ترجمة من الإسبانية وتحرير نون بوست
لا يخشى علي حسن رجال تنظيم الدولة الملثمين، كما يبدو أنه خلق للقتال حيث أمه يتقن جيدا استعمال السلاح واستعمال جميع أنواع البندقيات، ولا يخطئ أبدا في إصابة هدفه. كما أن زيه العسكري ونظاراته الشمسية، التي أهداها إياه صديقه الأمريكي، تكسبه مظهر الجندي صاحب النظرات القاسية.
وجدير بالذكر أن علي هو أصغر المجندين القصر المنتمين إلى مليشيا الشيخ نزهان سجار، واحدة من القبائل السنية المنظمة إلى قوات “الحشد الوطني”.
وقد تم تشكيل هذه القوات اقتداءً بإستراتيجية الجنرال ديفيد بترايوس في عام 2006، صاحب فكرة انشاء “مجالس الصحوة” في ذلك الوقت. وتبعا لذلك، أشرفت الولايات المتحدة الأمريكية على تدريب مئات من الوحدات التابعة للقبائل السنية، بعد اتفاقها مع بغداد على شن عمليات عسكرية من أجل القضاء على تنظيم الدولة في الموصل، “عاصمة” الخلافة في العراق.
وقد انضم علي إلى قوات الحشد الوطني منذ ثمانية أشهر، بعد أن عاش سنة وسبعة أشهر من الاضطهاد تحت سيطرة تنظيم الدولة في منطقة الحاج علي العراقية. ولأكثر من 45 يوما، تدرب الفتى على التقنيات القتالية المتخصصة في المناطق الحضرية، وتلقى تدريبا في تقنيات التخلص من القنابل، وإدارة جميع أنواع الأسلحة النارية، وذلك في القاعدة العسكرية الأمريكية المتمركزة في مدينة مخمور التي تبعد حوالي 65 كيلومترا عن الموصل.
وأشار الصبي في حديثه إلى أنه تم القبض عليه لأكثر من مرة من قبل مقاتلي تنظيم الدولة واستعماله كأداة للضغط على مليشيا الشيخ سجار كلما قام عناصرها بتضييق الخناق على تنظيم الدولة. ويقول في هذا الغرض: “بما أنني أعد من بين أقارب الشيخ سجار، استعملني تنظيم الدولة كرهينة لأكثر مرة كي يكفّ عناصر وحدة الشيخ سجار عن مهاجمة التنظيم”.
يملك هذا العسكري الطفل عزيمة قوية لدرجة أنه لا زال يواصل القتال حتى بعد أن خسر والده قبل بضعة أسابيع، في احدى عمليات نزع الألغام المنتشرة في الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة. وصرح الطفل للصحيفة: “أنا أقاتل من أجل الثأر لوالدي. وبالإضافة إلى ذلك، أنا الآن رب أسرة يتوجب علي حماية والدتي وستة إخوة”.
ومن بين الأطفال الآخرين الذين ينتظرون تدريب الولايات المتحدة الأمريكية، نذكر إبراهيم البالغ من العمر 16 عاما، والمسلح ببندقية كلاشينكوف والذي لا يعرف بعد كيفية استعمالها. وقد انظم الفتى إلى مجموعة الشيخ سجار، إلا أنه لم يتلق بعد الدورة التدريبية التي تقدمها القوات الخاصة التابعة للولايات المتحدة.
يملك ابراهيم مثل معظم المجندين الشباب السنة، الأسباب الكافية لمحاربة تنظيم الدولة. كان والده ضابطا عسكريا متقاعدا في الجيش العراقي وهو يدير الآن محل بقالة في منطقة الحاج علي، وعندما بدأ عناصر تنظيم الدولة في اصطياد الجنود العراقيين، تمكن والد ابراهيم من الفرار بعد أشهر من الاختباء في منازل الجيران والأقارب. لكن رجال أبو بكر البغدادي انتقموا من أسرته.
وتعليقا على ذلك، قال ابراهيم: “لقد أعدم عمي وجدي ثم تم تعليقهما على باب محل البقالة، ولقد رأيت بأم عيني هذا المشهد الفظيع”. ويضيف المراهق: “لقد كانت فترات صعبة للغاية، بدأنا نشعر فجأة أننا عدنا إلى العصور الوسطى”.
ويكشف ابراهيم أنه “في المساجد، كان يحاول عناصر تنظيم الدولة إقناع الشباب بالانضمام إليهم. وفعلا، انظم العديد من سكان المنطقة إلى هذا التنظيم المتطرف، ونحن الآن نقاتل ضد هؤلاء الأشخاص الذين كانوا جزءً منا”.
وجدير بالذكر أنه قبل شهرين، حرر رجال الشيخ سجار منطقة الحاج علي، ولكن عناصر تنظيم الدولة لم يستسلموا بعد كما أنهم لم يعترفوا بأنهم خسروا المعركة، ولهذا السبب يبقى المسلحون السنة يقظين كل ليلة في انتظار هجوم جديد. ويتناوب المقاتلون السنة ليلا على الحراسة في ثكنة عسكرية مؤقتة، وهي عبارة على منزل مهجور متكون من ثلاثة طوابق، يمكنك رؤية خط العدو من أعلاه.
