة الدول المناهضة للموقف الروسي في سوريا، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، والتي انتقدت السياسة المصرية تجاه سوريا.
وقد ظهر ذلك الخلاف أيضًا في تعليق خالد التويجري مسؤول الديوان الملكي السعودي السابق على تصويت مصر لصالح المشروع الروسي في مجلس الأمن، منتقدًا ما حدث من الجانب المصري متسائلًا: “أنسيتم مواقفنا معكم كأشقاء؟”.
#مصر_تصوت_لصالح_المشروع_الروسي أسف ما بعده أسف يا فخامة الرئيس أن يحدث ذلك منكم تجاه المملكة بالذات. أنسيتم مواقفنا معكم كأشقاء!!
— خالد التويجري (@kt_tuwaijri) October 9, 2016
ويمكن التأريخ لهذا الخلاف وحصره في مجموعة من الملفات الإقليمية التي كانت تنتظر الرياض دعم القاهرة الكامل فيها بعد الدعم السياسي والاقتصادي الهائل للنظام الحالي الناتج عن انقلاب عسكري قاده الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السياسي.
أبرز هذه الملفات الملف اليمني حيث توقعت السعودية دعمًا أكبر من القاهرة في حملتها “عاصفة الحزم” باليمن، وكذلك تعترض السعودية على السلوك المصري في ليبيا، وعلى جانب آخر تبرز مصر إلى جانب الموقف الروسي في القضية السورية وهو المنافي بشكل كبير للجانب السعودي، ثم ظهور اتجاه مصري للتواصل مع إيران غريمة السعودية في المنطقة.
وعليه بدأت إرهاصات هذا الخلاف في الظهور إلى العلن يومًا بعد يوم، حتى خرجت تصريحات التويجري ومندوب السعودية في مجلس الأمن بهذه الحدة لأول مرة ضد مصر.
استعداد مصري لتلقي الضربة
كانت الحكومة المصرية قد اتجهت لإقرار زيادة جديدة في أسعار المواد البترولية، في ظل ضغوط تتعلق بالوفاء بالاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي، فضلًا عن عدم حصول القاهرة على مخصصات المساعدات البترولية السعودية لشهر أكتوبر الجاري، واضطرارها إلى زيادة مناقصات الاستيراد.
وكانت الحكومة المصرية قد خفضت دعم الوقود في شهر يوليو 2014، ورفعت آنذاك أسعار البنزين والسولار بنسب تراوحت بين 40% و78%.
كانت مصادر في وزارة البترول المصرية قد خرجت مؤخرًا، في تصريحات صحفية تقول إن الحكومة تدرس خفض الدعم عن المواد البترولية قبل الحصول على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد.
والقرار السعودي الأخير سيكون معناه أن خفض دعم المواد البترولية في مصر سيكون قريبًا، دون أن يمكن تحديد ذلك الموعد، حيث إن صندوق النقد الدولي يشترط حزمة من الشروط لصرف القرض لمصر، ومن أهمها خفض الدعم عن الطاقة.
وكانت وسائل إعلام أكدت هذه الأخبار نقلًا عن تجار عاملين في حقل البترول قولهم إن مصر لم تتلق مخصصات المساعدات البترولية السعودية لشهر أكتوبر الحالي، مما اضطر الهيئة المصرية العامة للبترول إلى زيادة مناقصاتها سريعًا، في ظل نقص حاد في الدولار، وزيادة المتأخرات المستحقة لشركات إنتاج النفط.
الحكومة المصرية قد خفضت دعم الوقود في شهر يوليو 2014، ورفعت آنذاك أسعار البنزين والسولار بنسب تراوحت بين 40% و78%
وأوضح التجار أن الهيئة عاودت الدخول إلى السوق الفورية في الأسابيع الماضية لتغطية الفجوة، معلنة عن أكبر مناقصة لها في أشهر تشمل طلب شراء نحو 560 ألف طن سولار، تصل في أكتوبر الحالي بارتفاع حاد مقارنة مع نحو 200 ألف طن في سبتمبر الماضي.
وهو ما يقرأ من جانب السعودية على أنه عقاب مؤقت لمصر عقب اتساع هوة الخلاف بين الطرفين، وكذلك يمكن إضافة سبب اقتصادي للجانب السعودي، الذي يُعاني من أزمة اقتصادية داخلية اضطرته لإنجاز خطة تقشف سريعة.