يبدو أن أزمة الأفكار في هوليود لا تنفك تتعاظم، إلى حد صارت معها المعارضة السينمائية (Remake) لا تخص الأفلام التي يستقطب اسمها وحده الجماهير فحسب، وإنما باتت تشمل أفلامًا لم تحقق ما أريد لها من النجاح، ماذا يمكن أن نفهم من لجوء أم جي أم MGM وكولومبيا Columbia Pictures إلى النبش في تفاصيل “المدهشين السبعة” (1960) سوى فراغ خزينة الشركتين العملاقتين من أفكار ويسترن Western تستحق الذكر؟ لكن دعونا من هذا الآن، ولنر ما الذي تغير بين النسختين، وما علاقة عالم رعاة البقر والغرب الأمريكي بالمخرج الياباني الفذ أكيرا كوروساوا؟
إعادة جديدة لإعادة قديمة
المدهشون السبعة The magnificent Seven هي معارضة سينمائية جديدة للفيلم الذي يحمل نفس العنوان والذي صدر سنة 1960، وهو فيلم ويسترن Western لم يحقق نجاحًا كبيرًا رغم طاقم تمثيله المتميز آنذاك، الحقيقة أنه من الصعب أن يفشل فيلم يضم يول براينر Yul Brynner، وستيف مكوين Steve McQueen، وشارلز برونسون Charles Bronson بطل الفيلم الأسطوري “ذات مرة في الغرب” والمبدع الكبير إلي والش Eli Wallach الذي يعرفه أغلبنا في دور “القبيح” في رائعة سيرجيو ليوني الطيب والشرس والقبيح Il buono, il brutto, il cattivo، لكن “المدهشين السبعة” لم يكن بمستوى هؤلاء، ورغم بدايته الطيبة، اندفع خلف دراما ساذجة وبسيطة، ولم تنفع موسيقى إينيو موريكوني Ennio Morricone الساحرة إلا في ورود اسمه في ترشيحات الأوسكار عن أفضل موسيقى لسنة 1961.
مع ذلك تبدو قصة الفيلم مثيرة للاهتمام، الفلاحون المكسيكيون البسطاء المسالمون، وعصابة كالفيرا Calvera (إيلي والش) الرهيبة التي تنهبهم خيراتهم وتقمعهم مقابل حماية مزعومة، وحكيم القرية الذي يشير عليهم بالبحث عن مرتزقة يدفعون لهم مقابل حمايتهم من كالفيرا، تهتم قصة الفيلم أساسًا بتكون فريق المدهشين السبعة، هؤلاء المرتزقة الأشداء، المختلفين فيما بينهم أيما اختلاف، وكيف استطاع كريس Chris (يول براينر) جمعهم وإقناع كل منهم بمحاربة عصابة ضخمة وخطيرة في المكسيك.
لا يهتم الفيلم كثيرًا بالحرب رغم كثرة مشاهد الرصاص والغبار، وإنما يركز أكثر في قسمه الثاني على علاقة المرتزقة بالفلاحين، وكيف حاول المدهشون أن يعلموا الفلاحين كيف يدافعون عن أنفسهم، لأن هذا العالم مخيف ولا عدالة فيه إلا للقوة، سنكتشف خلال ذلك أن ذلك الشاب العنيد الذي أكمل عدة المدهشين السبعة، ليس إلا فلاحًا ساقه البؤس واليتم إلى أن يصبح مقاتلاً، أو شبه مقاتل، فكرة لطيفة من عشرات الأفكار التي احتفظ بها كاتب القصة ويليم روبرتس عن النسخة الأصلية الأسطورية المسماة رجال الساموراي السبعة أو Shichinin no samuraï للمخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا Akira Kurosawa.
لا يمكن أن يوفى فيلم كوروساوا حقه في أسطر قليلة، فهو أحد معالم السينما العالمية، وهو أيقونة ألقت بظلها كما نلحظ في السينما الغربية، وألهمت الكثيرين، لقد خلق هذا الفيلم ذلك القالب الحكائي التقليدي القائم على رحلة تكوين فريق الأبطال لإنجاز المهمة، ولقد منح أفكارًا كثيرة للسينمائيين الأوروبيين والأمريكيين مثلما فعلت بقية أفلام كوروساوا، ولئن كللت بعض المعارضات الأخرى بنجاح كمعارضة فيلم Yojimbo التي أنجزها المخرج الرائع سيرجيو ليوني بعنوان “من أجل حفنة من الدولارات” فاتحًا بذلك الباب لسينما السباقيتي Spaghetti، فإن النسخة الأمريكية لرجال الساموراي السبعة تعتبر محبطة فعلاً.