وقد مكن تحرير بلدة قرايا في الفترة الأخيرة على يد القوات العراقية، من التقليص من عدد الهجمات إلا أنه لا زال هناك عدد من مقاتلي تنظيم الدولة يقاومون في المنطقة.
وعلى مضض قبل الشيخ سجار التحالف مع الجيش العراقي، من أجل أن يتمكن مقاتلو فريقه الذين يقدر عددهم بـ 320 عنصرا، التمكن من الحصول على راتب وأسلحة. وفي هذا الإطار، قال أحد هذه العناصر، والذي يدعى عمر: “في بداية هذا التحالف كنا نتقاضى حوالي 750 ألف دينار عراقي، وفيما بعد تم خفض هذه القيمة إلى النصف وبعد بضعة أشهر أصبحنا لا نتقاضى شيئا”.
ويضيف الشاب بسخرية: “تحصلنا على 125 بندقية كلاشينكوف تعود إلى حرب الخليج الأولى، هذه هي كل الأسلحة التي أعطتنا إياها بغداد”. وفي واقع الأمر، تمكن رجال سجار من كسب ترسانة من الأسلحة الرشاشة من عيار 14.5، وبنادق قناصة من طراز دراغونوف، من مزودين آخرين.
ولا يخفي الزعيم السني، الذي سبق وأن تعاون مع القوات الأمريكية في الحرب ضد تنظيم القاعدة، استياءه تجاه حكومة بغداد التي تحاول اقصاء السنة قائلا: “لم تعلمنا حكومة بغداد بالعملية العسكرية لاستعادة قرايا، هذه أرضنا، ومنطقة الموصل تابعة للقبائل السنية، ولكن بغداد تريد أن تسلمها للشيعة”.
ويضيف الشيخ سجاد: “إن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، يريد ادماج قواته فقط في عملية استعادة الموصل ويحرص على عدم تشريك القبائل السنية أو البيشمركة. وجدير بالذكر أن الجيش العراقي يتكون أساسا من ضباط شيعة كما أن مليشيات الحشد الشعبي هي التي تقود عمليات الهجوم ضد تنظيم الدولة”.
“الولايات المتحدة الأمريكية تبحث في حل للوضع في الموصل”
وفي هذا الإطار، قال الشيخ: “نأمل أن تغير الولايات المتحدة الأمريكية رأي العبادي. وأنا أثق فيها فهي تبحث في حل للوضع في الموصل. وفي هذه المرحلة، تمكنا من الحصول على اتفاق مع العبادي من أجل دمج حوالي 15 ألف سني داخل القوات الأمنية في الموصل، ونفس النسبة داخل الجيش؛ وذلك بمجرد استعادة السيطرة على الموصل”.
ويعترف الشيخ أنه عندما قدم عناصر تنظيم الدولة إلى الموصل، كان العديد ينظر إليهم على أنهم المنقذ للوضع. ويقول: “كنا نعتقد أن تنظيم الدولة جاء لإسقاط حكومة نوري المالكي. ولكن اتضح لنا فيما بعد أن هذا التنظيم أسوأ من تنظيم القاعدة”.
وجدير بالذكر أنه منذ سقوط نظام صدام حسين، هيمن الشيعة على الحكومة العراقية، مما أدى إلى استياء بين السنة الذين شعروا على مدى العقد الماضي بالاضطهاد. ومنذ قدومه، حاول تنظيم الدولة الاستفادة من الوضع والتهميش الذي يعاني منه السنة ليكسب الكثير من القوة والدعم من السنة.
وكنتيجة لهذا التهميش، ورثت الأجيال الجديدة هذا الاستياء، وأصبح الأطفال القصر يلتحقون بالمليشيات للقتال فيها أو يختاروا أن يكونوا متطوعين للمشاركة في عمليات تحرير الموصل.
ومن بين القصّر الآخرين، يمكن الحديث عن عبد الرزاق، البالغ من العمر 16 عاما، والذي أصيب بطلق ناري في القدم اليمنى عندما شارك الجندي الشاب الشهر الماضي في معركة تحرير قرية النصر قرب مخمور، في صفوف ميليشيا الشيخ فارس. وتضم هذه الوحدة حوالي 500 مقاتل سني. وقال الفتى “كنت على بعد 50 مترا من مقاتلي تنظيم الدولة، واغتنم القناص الفرصة وصوب النار في اتجاهي. ولحسن الحظ، لم تكن الإصابة خطيرة. وعندما أتعافى، سأعود للقتال”.
كما قال رفيق عبد الرزاق، عبد الله البالغ من العمر 15 عاما، أن كل ما يتمناه الآن هو أن يشارك في القتال مع قوات الحشد الوطني من أجل تحرير الموصل، فهذه هي أرضه، مضيفا: “نحن لا نريد أن تتكرر نفس المعاناة التي عشناها خلال ترأس المالكي للحكومة”.
وفي الختام، ومع انضمام حوالي 100 ألف متطوع شيعي إلى حركة الحشد الشعبي بقيادة مقتدى الصدر من جهة، وانضمام عشرات الألاف من السنة المستائين من الوضع إلى الميليشيات القبلية؛ فإن مستقبل العراق بعد استعادة السيطرة على الموصل يبدو ضبابيا.
المصدر: إلكونفدنسيال