لقد استعمل تعبير العالم الثالث لأول مرة سنة 1952 في مقالة صدرت للاقتصادي والسكاني الفرنسي ألفريد سوفيه في إشارة إلى الدول التي لا تنتمي إلى مجموعة الدول الغربية )أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا واليابان وجنوب إفريقيا)، ولا إلى مجموعة الدول الشيوعية )الاتحاد السوفياتي والصين وأوروبا الشرقية(.
فأين نجد العالم الرابع بعد أن تعرفنا على العالم الثالث الذي لا تنمية ولا اقتصاد فيه ويعيش فقرًا وحروبًا والنمو السكاني يفوق النمو الاقتصادي بعشرات السنوات وخير مثال على ذلك الدول العربية وما جاورها.
بعد مغادرة العالم الأزرق ولو مؤقتًا أيقنت أن مجتمعنا العربي والفلسطيني تحديدًا يعيش في موجة “العالم الرابع “بعد أن زاد رواد مستعمرة الفيسبوك على الأرض، وأصبح الفيسبوك في كل بيت وكل شارع.
ليس قرارًا صعبًا ولا مستحيلاً أن تتخلى عن العالم الأزرق” الفيسبوك “بين ليلة وضحاها، فلا تفكر كثيرًا في إغلاق صفحتك الشخصية لمدة أسبوع أو عشرة أيام، وتنال قسطًا من الراحة النفسية والجسدية، فما عليك إلا أن تعطل الحساب وتنظر إلى الواقع بعيونك لا بعيون آلاف المتابعين والحالمين والناشرين والناشطين من أرجاء المعمورة.
قد تتغير التعبيرات السلبية من وقت لآخر ومن بلد لآخر ولكن أن تتطور تلك السلبيات في المجتمعات العربية مع تطور وسائل الاتصال والتقدم التكنولوجي فهذه غريبة الأطوار على مجتمعات تتحدث بلسان واحد ولها عقيدة وقرآن واحد، فبعد الثورة الصناعية والزراعية والنفسية في أوروبا وأمريكا ظهرت ثورات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والفلك والأقمار الصناعية والثورة النووية والطاقة الشمسية وغيرها، وقف العالم العربي وغيره أمام متغير صفحات الفيسبوك وهي تخترق جدران منازلهم وتستعبد أفكارهم وتطرحهم جليسي الفراش يشحدون “اللايكات” و”المينشنات” ويبروزون التعليقات الساخرة ويجرون المرفوع من الكلام ويرفعون المنصوب، في سباق حميم بين رواد الفيسبوك مليء بالتحليلات والتخمينات والتأويلات.
فحجم المعلومات المطروحة على الصفحة لا يتعدى كونه رفضًا واستنكارًا من جانب وتعبيرًا عن حالة من الغضب من جانب آخر، وربما يصل الأمر إلى حد الشتم والسب في بعض الأحيان، وما نستطيع فعلة إن أثار موقف ما حفيظتنا هو إطلاق هاشتاج نصب جام غضبنا الافتراضي من خلف شاشات الكمبيوتر ويبقى الوضع على الأرض كما هو ولن يتغير ولن يتبدل.
لقد ساهم الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الافتراضي في تعميق الجراح بين الناس، فالاختلاف عبر صفحات الفيسبوك فكريًا وسياسيًا ينطبق على أرض الواقع، فالخصوم فيسبوكيون وواقعيون في نفس الوقت، ولن يكتب للمجتمعات العربية التطور والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في ظل حالة الغطرسة الفكرية التي نعيشها، وندافع عنها بشراسة حتى إن أخطأ أحدنا في مفاهيم الدين أو الصحابة أو الشعر أو الأدب فلا رحمة عليه ويخرج عليه أتباع الفيسبوك من الفيسبوكيين وينزلون علية أشد أنواع العذاب ويعقدون له جلسات المحاكم وينصبون له المشانق ويدعون إلى القصاص منه لأنه فكر خارج إطار الجدران وخزان المرض الذي نعيش فيه.
إن مستوى تفكيرنا أصبح عقيمًا لدرجة أننا تعودنا على الرائحة النتنة ولم نستطع التمييز بينها وبين الرائحة الطبيعية لأن عقولنا ترفض التحرر من مقدرات الإلهة المقدسة التي تسوق لنا الأفكار عبر أنابيب المصالح الخاصة بها.
متى سيستطيع الإنسان العربي التحرر كما المجتمعات الغربية، ثورات عربية انطلقت من بوابة العالم الرابع ووسائل التواصل الاجتماعي وصلت بمجتمعاتها إلى استبدال شخصيات الحكم وبقاء الأنظمة الحاكمة دون تغيير، فلا يوجد هناك ما يدعو إلى تبني ثورات جديدة في العالم العربي تكون مبينةً على مواقع التواصل الافتراضي، لأن مقوماتها على الأرض فارغة المضمون ولا مستقبل لها ولا كيان اقتصادي يدعم أفكارها، ولا قيادة حكيمة توجه بنات أفكارها إلى الطريق السليم.
في هذا المكان فقط بالإمكان أن تجد العالم الرابع سكانه من الفقراء المدقعين الحالمين بعيش كريم، من خريجين وعاطلين عن العمل وممن عانوا قسوة الظلم والقهر الاجتماعي والمجتمعي، من ضحايا الأنظمة السياسية الفاشية التي لا يعد الوطن من وجهة نظرها بأنه الدجاجة التي تبيض ذهبًا، هنا تجد الآلاف من سكان العالم الرابع في تلك البيئة التي يسعى فيها الشباب للحصول على قوت يومهم من حبة ترامادول أو سيجارة حشيش لتنسيهم أن لهم حقوقًا وعليهم واجبات.
في هذه البلدة الظالم أهلها تجد نصف سكان العالم الرابع لا يملكون طوقًا للنجاة من نار الأنظمة الاقتصادية التي تغني الغني وتفقر الفقير، على قارعة طريق التحرر الوطني عجوز شمطاء تجلس وتحمل عصا إلكترونية مربوط بها جهاز آيفون تحاول أن تلتقط صورة بانوراما بطريقة “السيلفي“، وتقنعنا بأن هذه طريقةً جديدةً في النضال ضد الاحتلال وضد الظلم، فعهد الرصاص والبارود قد انتهى، الآن باتت خطط الحرب والهجوم والدفاع إلكترونيةً فيسبوكيةً بالإمكان أن تحرر البلاد من الظلم والظلام بشعار على الفيسبوك، أو تغريدة على تويتر، إنها عجوز شمطاء لا نملك دهاءها السياسي ولا ديكتاتوريتها، عندما تغضب فإنها تأكل أولادها، هذه العجوز ليست القارة الأوروبية بل ثورة الفيسبوكيين في العالم الرابع التي لن تكون كباقي ثورات العالم، فهي ثورة فارغة من الهدف والمضمون.