الخوف وما أدراك ما الخوف! من أشد المشاعر التي تثير قلقي إلى درجة الارتعاب أن أشعر بالخوف من شيء في يوم ما، فالشعور بالخوف بغيض لدرجة قد تصل به لتصدر زعامة المشاعر السيئة، الشعور بالخوف يقلب حياتك رأسًا على عقب، يجعلك إنسانًا آخر غير الإنسان الذي كنته وقت الأمن والاطمئنان، هذا الشعور يدمر حياة الفرد ناهيك عن حياة الأمم والشعوب.
ومن أكبر الجرائم التي قد يقترفها نظام سياسي في حكم شعبه، أن يحكمهم بالخوف، أن يربيهم عليه وينشئ أجيالهم الجديدة في ظلاله القاتمة، وذلك ظنًا منه أنه بهذه الطريقة يسيطر على مقاليد الحكم بمنتهى السهولة، ولكنه للأسف الشديد لا يدرى أنه إن نجح في زرع الخوف وفرضه كأسلوب حياة للشعب الذي يحكمه، فإنه بذلك لا يحكم إلا جثة هامدة لن يحصل منها إلا على القيح والعفن، وأنا على يقين أن خفافيش الظلم وغربان الاستبداد لا يطيقون العيش إلا في هذه الروائح والأجواء السامة.
فما أومن به إلى درجة اليقين أن الشعوب الخائفة لا تنتج ولا تبدع، وياليت الأمر يقتصر على عدم الإنتاج والإبداع، فهذه فقط مجرد أعراض مبدئية تظهر على الشعوب المصابة حديثًا بداء الخوف، أما الشعوب التي تأصل فيها هذا الداء وأصبحت الأجيال الجديدة ترضعه مع لبن أمهاتهم حتى صار طبعًا فيهم، فإنك تجد أن الكذب واللؤم والخداع والوشاية أصبحت من أخلاقهم الطبيعية التي إن شذ فرد فى مجتمعهم عن التخلق بها أصبح منبوذًا متهمًا بالتخلف والرجعية، بل أنه قد يصنف فيهم أنه مريض نفسيًا.
وإذا أردت مثالاً على ما أقوله لك، فما عليك إلا أن توجه نظرك تلقاء مصر، فستجد فيها اجتماع الخوف والأمن في فترتين متقاربتين، فشبابنا المصري عرف طعم الاطمئنان بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فانطلقوا جماعات وأفراد يحاولون بناء ما تهدم من بلادهم طوال الستين عامًا السابقة، فلم يعد منظر الشباب الذين يكنسون الشوارع ويدهنون الأرصفة يستوي فيهم المتعلم وغير المتعلم المثقف وغير المثقف بالمنظر الغريب في الشارع المصري، فالكل أحس أنه مسؤول عن البلد، فما الذي حدث؟
الثورة كسرت شعور الخوف الذي زرع فيهم من وقت ولادتهم، وشعور الخوف يا صديقي يطغي على كل ما عداه من مشاعر، فإنك إذا نظرت إلى خائف وهو يركض من تهديد ما ستجده يتخبط ويصطدم بما أمامه من عقبات، فهو لا يرى أمامه إلا التهديد الذي يخيفه، الخوف قد ينسي المواطن وطنيته، ويطمس شعور المسؤولية العام عند الجماهير، وعند سيادة الخوف يصبح المبدأ العام هو: ما يحدث يحدث المهم أن سلامتي الشخصية لن تتأثر.
أين ذهبت جموع الشباب التي كانت تتلهف على كنس شوارع وطنها لا المشاركة السياسية فيه، أين ذهبت المسؤولية الوطنية عند عموم الجماهير، الإجابة واضحة جدًا، فكل هذا اختفى باختفاء الاطمئنان، وهيمنة الخوف بصورة أشد من السابق .
لذلك فحق علينا أن نسمي الخوف بزعيم المشاعر السيئة.