ترجمة وتحرير نون بوست
يعتبر الأكراد من ألد أعداء مقاتلي تنظيم الدولة وهذا ما يؤكده حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، وقوات البشمركة في إقليم كردستان العراق التي تتصدى لتنظيم الدولة في العراق وسوريا.
الجوانب التي لم تكشف
لكن حقيقة أن هناك مقاتلون أكراد في صفوف تنظيم الدولة تظل أمرًا مسكوتًا عنه، فكيف يمكن لنا أن نتغاضى عن حقيقة أن الداعية نجم الدين أحمد فرج، مؤسس حركة أنصار الإسلام الذي ساهم في تشكل تنظيم الدولة سنة 2000، هو مقاتل كردي؟ ألم يحتدم القتال بين أكراد تنظيم الدولة وقوات البشمركة في معركة عين العرب الشهيرة في سوريا، المعركة التي دامت من أكتوبر/ تشرين الأول 2014 إلى حلول يناير/ كانون الثاني 2015؟ علاوة على ذلك، قد احتدت المواجهات بين حزب العمال الكردستاني ومجموعة من الشباب الكردي التابع لحزب الله في معركة دامت لأيام على الجانب الآخر من الحدود التركية راح ضحيتها 50 قتيلاً.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد المقاتلين الأكراد الذين سقطوا على يد قوات التحالف الدولي بلغ 300 كردي، وقد قتل زياد سالم محمد علي الكردي، الذي يعتبر من أبرز القيادات في تنظيم الدولة، في غارة على الموصل في مطلع سنة 2015، كما تم تصفية قائد آخر من التنظيم، هو جلال الملقب بعبد الرحمن الكردي، في يونيو/ حزيران 2016، كلا الشخصيتين من كردستان العراق، والجدير بالذكر أيضًا انضمام أخويين كرديين من أصول تركية لتنظيم الدولة وقيادتهما لإحدى الوحدات التابعة لتنظيم الدولة في سوريا.
التطرف الكردي في تركيا ظاهرة ليست حديثة
ترتبط الأزمة الاجتماعية والسياسية التي تعيشها منطقة جنوب شرق تركيا بتطرف الأكراد الديني الذي لا يعتبر ظاهرة جديدة على المشهد السياسي التركي، فهي متفشية في تلك المنطقة ذات الأغلبية الكردية منذ 30 سنة، في فترة الثمانينات، شمل مصطلح حزب الله (الذي لا يمت لحزب الله اللبناني بأي صلة) العديد من الجماعات الكردية المتطرفة التي تهدف إلى تأسيس دولة إسلامية، وقد أقامت إحدى هذه المجموعات الأكثر شعبية، منزيل وإليم، صلات مع إيران ليتمكنوا من توفير الدعم اللوجستي والمالي في مقابل إمدادهم بمعلومات عن اللاجئين المنشقين عن إيران في تركيا أو عن المواقع العسكرية التركية في المناطق المتاخمة لإيران.
لكن سنة 1984، أراد الطيف الأيديولوجي المقابل، حزب العمال الكردستاني، إقامة دولة كردية مستقلة ماركسية لينينية، لذلك التجأوا إلى الكفاح المسلح ضد قوات الأمن التركية، ولقد لاحظ الشيوعيون الأكراد تنامي تأثير جماعات حزب الله على الأكراد الضعفاء والفقراء الذين يتم تجنيدهم في المساجد الواقعة في ديار بكر وبنغول ومردين وغيرها من المناطق ذات الأغلبية الكردية، وفي هذا الخصوص، أبدت السلطات التركية اهتمامها بهذه المسألة التي تفضي إلى أن صعود الأكراد المتطرفين قد يساهم في ردع توسع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، المتموقع في المناطق الريفية، من التقدم نحو المناطق الحضرية، بناء على هذه الافتراضية فإن المخابرات التركية لا تمانع التعاون مع المسلحين المتشددين التابعين لحزب الله الكردي وذلك عن طريق تبادل المعلومات وتدريبهم عسكريًا.
النتيجة: أطلق حزب العمال الكردستاني حملة من الهجمات والاغتيالات في صفوف قيادات حزب الله الكردي الذي بدأ بدوره بتنفيذ سلسلة من التصفيات الجسدية لمنافسيه، وتجدر الإشارة إلى أن الصراع بين كلا الطرفين بين سنة 1992 وسنة 1995 قد تسبب في اشتباكات خلفت نحو 600 قتيل في صفوف الأكراد (بما في ذلك ثلثي مقاتلي حزب العمال الكردستاني)، منذ سنة 1995، بدأ التابعون لحزب الله الكردستاني يتسللون إلى المناطق الكردية وينأون بأنفسهم بعيدًا عن الشرطة والمخابرات التركية.
