في جنوب تونس، حيث الواحات والصحاري والرمال المتناثرة تقابلك واحة “جمنة” ونخيلها الباسقات الشامخات والسواقي الجارية تحكي لك قصة قرية كشفت فساد دولة والقائمين عليها وزيف وعودهم، قرية جذبت البساط من تحت أقدام الفاسدين ولقنتهم درسًا في الاقتصاد التضامني، وكشفت تواطؤ ممثلي الدولة مع رجال أعمال فاسدين، لأجل احتكار تمور جهتهم وسرقة عرق جبينهم.
أمس نظمت جمعية “حماية واحات جمنة” التي تشرف على تسيير ضيعة ستيل بمحافظة قبلي (جنوب) منذ 5 سنوات، بتة لبيع إنتاج التمور وسط حضور عدد كبير من مساندي الجهة، انتهت ببيع إنتاج الضيعة بمبلغ مليون و700 ألف دينار تونسي بعد أن كانت الدولة تفرط فيها بنحو 16 ألف دينار فقط لرجلي أعمال مقربين من السلطة.
نجح الأهالي منذ استرجاعهم الضيعة في رفع إنتاجيتها، ومضاعفة أرباحها السنوية
عملية بيع إنتاج تمور واحة جمنة بهذا المبلغ كشفت فساد الدولة وأكدت نجاح الاقتصاد التضامني حسب عديد من المتابعين.
يوم 12 يناير 2011، قبل رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بيومين، توجه سكان مدينة جمنة إلى “هنشير ستيل” الواقع على أطراف مدينتهم (نسبة إلى الشركة التونسية لصناعة الحليب المعروفة اختصارًا بـ “ستيل“) وسيطروا عليه، بعد أن كانت الدولة تُسوغ الضيعة، على وجه الكراء مستغلين اثنين قريبين منها بأسعار منخفضة جدًا.
نجح الأهالي منذ استرجاعهم الضيعة في رفع من إنتاجيتها، ومضاعفة أرباحها السنوية، لتصل إلى مليون و700 ألف دينار هذه السنة.
أموال يصرف جزء مهم منها في تمويل مشاريع تنموية لصالح أبناء الجهة، حيث تم بناء سوق وسط المدينة وبناء وحدات صحية وشراء سيارات إسعاف عصرية وتهيئة مدارس القرية وإنجاز ملعب رياضي ودعم المساجد والمدرسة القرآنية ومركز ذوي الاحتياجات الخصوصية في المنطقة.
الدولة لم تكن راضية عن فعل أهالي جمنة والتصرف في أرضهم
تجربة واحة جمنة، مثلت نموذجًا للاقتصاد التضامني الاجتماعي في مستوى محلي، دعا العديد من التونسيين إلى العمل على تعميمها وليس الوقوف ضدها والإصرار على تتبع الأهالي قضائيًا ومعاقبتهم على خدمة أرضهم، حتى إن البعض طالب الحكومة بالاستئناس بهذه التجربة في التنمية المحلية وتشجيعها، وإصدار قانون يعطي حوافز للبنوك لإعطاء الأولوية في تمويل المشاريع الصغرى والوسطى لمشاريع تشاركية من هذا النوع.
الدولة لم تكن راضية عن فعل أهالي جمنة والتصرف في أرضهم، فقد أصدرت المحكمة الابتدائية بمحافظة قبلي قرارًا يقضي بإبطال أي عملية بيع لمحصول التمور، إلا أن الأهالي قرروا عدم الإنصات إلا لضمائرهم والنظر إلى تعبهم، فواصلوا فيما اتفقوا عليه وباعوا المحصول بأنفسهم تاركين الدولة في التسلل.
أهالي جمنة أكدوا أن الأرض لمن يفلحها ويغرسها ويُثمرها، أكدوا أن الاقتصاد التضامني باب أساسي في منوال تنمية عادل، وأفق لفض بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.