تشدني الكثير من القنوات الفضائية التي تطرح البرامج المنوعة في دوراتها البرامجية، ومع التنوع الحاصل في الأحداث ما بين السياسي والاجتماعي والفلسفي والفكري، والعصف الذهني والخطوط المتداخلة بين السياسات الإعلامية لهذه القناة أو تلك، كان لا بد من الحديث بمصداقية وشفافية عن منهجية العمل الإعلامي المعاصر الذي نفتقده كجمهور بالدرجة الأولى فضلًا عن النخب الإعلامية التي تتابع وترصد ما يجري على ساحة الحدث الإعلامي.
إن المتابع للبث الفضائي على القنوات الفضائية ليتلمس حالة من التخبط الحاصل في ملء الفراغ لدى إدارات هذه القنوات والعاملين في صناعة برامجها، وعلمها الدؤوب على إنفاق المبالغ المالية الطائلة على عمل البرامج التي تم تنفيذها سابقًا أو يتم تنفيذها في العديد من القنوات الأخرى، في حالة استنساخ مقيتة لا يجري إلا التلاعب بأسماء وصفات لهذه البرامج دون أن يكون هناك تغيير في هويتها.
من حق أي قناة طبعًا أن تقوم بجهدها وترتيباتها الذاتية لعمل جداولها وبرامجها وفق كوادرها وحجمم إنفاقها ورسالتها الذاتية، ولكن الحالة المؤسفة من التكرار المقيت شكلًا ومضمونًا باتت تلقي بظلالها على الواقع الإعلامي العام، حتى بتنا لا نجد الجديد في الفضاء الإعلامي إلا نادرًا، بينما الأصل أن يكون ميلاد كل قناة هو ميلاد لفكرة جديدة، وميلاد لمشروع إعلامي جديد، وتفعيل للعقليات الإعلامية التي درست الإعلام وتفاعلت مع معطياته العصرية بصورة أكثر تفاعلية، فالجمهور ينتظر من الإعلاميين نمطًا غير تقليدي من البرامج والتغطيات والفعاليات التي يمكن لها أن تثري معرفته، وتقدم له ما يريده بأسلوب متنوع متعدد اللغات متعدد الأساليب في الطرح والصياغة والتقديم والإخراج والإنتاج .
وللخروج من هذا المأزق، كان لا بد لكل قناة فضائية بالدرجة الأولى أن تحدد جمهورها المستهدف بعناية تامة، وأن تركز على صناعة الرسالة الخاصة بها بدقة متناهية، حتى تستطيع أن تقولب العمل الإعلامي الذي ستقوم به بشكل يتفق مع المعطيات التفصيلية للجمهور والرسالة والغاية التي ستصمم البرامج من أجلها، وإلا دخلنا في حالة من العبثية القاتلة، وبات كل يغني على ليلاه، وبات الجمهور أسير توجهات هذا المسؤول أو ذاك النافذ في قناة كذا وكذا.
المسألة الثانية تتعلق بالجهات الرقابية على العمل الإعلامي في كل دولة، بدءًا بالاتحادات والنقابات الإعلامية التي عليها أن تتحمل مسؤولياتها في صناعة التوجهات التجديدية في العمل الإعلامي، والضغط على المؤسسات الإعلامية للارتقاء بعملها باحترافية ومصداقية أمام جمهور متعطش للجديد والمفيد من البرامج في كل الاتجاهات، فهذه النقابات والاتحادات وحتى المؤسسات الحكومية الرقابية عليها الدور التوجيهي والتطويري والتنموي للعاملين في ترسيم سياسات القنوات الفضائية وصناعة التجديد والوعي العصري بآلية الخطاب الإعلامي الذي يتوافق مع العصر ومع متطلباته ومتغيراته.
قناة CNN
في عالم الإعلام الغربي، نجد الحرص الشديد على التجديد، سواء بأسلوب التقديم، أو عدد المقدمين، أو بالفترة الزمنية للبرامج، فعندما نجد بعض البرامج القوية لا تستمر لمدة عشر دقائق في بعض القنوات، نجد أن البرامج الإخبارية عند غيرها تأخذ صبغة تفاعلية تشد المتابع بصورة كبيرة من خلال إدخال التكنولوجيا العصرية وعالم الغرافيكس وإمكانات الاتصال عليها، وعلى ذلك يمكننا القياس على البرامج التفاعلية وتليفزيون الواقع الذي بدأ يأخذ أكثر من شكل تفاعلي بين الكاميرا والشارع والجمهور، في حالة من التجديد التي لا تنتهي في شكل البرامج وصناعتها ومجالات التميز في إنتاجها وإخراجها.
إن الرسالة الإعلامية العصرية تحتم علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة، وأن نضع الأمور في نصابها، فلا معنى أبدًا لعشرات ومئات القنوات الفضائية إذا كانت كلها نسخًا كربونية عن بعضها البعض، تغير في أسماء بعض البرامج، وتغير في مقدميها وهي تحمل نفس الطابع ونفس القيم وتركز على نفس الخطاب؟ وهذه رسالة عامة ربما على صناع القرار والممولين والجهات الرقابية في القنوات الفضائية أن تفطن إليها لتدارك حالة الفوضى والإهدار الكبير في الموارد والقدرات البشرية وفتح الباب أمام مساحة إعلامية مفيدة للجمهور يمكنه من خلالها انتقاء ما يريد من البرامج التي تهمه في مجالات الحياة المختلفة.