كانت تجرية إنشاء بنوك الادخار في مصر عام 1963 أول محاولة حقيقية للبدء بالعمل المصرفي على الطريقة الإسلامية حيث قامت على أساس المضاربة من خلال تجميع المدخرات من الأهالي واستثمارها بنظام إسلامي ومن ثم توزيع الربح حسب الاتفاق المبرم بين البنك الإسلامي والعميل.
ومن ذلك التاريخ انتشرت البنوك الإسلامية بشكل كبير في معظم البلدان العربية وتوسعت أنشطتها وأعمالها حتى بلغت أصولها المالية ترليونات الدولارات، لذا توجب التوقف على عمل تلك البنوك الإسلامية ونشاطاتها وممارساتها العملية في المجتمعات العربية، وفيما إذا نجحت في تحقيق التنمية الاقتصادية التي يأملها الشباب العربي أم لا؟
يعكف نون بوست في العمل على هذا الملف للإجابة على كل تلك التساؤلات.
من حيث التعريف قد يختلف تعريف مؤسسة المصرف بين كونها تعمل بالطريقة التقليدية أو بالطريقة الإسلامية، فالمصرف التقليدي أو ما يسميه البعض بالربوي يعرف بأنه المؤسسة المالية التي تقوم بالإقراض والاقتراض بفائدة وتقديم الخدمات المالية وخلق الائتمان.
يسعى المصرف الإسلامي إلى تحقيق أهداف اجتماعية وأهداف استثمارية ومالية مباشرة وتنمية المجتمع الإسلامي
في حين أن المصرف الإسلامي يُقصد به بالمؤسسة المالية التي تقوم بأعمال الاستثمار والتمويل والخدمات المالية على أساس العقود الشرعية وتسهم كذلك في الادخار والتنمية والتعمير في المجتمع.
على ماذا ترتكز الصيرفة الإسلامية؟
قامت الصيرفة الإسلامية على جملة من المبادئ التي تتميز بها عن أعمال المصارف التقليدية، وأهمها، تحريم الربا أو الفائدة في المعاملات المالية بمعنى عدم التعامل بالفائدة أخذًا أو عطاءً وعدم تقديم القروض بفائدة، ومن تلك المبادئ أيضًا تحريم كافة أشكال الاحتكار المختلفة ومنع اكتناز الأموال وتوجيه الأموال إلى قنوات النشاط الاقتصادي الحقيقي التي تنفع المجتمع وتحريم توظيفها في مجالات تعد محرمة في الإسلام مثل تجارة الخمور أو لحوم الخنزير، وفي النهاية السعي إلى تحقيق التكافل الاجتماعي عن طريق إحياء فريضة الزكاة.
لماذا لا تعطي البنوك الإسلامية فائدة؟
فلسفة الصيرفة الإسلامية تقوم على أساسين أحدهما وهي الأساسية والتي يقوم البنك عليها، تحريم الفائدة التي تعطى على إقراض المال، والتي يعتبرها مشرعوها في “الاقتصاد الوضعي” أنها ثمن الزمن الذي تخلى عنه شخص ما لصالح شخص آخر مقابل زيادة محددة عن المبلغ المقترض، فيلد المال مالًا، والشخص أو البنك عندما أقرض نقود مقابل فائدة محددة فهو اعتبر ذلك النقود سلعة تباع وتشترى.
في حين أن النقود في الإسلام لها أحكام خاصة تجري بحقها، فهي ليست سلعة تباع وتشترى بأزيد من قيمتها ولا تخضع للعرض والطلب، والنقود في الإسلام يجري فيها الربا ولهذا يحرم بيعها بأكثر من قيمتها ولا تسترد بأكثر من قيمتها عند إقراضها لأن البيع بأكثر من القيمة يعد من الربا.
وبإخراج هذه الميزة من النقود تصبح وظيفتها مقتصرة على كونها وسيطًا للتبادل ومخزنًا للقيمة وأنها أداة لتقويم أثمان الأشياء وقياسها فقط، تؤدي وظيفتها في الحفاظ على استقرار المعاملات المالية دون التأثير المباشر في قيمة السلع والخدمات.