وقد قدّر عدد المقاتلين في تلك الفترة بـ 20 ألف مسلح من بينهم 4000 قائد عسكري وتمت السيطرة على شبكة تتكون من عشرات المساجد داخل المناطق الكردية، إلى حدود 1999، قامت السلطات التركية بشن عدة غارات على معاقل حزب الله الكردي إثر انقلاب أحد قادته عليها كما نفذت الدولة التركية جملة من أحكام الإعدام في حق المنتسبين لهذا التنظيم بينما اعتقلت حوالي 4000 من المسلحين، لقد ظن العديد أن حزب الله الكردي قد اضمحل، لكن سنة 2003 أدت مصادقة حكومة حزب العدالة والتنمية على قانون العفو العام عن المعتقلين السياسيين إلى الإفراج عن 2000 من المنتمين لحزب الله الكردستاني.
تهيئة شبكة من الطرق لتنظيم الدولة
منذ سنة 2003، انظم أكراد تركيا للمقاومين في العراق لدعمهم في حربهم ضد الاحتلال الأمريكي، هذه الطرق القديمة التي كانت تُستعمل لتجنيد المئات من الأكراد أصبحت في عهدة مقاتلي تنظيم الدولة الذي استلمت زمام الأمور سنة 2013، مستفيدًا بذلك من هذه الشبكة الجاهزة لاستقطاب وتجنيد الشباب الكردي، في حين أن التيار السلفي الوهابي المستورد من السعودية يلقى صدى واسعًا في المجتمع الكردي التركي المحافظ بسبب خصوصيات هذا المجتمع التي تمثل بيئة ملائمة لنمو التطرف، فإن الأيديولوجيا العلمانية التي يدعو لها حزب العمال الكردستاني لا يمكن أن تتوافق معه.
يعيش الشباب الكردي التركي أزمة هوية وانتماء بسبب 30 عامًا من الصراعات والانشقاقات داخل المجتمع الكردي، وبعد فشل تركيا في إحلال السلام بينها وبين هذه الأطراف التجأ الشباب الكردي إلى تنظيم الدولة الذي نجح في استمالتهم من خلال الدعوة إلى تأسيس دولة الخلافة، وبالتالي فإن ما يحول بينهم وبين الانضمام إلى صفوف مقاتلي تنظيم الدولة ليس سوى الحدود التركية السورية، ولعل هذا ما يفسر السبب وراء تنفيذ خلية أديامان الكردية لسلسلة من العمليات الإرهابية في تركيا، ومن الواضح أن تنظيم الدولة يستغل النزاعات الطائفية والعرقية والسياسية لإحداث حرب أهلية ليست فقط في سوريا وتركيا بل هي إستراتيجية يتبعها لبسط نفوذه ودس جواسيسه.
من هم الأكراد الحقيقيون؟
على خلاف ما يعكسه الصراع السياسي بين حزب الله الكردي وحزب العمال الكردستاني، فإن المجتمع الكردي يتمتع بتنوع ثقافي من الممكن أن يساعده على مزيد الانخراط والاندماج في المجتمع التركي، لكن تواصل تركيز كلا الطرفين على التصدعات داخل المجتمع الكردي تزيد من تعمق الهوة في صفوفه والحيلولة دون تجاوزه للأزمات التي يشهدها، لذلك وجب عليهم إعادة النظر في الخطاب السياسي الداعي لنشر الكراهية والعدوان بين مختلف مكونات هذه الأقلية العرقية.
من البديهي أن المجتمع الكردي ليس مجتمعًا موحدًا ومتجانسًا وذلك وفقًا للانقسامات والصراعات بين مختلف أطيافه السياسية: بين الأيديولوجيا العلمانية الثورية ونظيرتها الدينية المتشددة، وفي ظل هذه الخلافات يبقى الشباب الكردي مشتتًا بين تحقيق فرض وجوده كأقلية عرقية في تركيا والحفاظ على تماسكه ووحدته في مجتمع تطغى عليه الصراعات، وعلى الصعيد السياسي، تبقى الانشقاقات داخل الأحزاب ذات نفس التوجه الأيديولوجي سمة مشتركة بين جميع الأحزاب مفرزة بذلك جملة الأحزاب والجماعات الانفصالية كحزب الشعب الديمقراطي الشيوعي وحزب الهدي اليميني، لذلك يجب التخلي عن سياسة الصمت التي تتبعها الأحزاب الكردية بتعلة الحفاظ على الوحدة والتماسك داخل النواة السياسية الكردية متغاضية بذلك عن التداعيات التي شوهت صورة المجتمع الكردي.
المصدر: سلات