لقد كان العمق الحضاري الذي يرمز إليه رجال الرونين Ronin (رجال الساموراي الذين لا سيد لهم) وعلاقتهم بالمزارعين الفقراء أثقل من عالم الوسترن الأمريكي برمته، ولم يكن باستطاعة المخرج جون ستورجز John Sturges أن ينقل أكثر من القالب القصصي، وحتى الدراما كانت باهتة بشكل ما، لنقارن مثلا بين شخصية كيكوشيو Kikuchio (التي برع في آدائها الرائع ميفوني Toshiro Mifune) ونظيرتها الغربية تشيكو Chico، سنلمس حتمًا الفارق الضخم بين الأصل والتقليد، لقد كان تشيكو مراهقًا أكثر منه متمردًا في حالة صراع درامية مع ماضيه. وبدا أن لعلاقته بالمزارعة المكسيكية بيترا Petra تأثيرًا رئيسيًا في كبح جماحه، بينما كانت روح كيكوشيو المعذبة المتمردة عنصرًا رئيسيًا في حرب النهاية.
لم ينقل “المدهشون السبعة” هذه الروح ولم ينقل حرب النهاية تقريبًا، لقد امتدت المعركة الحامية بين الساموراي وقطاع الطرق نحو 45 دقيقة كاملة يمكن للمشاهد خلالها أن يفهم تفاصيل أرض المعركة وخطوط الدفاع والمنافذ والثغرات، أما في “المدهشين السبعة” فالمعركة الختامية كانت مطرًا من الرصاص الذي لا يفهم منه شيء تقريبًا سوى تعداد ضحاياها، ويبدو أن رهان المنتجين الجدد في هوليود كان أساسًا تجاوز هذا النقص.
المدهشون السبعة الجدد، هل يكفي تفادي النقائص؟
نسخة 2016 من “المدهشين السبعة” هي إذا إعادة إنتاج لإعادة إنتاج قديمة أخرى، معارضة المعارضة إن جاز التعبير، وعدا أنه يكشف عن افتقار سلة هوليود للأفكار الجديدة، فقد كشف أيضًا عن تواصل اندهاش الغرب بسينما الياباني المدهشة، وتواصل إحساسهم بأنهم لم يملأوا جيوبهم بعد بأفكاره.
في النسخة الجديدة، حاول المخرج الأمريكي أنطوان فوكوا Antoine Fuqua أن يحافظ على قيمة طاقم التمثيل، فالفيلم رهين بالأساس لشخصياته السبعة الرئيسية ولآداء المؤدين، هكذا كان لوجود اسمين بحجم دنزل واشنطن Denzel Washington وإيثان هاوكي Ethan Hawke قيمة كبيرة.
لقد أبلى الرجلان بلاءً حسنًا، خصوصًا إيثان هاوكي الذي تمتع بشخصية أكثر تميزًا، حاول المخرج وكاتب العمل تلافي النقائص التي حامت بشخصيات النسخة السابقة، فعملا على إضافة ماضٍ غامض أو درامي لكل من المدهشين السبعة، لقد ساعد ذلك على إيجاد تفسير منطقي لقبول كل منهم مساعدة المزارعين الفقراء.
لن أخوض في هذه التفاصيل لأنها زبدة الفيلم وما يجب تركه للمشاهد، ولكن من المهم الإشارة إلى التنويع الكبير في شخصيات المدهشين، رغم اعتماده على بعض عناصر هذا التنوع من النسخة الأولى، سنجد مثلاً أن قائد المدهشين ومؤسس الفريق أسود البشرة، وسنجد في الفريقين مكسيكيًا هاربًا من العدالة، وسنجد في الفريقين شخصًا صامتًا يجيد استعمال السكاكين بشكل أكبر من إجادته استعمال الرصاص، وحتى شخصية إيثان هاوكي استقاها الكاتب من شخصية لي Lee في النسخة الأصلية.