ويعد المال أساسًا ومقدمة لفهم أعمال المصرف الإسلامي من حيث أنواعه وأحكامه وضوابطه فالمال يعد في نظر الإسلام من أهم مقومات الحياة وذكرت في القرآن بأنه “قيامًا”، حيث ذكرت في الآية الكريمة في (سورة النساء: 5) {لَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
والسؤال إذا كان المصرف الإسلامي استبعد الفائدة على عائد إقراض رأس المال فمن أين يحصل على عوائده إذن؟!
يأتي العائد على الأموال المستثمرة في المصارف الإسلامية من خلال التعامل بجملة من العقود المحددة التي تنظم حركة رأس المال وتوظيفه في قنوات النشاط الاقتصادي الحقيقي الذي من المفترض أن يعود على المجتمع بالفائدة، ومن تلك الأدوات والعقود: المضاربة والبيع والشراكة والإجارة والمزارعة والمساقاة والتورق والاستصناع وسنأتي على ذكرها بشكل مفصل كل أداة على حدى في مقال لاحق.
المال أساس ومقدمة لفهم أعمال المصرف الإسلامي من حيث أنواعه وأحكامه وضوابطه
ما الفرق بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي؟
هناك فروق عديدة بين المؤسستين من حيث الهدف والأنشطة والشكل وضمان الربح والخسارة.
من حيث الهدف: يسعى المصرف الإسلامي إلى تحقيق أهداف اجتماعية وأهداف استثمارية ومالية مباشرة وتنمية المجتمع الإسلامي مع الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية بكافة المعاملات المصرفية مع عدم إغفال عامل تحقيق الربح، بينما البنك التقليدي يسعى بصفة أساسية لتحقيق أعلى ربحية وفائدة ممكنة دون النظر إلى تنمية المجتمع من عدمه، كما أنه وسيط بين المقرض والمقترض بفائدة.
من حيث الأنشطة: يركزالبنك التقليدي على منح القروض مقابل فائدة محددة سلفًا، فإما إقراض بفائدة أو اقتراض بفائدة، بينما يتميز البنك الإسلامي بخصوصية أساليب استثمار أمواله حسب الشريعة الإسلامية من بيع وشراء وتجارة ومرابحة ومضاربة ومشاركة وسلم واستصناع وتأجير.
من حيث الشكل: البنوك الإسلامية تشتمل على أكثر من شكل فهي تقوم بمشروعات عقارية وزراعية وصناعية أو تمويلها، في حين البنوك التقليدية تكون إما تجارية أو عقارية أو صناعية أو زراعية وهي في كل الأنواع تمول عن طريق منح القرض بفائدة.
من حيث التكيف الشرعي: في البنوك الإسلامية يكون مضاربًا أو مشاركًا أو رب المال أو صانعًا أو مشاركًا أو بائعًا أو مشتريًا، بينما في البنوك التقليدية تقبل الودائع من الأفراد وتقديمها كقروض لأفراد ومؤسسات أخرى، فيكون البنك وسيطًا بين المقرض والمقترض بفائدة.
من حيث ضمان الربح والخسارة: البنك الإسلامي بالنسبة للودائع غير ضامن إلا في حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط أو العرف التجاري، أما البنك التقليدي فهو ضامن لأنه يقرض ويقترض بفائدة.
من حيث التكافل الاجتماعي: البنوك التقليدية لا تندرج تحت أنشطتها أية أمور اجتماعية، فيما البنوك الإسلامية تعد إحدى خصوصياتها تحقيق التكافل الاجتماعي عن طريق إحياء فريضة الزكاة والقرض الحسن.
وفي النهاية يبقى أن نشير أن أهداف البنوك الإسلامية هي تحقيق الربح والنمو في الاقتصاد كما البنوك التقليدية، فيما يبقى الهدف الأبرز للبنوك الإسلامية والتي يميزها عن التقليدية في توفير الأموال اللازمة لأصحاب الأعمال بالطرق المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بغرض دعم المشروعات الاقتصادية النافعة، وتشجيع الاستثمار وعدم الاكتناز من خلال إيجاد فرص وصيغ عديدة للاستثمار تتناسب مع الأفراد والشركات، وتشجيع التكافل الاجتماعي من خلال الزكاة.
هذا المقال هو الأول من ضمن سلسلة من المقالات في ملف بعنوان “الصيرفة الإسلامية”.