توسع الفيلم الجديد في هذا التنوع، ففريق المدهشين الجدد، يضم أسود، ويضم مكسيكيًا ويضم رامي السكاكين ذي الأصول الآسيوية، ويضم هنديًا أحمر من قبائل الكومانش (الحصاد الأحمر Red Harvest)، أما الثلاثة البيض، فأحدهم لاعب ورق متحايل Chris Patt، والثاني هو إيثان هاوكي كما أسلفنا الذكر، ويؤدي شخصية جودنايت روبيشو Goodnight Robicheaux ضابط جيش الكونفدرالية القديم وأسطورة الحرب، وأخيرًا متعقب الآثار الدب المخيف جاك هورني Jack Horne.
وبنظرة بسيطة على هذا التوزيع يمكن أن ندرك غاية المخرج من وراء ذلك، لقد استعمل المخرج الأمريكي كوينتن تارنتينو Quentin Tarantino ذات اللعبة في فيلمه الأخير “المكروهون الثمانية” (The hateful Eight) ليرمز إلى المجتمع الأمريكي غداة الحرب الأهلية، تبلغ تلك الرمزية أقصاها حينما يقف شيزلم Chisolm (دنزل واشنطن) أمام عدوه السابق جودنايت روبيشو (إيثان هاوكي) ليثنيه عن الانسحاب، نحن أمام أمريكيتين تبحثان عن خلاصهما غداة الحرب، عن وحدة لا تزال إلى يومنا هذا تحاول أن تتجاوز ماضيها، لم تعد قرية المزارعين في المكسيك، بل صارت قرية في الغرب الأمريكي، مما زاد من تقوقع الفيلم على محيطه المحلي تجاه الخطر المحدق من بعيد. خطر يكره الكنيسة ويحرقها، ويسب الرأسمالية ويسخر من الديمقراطية، ويشبه وجهه بشكل مثير وجه فلاديمير لينين!
ولم يكن اهتمام الفيلم بشخصياته هو كل ما تلافاه من نقائص مقارنة بالنسخة الأولى، لقد عاد المنتجون إلى الأصل الياباني فيما يخص المعركة الأخيرة، وكما أن معركة كوروساوا تثير لعاب أي مغرم بعالم الساموراي فإن معركة المدهشين السبعة وعصابة السيد Bogue تثير لعاب كل مغرم بالأكشن الأمريكي، وصوت الرصاص الذي لا يتوقف، وبنفس الطريقة أيضًا تتحول القرية إلى خريطة حرب يحفظ المشاهد تضاريسها وممراتها ومنافذها وثغراتها بمرور الوقت، حتى يكاد يقترح في مكامن نفسه تعديلات أكثر عبقرية عليها! وبين سحب الغبار وأكوام الجثث، سيطل أكيرا كوروساوا مرة أخرى بروحه وأفكاره، أفكان ذلك كافيًا لتفادي نقائص الفيلم الأول؟
يمكن القول إن هذا الفيلم أنجح دراميًا من الفيلم الأول، ولكنه مع ذلك سقط في بعض السذاجة والاستسهال، خصوصا في تفاصيل المعركة ونهايتها، فكرة الرشاش كانت سخيفة جدًا، وفكرة الإطاحة به من قبل جوش فاراداي (كريس بات Chris Patt) كانت هزلية تمامًا، وبعيدًا عن الجانب الدرامي، فلم يكن هناك الكثير مما يقال على مستوى الصورة سوى بعض المؤثرات البصرية الساذجة، والاختيار الموسيقي الأنيق الذي اعتمد أساسًا على موسيقى الفيلم الأول، وهي طبعًا كل ما رسخ في الذاكرة الجمعية منه، وبشكل عام، فالإعادة لم تكن إفادة تامة ولكنها على قدر لابأس به من التسلية، أما الأصل الياباني فسيظل ملهمًا لأجيال أخرى كثيرة.
الاسم: المدهشون السبعة The magnificent Seven
السنة: 2016
المخرج: أنطوان فوكوا Antoine Fukua
النوع: ويسترن Western، أكشن Action
النجوم: دينزل واشنطن Denzel Washington، كريس برات Chris Pratt، إيثان هاوكي Ethan Hawke
مدة العرض: 133 دقيقة